بغرض المولى، فإنّ العبد إذا علم بأنّ غرض المولى من الأمر بإتيان الماء هوالتمكّن من الماء لرفع عطشه به، وعلم أيضاً بأنّ الماء المأتيّ به قد اُهرق فارتفعتمكّنه منه يجب عليه الإتيان بماء آخر، لا لعدم سقوط الأمر، فإنّه سقط بمجرّدالإتيان الأوّل، بل لأنّ قضيّة العبوديّة والمولويّة تقتضي لزوم تحصيل غرضالمولى فيما إذا كان لازم الاستيفاء وكان العبد عالماً به، ولو لم يصدر منه أمرأصلاً، ألاترى أنّ العبد لو رأى ابن المولى مشرفاً على الغرق يجب عليه إنقاذهوإن لم يكن المولى عالماً بحال ابنه حتّى يأمر بإنقاذه، ولا يجوز للعبد تركالإنقاذ معتذراً عند مولاه بأنّك لم تأمرني بإنقاذه.
وبالجملة: يجب على العبد تحصيل غرض المولى إذا علم به، سواء صدر منقبله أمر أم لا. نعم، صدور الأمر يكون طريقاً لعلم العبد بالغرض غالباً.
ففي المقام سقط الأمر، ولزوم الإتيان بالماء ثانياً إنّما هو لأجل تحصيلغرض المولى وإن لم يكن أمر في البين، فلا يصدق عليه عنوان امتثال الأمر،فحينئذٍ لا يكون وجوب الإتيان بالماء ثانياً فيما إذا اُهرق الماء الأوّل شاهدعلى جواز تبديل الامتثال بامتثال آخر كما زعم المحقّق الخراساني رحمهالله .
وأمّا مسألة استحباب إعادة الصلاة جماعة لمن أدّاها فرادى، ونحوها،كاستحباب تكرار صلاة الآيات ما دام سببها باقياً في مثل الكسوفوالخسوف الذي لا يرتفع فوراً فلو لم يوجد لها محمل فلابدّ من القول بكونهمن المتشابهات التي علمها عند اللّه والرسول والأئمّة المعصومين عليهمالسلام ، لأنّظاهر القرآن والروايات ليس بحجّة إذا كان مخالفاً لحكم عقلي قطعي، وقدعرفت أنّ عدم إمكان الامتثال عقيب الامتثال وكذا تبديله بامتثال آخر منالأحكام العقليّة البديهيّة، فلا يمكن القول بأنّ إعادة الصلاة في المسألتين منقبيل أحدهما.
مضافاً إلى أنّه يمكن الجواب عن روايات الباب بوجه آخر:
أمّا روايات صلاة الجماعة فاختلفوا في موردها، فذهب المحقّق الخراساني رحمهالله تبعاً للمشهور إلى أنّ موردها ما إذا انعقدت الجماعة بعد إتمام صلاته منفرداً،أو حين الاشتغال بها لكنّه يتمّها فريضةً، ثمّ يعيدها جماعةً، وذهب الشيخ رحمهالله فيالتهذيب إلى أنّ موردها إنّما هو ما إذا انعقدت الجماعة حين الاشتغالبالصلاة، ومعناها أنّه يستحبّ عليه أن يصرف نيّته من الفريضة إلى النافلة،فيقطعها أو يتمّها سريعاً ثمّ يصلّي الفريضة جماعة(1).
وعلى هذا فلا ترتبط الروايات بالمقام أصلاً.
وأمّا على قول المشهور فيمكن أن يترائى في بادئ النظر أنّها تدلّ علىتبديل الامتثال كما زعمه المحقّق الخراساني رحمهالله ، ولكنّ الواقع خلافه، لأنّالإعادة مستحبّة لا واجبة، فلنا حكمان: أحدهما الوجوب، والآخرالاستحباب، والأوّل تعلّق بطبيعة الصلاة، والثاني بإعادتها جماعة، فالإتيانبها فرادى امتثال للحكم الوجوبي، وإعادتها جماعةً امتثال للحكمالاستحبابي، فأين تبديل الامتثال؟!
لا يقال: كيف يمكن القول بكون الصلاة المعادة مستحبّة مع أنّه ورد فيبعض الروايات: «ويجعلها الفريضة»(2) أو «ويجعلها الفريضة إن شاء»(3)؟
فإنّه يقال: ليس المراد بجعلها الفريضة نيّة الوجوب، بل المراد أن يجعلهبعنوان الصلاة التي أدّاها فرادى كالظهر والعصر وغيرهما، فإنّ الصلاة منالعناوين القصديّة التي لا تتعيّن إلاّ بالتعيين والقصد.
نعم، لا يلائمه كلمة «إن شاء» في الرواية الثانية، لأنّ الصلاة مع الجماعة إن
- (1) تهذيب الأحكام 3: 50، باب أحكام الجماعة، الحديث 88 .
- (2) وسائل الشيعة 8 : 403، كتاب الصلاة، الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 11.
- (3) وسائل الشيعة 8 : 401، كتاب الصلاة، الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 1.
(صفحه192)
كانت إعادة لما أدّاها فرادى فلا يصحّ تعليقه بمشيئة المصلّي الظاهر في أنّهيتمكّن من أن يجعلها غيرها.
فلعلّ الأوجه أن يُقال: اُريد أنّه يقصد بها صلاة القضاء إن شاء، ويؤيّدهخبر إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبداللّه عليهالسلام : تقام الصلاة وقد صلّيت؟فقال: «صلِّ واجعلها لما فات»(1).
فحاصل معنى الروايات أنّه يجعلها قضاءً لما فات إن شاء، وإن لم يشأ ينويبها إعادة لما أدّاها فرادى.
إن قلت: ورد في رواية: «يختار اللّه أحبّهما إليه»(2) كما أشار إليه المحقّقالخراساني رحمهالله فما المراد به؟
قلت: مضافاً إلى ضعفها سنداً يمكن أن يكون معناها أنّه تعالى يختار الصلاةالتي هي أحبّ إليه، وهي ما أتى بها جماعةً، فيعطيه ثواب الجماعة، وإن تحقّقالامتثال وسقط الأمر الوجوبي بالصلاة التي أتى بها فرادى.
وأمّا ما دلّ على إعادة صلاة الآيات فهو ما روي عن معاوية بن عمّار قال:قال أبو عبداللّه عليهالسلام : «صلاة الكسوف إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد»(3).
وظاهره وجوب الإعادة، ولكن لم يقل به أحد إلاّ من شذّ وندر.
أمّا المشهور فذهبوا إلى كفاية صلاة واحدة مطلقاً، واستحباب الإعادة فيمثل الكسوف والخسوف الذي لا يرتفع فوراً.
فلنا حكمان، ولكلّ منهما متعلّق، أحدهما الوجوب، وهو تعلّق بطبيعةصلاة الآيات، والثاني الاستحباب، وهو تعلّق بإعادتها، فالصلاة الاُولىامتثال للحكم الأوّل، والثانية للحكم الثاني، فأين تبديل الامتثال بامتثال
- (1) وسائل الشيعة 8 : 404، كتاب الصلاة، الباب 55 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 1.
- (2) وسائل الشيعة 8 : 403، كتاب الصلاة، الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 10.
- (3) وسائل الشيعة 7: 498، كتاب الصلاة، الباب 8 من أبواب صلاة الكسوف والآيات، الحديث 1.
ج2
آخر؟!
بل لو قلنا بوجوب الإعادة لأمكن أيضاً هذا التوجيه، لأنّ الوجوب الأوّلتعلّق بطبيعة صلاة الآيات ويسقط بالصلاة الاُولى، والوجوب الثاني تعلّقبإعادتها ويسقط بالصلاة الثانية.
والحاصل: أنّ الإتيان بالمأمور به بكلّ أمر يقتضي الإجزاء عن نفس ذلكالأمر بالضرورة.
الموضع الثاني: أنّ الإتيان بالمأمور به بالأمر(1) الاضطراري أو الظاهريهل يجزي عن الإتيان بالمأمور به بالأمر الاختياري أو الواقعي أو لا؟
ففيه مقامان من البحث:
- (1) هذا التعبير على فرض تعدّد الأمر، وإلاّ فقد عرفت أنّا ذهبنا تبعاً لسيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام رحمهالله إلى أنّهليس لنا أكثر من أمر واحد. منه مدّ ظلّه.