(صفحه380)
المتوجّه إليها.
بخلاف الاُمور الثلاثة المتقدّمة ـ أعني مسألة الوفاء بالنذر وحصول الفسقوحرمة أخذ الاُجرة ـ فإنّها ذكرت بعنوان الثمرة الأصليّة للمسألة الاُصوليّة فيعرض ما ذكره صاحب الكفاية.
نقد ما أفاده المحقّق العراقي رحمهالله في المقام
ولكن مع ذلك يرد على المحقّق العراقي رحمهالله أنّ الأمر الذي يوجب عباديّةالعمل إذا أتى به بقصد امتثاله إنّما هو الأمر النفسي، لأنّ قصد التقرّب بأمر فرعداعويّته، وقد عرفت أنّها مفقودة في الأمر الغيري(1)، ولذا كنّا مواجهينلعويصة كيفيّة تصحيح عباديّة الطهارات الثلاث كما عرفت(2).
ويرد عليه أيضاً أنّ العامل عقيب الأمر بالعمل لا يستحقّ الاُجرة عليه إلفيما إذا كان الأمر داعياً إليه، بحيث إنّه لولاه لم يفعله، بخلاف ما إذا كان في نفسهداعٍ يبعثه إلى الإتيان بالعمل، ولو لم يؤمر به، كما إذا نذر أن يحمل متاع زيدإلى منزله بعد مجيئه من السفر، فذهب إلى المطار مثلاً، وأمره زيد بحمل متاعهإلى منزله، فهو لا يستحقّ الاُجرة لهذا العمل، لعدم كون الأمر داعياً إليه، لأنّهأراد أن يفعله بسبب النذر ولو لم يأمره زيد به، والمقام من هذا القبيل، لأنّاللابدّيّة العقليّة تكفي في الداعويّة إلى الإتيان بالمقدّمة، فليس الأمر المتعلّق بهداعياً إليها كي يوجب استحقاق العامل الاُجرة عليها.
إن قلت: بين ما ذكرت من مسألة النذر وبين ما نحن فيه فرق واضح، فإنّالإتيان بالمقدّمات في المقام بالأخرة ناشٍ من أمر الآمر بذي المقدّمة، لأنّه لو لم
ج2
يكن لم يحكم العقل بلزوم الإتيان بها لأجل ذيها، بخلاف مسألة النذر، حيثإنّ وجوب حمل متاع زيد بسبب النذر لا علاقة بينه وبين أمر زيد به أصلاً.
قلت: لا نسلّم أنّ الإتيان بالمقدّمة ناشٍ من الأمر بذيها إلاّ فيما إذا ترتّبعليها ذو المقدّمة، حيث إنّه يأتي بها لأجل التوصّل بها إلى ذيها المأمور به،والمفروض في المقام عدم الترتّب، لأنّ العامل يأتي بها دون ذيها فرضاً(1).
نعم، يمكن أن يقال: الاُمور الثلاثة المتقدّمة أعني مسألة الوفاء بالنذروحصول الفسق وحرمة أخذ الاُجرة وإن لم تكن ثمرات للمسألة الاُصوليّة فيعرض ما ذكره المحقّق الخراساني رحمهالله ، إلاّ أنّها ثمرات عمليّة في طوله، ويرتفع بهالإشكال المتقدّم عنه، بمعنى أنّ القول بالملازمة في الاُصول يقتضي استنباطوجوب كلّ واحدة من المقدّمات في الفقه، وهو بنفسه وإن لم يكن ثمرة عمليّة،لتحقّق اللابدّيّة العقليّة ولو لم تجب شرعاً، إلاّ أنّ هذه الاُمور الثلاثة تتفرّععليه، وهي ثمرات عمليّة.تأسيس الأصل في المسألة
تأسيس الأصل في المسألة
اعلم أنّه لا أصل في محلّ البحث في المسألة الاُصوليّة، فإنّ الملازمة بينوجوب المقدّمة ووجوب ذيها وعدمها حكم عقلي، والأحكام العقليّة ليستاُموراً حادثة مسبوقة بالعدم، بل كانت من الأزل وتبقى إلى الأبد، فالملازمةبين وجوب المقدّمة ووجوب ذيها نفياً وإثباتاً أزليّة وأبديّة من دون أن تتوقّفعلى حدوث طرفيها، فإنّ القائل بالملازمة بين وجوب الصلاة ووجوب
- (1) ويمكن أن يُقال: إنّ العامل إن أتى بالمقدّمة قاصداً الإتيان بذيها أيضاً، ثمّ بعد تحقّق المقدّمة رجع عنقصده أو عرض له مانع من الإتيان بذيها فلا إشكال في كون الإتيان بها ناشئاً من الأمر المتعلّق به، وإن كانقاصداً تركه حتّى في بداية الأمر فلا إشكال في عدم تحقّق اللابدّيّة العقليّة أيضاً بالنسبة إلى المقدّمة، فلداعي إليها أصلاً. م ح ـ ى.
(صفحه382)
مقدّمتها يقول بها حتّى فيما إذا لم تكن الصلاة واجبةً فعلاً، فلم يكن لنا زمان لميحكم العقل فيه بالملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدّمته، كي يصحّ أنيدّعي القائل بالملازمة بحدوث هذا الحكم، والقائل بعدمها بعدم الحدوث،ويجري الشاكّ فيه استصحاب العدم.
الأصل في المسألة الفقهيّة، وكلام صاحب الكفاية فيه
وأمّا المسألة الفقهيّة أعني نفس وجوب المقدّمة فذهب المحقّق الخراساني رحمهالله إلى جريان الأصل فيها، لأنّ وجوب المقدّمة يكون مسبوقاً بالعدم حيثيكون حادثاً بحدوث وجوب ذي المقدّمة، فالأصل عدم وجوبها.
وتوهّم عدم جريانه، لكون وجوبها على الملازمة غير مجعول(1)، ولا أثرآخر مجعول مترتّب عليه، مدفوع بأنّه وإن كان غير مجعول بالذات، إلاّ أنّهمجعول بتبع جعل وجوب ذي المقدّمة، وهو كافٍ في جريان الأصل.
والإشكال بأنّ الاُصول العمليّة لا تجري إلاّ إذا ترتّب عليها ثمرة عمليّة،وهي مفقودة في المقام، لعدم ترتّب أثر عملي على وجوب المقدّمة وعدمه بعدحكم العقل بلزوم الإتيان بها، مدفوع أيضاً بما عرفت من الثمرات العمليّةالمترتّبة عليه.
ولكن هاهنا إشكال مهمّ، وهو أنّ إجراء أصالة عدم وجوب المقدّمةيقتضي الحكم بعدم وجوبها، فيحصل العلم بالتفكيك بين الوجوب النفسيالمتعلّق بذي المقدّمة والوجوب الغيري المتعلّق بالمقدّمة، والعلم المذكور ينافي
- (1) فإنّ المجعول ما يكون وضعه ورفعه بيد الجاعل، ووجوب المقدّمة ليس كذلك، إذ لا يمكن للشارع أنيقول: «لا يجب عليكم الوضوء» بعد فرض توقّف الصلاة الواجبة عليه، فوجوب المقدّمة وإن كان شرعيّبمقتضى الملازمة، إلاّ أنّه لا يكون مجعولاً للشارع، فلا يجري الأصل لنفيه. منه مدّ ظلّه توضيحاً للإشكالالمذكور.
ج2
احتمال الملازمة، فإذا فرض ثبوت احتمال الملازمة ثبت امتناع العلم بالتفكيكالحاصل من جريان الأصل، فيقتضي عدم جريانه.
وأجاب عنه المحقّق الخراساني رحمهالله بأنّ النزاع في مسألة مقدّمة الواجب إنّمهو في الملازمة بين الوجوبين الواقعيّين، والأصل إنّما يوجب العلم بالانفكاكظاهراً وفي المرتبة الفعليّة، وهو لا ينافي احتمال الملازمة بينهما واقعاً، وإنّما ينافياحتمال الملازمة بينهما ظاهراً، نعم، لو كانت الدعوى هي الملازمة المطلقة حتىفي المرتبة الفعليّة لصحّ التمسّك بذلك في إثبات بطلانها كما لايخفى(1).
وفي نسخة اُخرى: لما صحّ التمسّك بالأصل كما لا يخفى.
والمطابق لسياق عبارته إنّما هو هذه النسخة الثانية، لأنّ الاستصحابالذي هو من الاُصول العمليّة لا يجري إلاّ عند الشكّ في الملازمة، كما هوالمفروض أيضاً، والقائل بالملازمة يرى نفسه عالماً بها، وليس للجاهل بشيءأن يخاصم العالم به كما هو ظاهر، فلا يصحّ للشاك في الملازمة التمسّك بأصالةعدم وجوب المقدّمة لإبطال الملازمة المدّعاة من قبل العالم بها، كما هو قضيّةالنسخة الاُولى، فالنسخة الصحيحة المطابقة للقواعد ولسياق عبارة المحقّقالخراساني رحمهالله هي النسخة الثانية، أعني قوله: «لما صحّ التمسّك بالأصل».
نقد كلام المحقّق الخراساني رحمهالله من قبل الإمام الخميني قدسسره
ولكن ناقش في هذه النسخة أيضاً سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام قدسسره بأنّقول القائل بالملازمة العالم بها لا يمكن أن يكون مانعاً من جريان الأصل عندالجاهل بها.
بيان ما أفاده الاُستاذ البروجردي رحمهالله في المقام
(صفحه384)
ولسيّدنا الاُستاذ البروجردي رحمهالله كلام يمكن به توجيه ذيل كلام المحقّقالخراساني رحمهالله (1) ودفع ما أورده عليه سيّدنا الاُستاذ الإمام رحمهالله ، فإنّه قال:
وجوب المقدّمة على فرض ثبوته ليس وجوباً مستقلاًّ بملاك مستقلّ، حتّىيكون تابعاً لملاك نفسه، بل هو من اللوازم غير المنفكّة لوجوب ذيها، وعلىهذا فتفكيكهما غير ممكن، لا في الفعليّة، ولا في غيرها من المراتب، فإذا كانوجوب ذي المقدّمة فعليّاً منجّزاً فلا محالة كان وجوبها أيضاً فعليّاً منجّزاً بناءًعلى الملازمة، غاية الأمر أنّ الشاكّ في أصل الملازمة شاكّ في فعليّة وجوبهمن جهة الشكّ في أصل الملازمة، لكن هذا الشكّ لا يضرّ بفعليّته على فرضثبوت الملازمة واقعاً، فالشاكّ في الملازمة أيضاً عالم بكون المقدّمة واجباً فعليّعلى فرض، وغير واجب على فرض آخر، وعلى هذا فلا مجال لجرياناستصحاب العدم في وجوب المقدّمة التي علم بوجوب ذيها، فإنّالاستصحاب بعد جريانه يوجب القطع بفعليّة مؤدّاه وعدم فعليّة الحكمالواقعي المشكوك فيه على فرض ثبوته، فلا يجري في الموارد التي لا ينفكّالحكم الواقعي على فرض ثبوته من الفعليّة، بل اللازم على الشارع حينئذٍإيجاب الاحتياط، كما في باب الأموال والأعراض والنفوس، فإنّا نعلم أنّالحكم الواقعي في هذه الموارد ـ على فرض ثبوته ـ فعلي لا يأبى فعليّته شيء،لأهمّيّة ملاكه، فنستكشف إيجاب الاحتياط من قبل الشارع في تلك الموارد.
ففي ما نحن فيه بعد العلم بوجوب ذي المقدّمة نعلم بفعليّة وجوب مقدّمتهعلى فرض ثبوت الملازمة واقعاً، فكيف يحكم بجريان استصحاب العدمبالنسبة إليه مع استلزام جريانه للقطع بعدم فعليّة وجوبها على فرض ثبوتالملازمة أيضاً(2)، إنتهى.
- (1) وهو قوله: «نعم، لو كانت الدعوى هي الملازمة المطلقة إلخ». م ح ـ ى.