والعلوّ: اعتبار عقلائي به كان الآمر نافذ الكلمة وواجب الطاعة عندهم،سواء كان هذه القدرة ونفوذ الكلمة بحقّ، كقدرة الآباء والموالي على الأولادوالعبيد وقدرة الإمام بالحقّ على الرعيّة، أم لا، كقدرة من تسلّط على الناسبالظلم، فله أيضاً علوّ عند العقلاء.
المساوي لا يعدّ عندهم أمراً حقيقةً كما ذهب إليه المحقّق الخراساني(1) أيضاً،ولكنّه قال بعدم اعتبار الاستعلاء، مع أنّ الحقّ اعتباره أيضاً، فإنّ المولى إذخاطب عبده بقوله: «أعطني ماءً» لكن بنحو التضرّع وخفض الجناح، لا عنموضع القدرة لم يعدّ قوله عند العرف أمراً، إذ لا ريب في أنّ حقيقة الأمربنفسه تغاير حقيقة الالتماس كما قال سيّدنا الاُستاذ البروجردي رحمهالله .
كلام السيّد البروجردي في المقام
لكنّه قدسسره أخطأ فيما استنتجه منه حيث قال:
إنّ الطلب بنفسه ينقسم إلى قسمين:
القسم الأوّل: الطلب الذي قصد فيه الطالب انبعاث المطلوب منه من نفسهذا الطلب، بحيث يكون داعيه ومحرّكه إلى الامتثال صرف هذا الطلب، وهذالقسم من الطلب يسمّى أمراً.
القسم الثاني: هو الطلب الذي لم يقصد الطالب فيه انبعاث المطلوب منه مننفس طلبه، بل كان قصده انبعاث المطلوب منه من هذا الطلب منضمّاً إلىبعض المقارنات التي توجب وجود الداعي في نفسه، كطلب المسكين منالغنيّ، فإنّ المسكين لا يقصد انبعاث الغنيّ من نفس طلبه وتحريكه، لعلمهبعدم كفاية بعثه في تحرّك الغنيّ، ولذا يقارنه ببعض ماله دخل في انبعاث الغنيّ،كالتضرّع والدُّعاء لنفس الغنيّ ووالديه مثلاً، وهذا القسم من الطلب يسمّىالتماساً أو دعاءً.
فعلى هذا حقيقة الطلب على قسمين، غاية الأمر أنّ القسم الأوّل منه ـ أيالذي يسمّى بالأمر ـ حقّ من كان عالياً، ومع ذلك لو صدر عن السافل
(صفحه20)
بالنسبة إلى العالي كان أمراً أيضاً، ولكن يذمّه العقلاء على طلبه بالطلب الذيليس شأناً له، فيقولون: أتأمره؟ كما أنّ القسم الثاني يناسب شأن السافل، ولوصدر عن العالي أيضاً لم يكن أمراً، فيقولون: لم يأمره، بل التمس منه، ويرونهذا تواضعاً منه.
وبالجملة: حقيقة الطلب منقسمة إلى قسمين: طلب يسمّى أمراً وطلبيسمّى التماساً أو دعاءً، والقسم الأوّل منه يناسب العالي، لا أنّ كون الطالبعالياً مأخوذ في مفهوم الأمر، حتّى يكون معنى «آمرك بكذا» أطلب منك وأنعالٍ(1)، إنتهى.
نقد كلام الاُستاذ البروجردي رحمهالله في المقام
وفيه: أنّ القسم الأوّل من الطلب إذا كان حقّ العالي وليس شأن السافلفكيف يكون طلبه بهذا النحو(2) مصداقاً للأمر؟! فعدم استحقاق السافل لهذالنحو من الطلب شاهد على اعتبار العلوّ في معنى الأمر، وعدم كون طلبالسافل ـ بأيّ نحو كان ـ أمراً.
وأمّا عدم كون معنى «آمرك بكذا» أطلب منك كذا وأنا عالٍ، فليس شاهدعلى دعواه، فإنّ الإنسانيّة أيضاً معتبرة في الأمر، مع أنّه ليس معنى «آمركبكذا» أطلب منك كذا وأنا إنسان، وكذا لا نفسّر الأمر بأنّه «طلب وجوبي»حتّى على القول بكونه حقيقةً في خصوص الوجوب.
والحاصل: اعتبار العلوّ والاستعلاء كليهما في معنى الأمر.
وقيل: يعتبر أحد الأمرين على سبيل منع الخلوّ، واستدلّ عليه بتقبيح
- (2) أي: بقصد انبعاث المطلوب منه من نفس هذا الطلب، بحيث يكون داعيه ومحرّكه إلى الامتثال صرفهذا الطلب. م ح ـ ى.
ج2
العقلاء الطالب السافل من العالي المستعلى عليه وتوبيخهم إيّاه بمثل أنّك لِمَتأمره؟
وأجاب عنه المحقّق الخراساني رحمهالله بأنّ التقبيح والتوبيخ إنّما هو على استعلائهلا على أمره حقيقةً بعد استعلائه، وأمّا إطلاق الأمر على طلبه فإنّما هو لأجلادّعائه صدور الأمر منه، فإنّ السافل إذا رأى أنّ الأمر متوقّف على العلوّالذي هو فاقد له تمسّك بالعلوّ الادّعائي ليتمكّن به من الأمر فاعتقد نفسهآمراً، فطلبه وإن لم يكن أمراً حقيقةً، إلاّ أنّه يراه أمراً، وبهذا الاعتبار يوبّخهالعقلاء بقولهم: «لِمَ تأمره»(1)؟