نعم، لا بأس بالقول برجوع القضايا المتضمّنة للأحكام بلحاظ قيودهالخارجة عن قدرة المكلّف كالبلوغ والعقل وزوال الشمس وغروبها إلىالقضايا الشرطيّة، فكأنّ الشارع قال: «إذا بلغتم يجب عليكم الصلاة» و«إذ
غربت الشمس يجب عليكم العشاءان» وهكذا، فهذه الاُمور ـ كما قال المحقّقالنائيني ـ اُخذت مفروضة الوجود خارجاً في القضايا المتضمّنة للأحكام.
إن قلت: قصد الأمر أيضاً كذلك، لأنّه مركّب إضافيّ، والمضاف إليه ـ وهوالأمر ـ خارج عن اختيار المكلّف.
قلت: إنّه لا يكون معتبراً إلاّ في ظرف الامتثال، وقد عرفت كونه أمراختياريّاً في هذا الوقت، بخلاف مثل زوال الشمس، حيث إنّه خارج عن قدرةالمكلّف قبل التكليف وبعده.
على أنّ القضايا المتضمّنة للتعبّديّات لا يمكن إرجاعها بالنسبة إلى قصدالأمر إلى الشرطيّات، وإلاّ لكان الشرطيّة هكذا «إذا قصدتم الأمر يجبعليكم الصلاة» مثلاً، وهو واضح الخلاف، لعدم اشتراط وجوبها بقصد الأمر.
وبعبارة اُخرى: ماذا أراد المحقّق النائيني رحمهالله بقوله: «إنّ القيد إذا كان غيراختياريّ فلابدّ من أخذه مفروض الوجود في مقام الجعل»؟
إن أراد أنّ لوجوده الذهني دخلاً في جعل الحكم فلا فرق بين المقدوروغير المقدور، إذ الفرق بينهما إنّما هو بحسب الوجود الخارجي، وأمّا بحسبالتصوّر الذهني فجميع القيود اختياريّة، حتّى مثل زوال الشمس وغروبها، بلحتّى المحالات العقليّة، كاجتماع النقيضين، وإلاّ لم يمكن الإخبار عنه بقولنا:«اجتماع النقيضين محال».
وإن أراد أنّ وجوده الخارجي دخيل فيه(1) فلا نسلّم كون قصد الأمر غيرمقدور، لما عرفت من اعتبار القدرة في ظرف الامتثال لا في زمان الأمر،فقصد الأمر ليس من قبيل زوال الشمس الذي لا يقدر عليه المكلّف لا قبلالتكليف ولا بعده، بل من قبيل تطهير الثوب من النجاسة، إلاّ أنّ مقدوريّة
- (1) أي في جعل الحكم. م ح ـ ى.
(صفحه92)
تطهير الثوب منها لا يتوقّف على التكليف، بخلاف قصد الأمر، وهذا الفرق ليكون فارقاً بعد كون العبد قادراً على كليهما في ظرف الامتثال.
مضافاً إلى أنّ اشتراط وجوب التعبّديّات بقصد الامتثال كاشتراط وجوبصلاة الظهر بالزوال واضح المنع كما تقدّم.
والحاصل: أنّه لا دليل على كون أخذ قصد القربة في متعلّق الأمر ممتنعذاتاً.
البحث حول امتناعه الغيري
نظريّة صاحب الكفاية في المقام
وأمّا الاستحالة بالغير فهي تستفاد من كلام المحقّق الخراساني رحمهالله ولا يخفىأنّ صدر كلامه ظاهر في الاستحالة الذاتيّة، لكن ما أفاده في مقام الاستدلالناظر إلى الامتناع الغيري.
فإنّه قال: وذلك(1) لاستحالة أخذ ما لا يكاد يتأتّى إلاّ من قبل الأمر بشيءفي متعلّق ذاك الأمر مطلقاً، شرطاً أو شطراً(2).
وهذا ظاهر في الاستحالة الذاتيّة، لظهوره في تحقّق الدور المحال ذاتاً.
ثمّ قال في مقام الاستدلال: فما لم تكن نفس الصلاة متعلّقة للأمر لا يكاديمكن إتيانها بقصد امتثال أمرها(3).
وهذا ظاهر في الاستحالة بالغير، لظهوره في أنّ أخذ قصد القربة في متعلّقالأمر ليس بمستحيل ذاتاً، لكنّه يمتنع لأجل استلزامه سلب القدرة عن المكلّف
- (1) أي عدم أخذ قصد الامتثال في نفس العبادة شرعاً. م ح ـ ى.