ج2
كونها عقليّة أو غيرها.
إن قلت: قول الشارع: «لا صلاة إلاّ بطهور» ونحوه يدلّ على كونه في مقامبيان الجهة الثانية، أعني استحالة تحقّق المشروط بدون شرطه، وأمّا الجهةالاُولى، وهي كون الطهارة شرطاً للصلاة فقد فرضها الشارع أمراً مفروغعنه، ولو كان في مقام بيان جعل الشرطيّة واعتبارها لقال: «جعلت الطهارةشرطاً للصلاة» أو «اعتبرتها شرطاً لها» ونحو هذين التعبيرين، فالحاكمباستحالة تحقّق المشروط بدون شرطه أيضاً هو الشارع لا العقل.
قلت: حكم العقل بالاستحالة في غاية الوضوح، فلابدّ من حمل مثل «لصلاة إلاّ بطهور» على جعل الشرطيّة واعتبارها ببيان أبلغ، فيكون معناه:«جعلت الطهارة شرطاً للصلاة».
وإن أبيت إلاّ عن دلالته على استحالة تحقّق المشروط بدون شرطه فلابدّمن حمله على الإرشاد إلى حكم العقل، لا أنّه يدلّ على حكم الشارعبالاستحالة هاهنا في مقابل حكم العقل بها في الواقعيّات.
والحاصل: أنّ المقدّمة الشرعيّة ترجع إلى العقليّة، سواء كانت مقدّميّتهأمراً واقعيّاً أو اعتباريّاً.
وأمّا العاديّة فالحقّ فيها ما قاله المحقّق الخراساني رحمهالله من أنّها إن كانت بمعنىأن يكون التوقّف عليها بحسب العادة، بحيث يمكن تحقّق ذيها بدونها، إلاّ أنّالعادة جرت على الإتيان به بواسطتها(1)، فهي وإن كانت غير راجعة إلىالعقليّة، إلاّ أنّه لا ينبغي توهّم دخولها في محلّ النزاع، وإن كانت بمعنى أنّالتوقّف عليها وإن كان فعلاً واقعيّاً، كنصب السلّم ونحوه للصعود على
- (1) كالصعود على الارتفاع الذي لا يزيد على متر واحد، فهو لا يستحيل أن يتحقّق بدون نصب السلّمونحوه لا ذاتاً ولا وقوعاً، إلاّ أنّ العادة جرت على الصعود عليه بواسطة مثل نصبه. منه مدّ ظلّه.
(صفحه244)
السطح(1)، إلاّ أنّه لأجل عدم التمكّن من الطيران الممكن عقلاً، فهي أيضراجعة إلى العقليّة(2)، ضرورة استحالة الصعود بدون مثل النصب عقلاً لغيرالطائر فعلاً، وإن كان طيرانه ممكناً ذاتاً(3)، إنتهى كلامه رحمهالله .
والحاصل: أنّه لا فائدة لهذا التقسيم في باب مقدّمة الواجب، لرجوعالشرعيّة إلى العقليّة، وعدم كون العاديّة محلاًّ للنزاع على أحد الفرضين،ورجوعها أيضاً إلى العقليّة على الفرض الآخر.
مقدّمة الوجود والصحّة والوجوب والعلم
ومنها: تقسيمها إلى مقدّمة الوجود، ومقدّمة الصحّة، ومقدّمة الوجوب،ومقدّمة العلم.في مقدّمة الوجود والصحّة والوجوب والعلم
ولا يخفى رجوع مقدّمة الصحّة إلى مقدّمة الوجود، ولو على القول بكونالأسامي موضوعة للأعمّ، ضرورة أنّ الكلام في مقدّمة الواجب لا في مقدّمةالمسمّى بأحدها كما لا يخفى.
ولا إشكال في خروج مقدّمة الوجوب عن محلّ النزاع، بداهة عدم اتّصافهبالوجوب من قبل الوجوب المشروط بها(4)، ضرورة أنّ اتّصافها بالوجوبكذلك قبل وجودها غير معقول، لأنّ المفروض أنّ وجوبها من قبل الوجوبالمشروط بوجودها، وكذلك اتّصافها به بعد تحقّقها، لأنّه من قبيل الأمر
- (1) وهذا إذا كان السطح مرتفعاً جدّاً بحيث يستحيل وقوعاً الصعود عليه بدون النصب، وإن كان أمراً ممكنذاتاً، فالفرق بينه وبين الفرض الأوّل أنّ تحقّق ذي المقدّمة بدونها أمر ممكن ذاتاً ووقوعاً في الأوّل،بخلاف الثاني، فإنّه وإن كان ممكناً ذاتاً إلاّ أنّه مستحيل وقوعاً. منه مدّ ظلّه.
- (2) لأنّ ظاهر قولنا في تعريف المقدّمة العقليّة: «هي ما استحيل واقعاً وجود ذي المقدّمة بدونه» أعمّ منالاستحالة الذاتيّة، فيعمّ الممكن ذاتاً المستحيل وقوعاً. منه مدّ ظلّه.
- (4) نعم، يمكن أن يتّصف بالوجوب من جهة اُخرى، كما إذا نذر تحصيل الاستطاعة للحجّ، فإنّه يصير واجبلأجل وجوب الوفاء بالنذر، لكنّه لا يرتبط بالمقام كما لا يخفى. منه مدّ ظلّه.
ج2
بتحصيل الحاصل.
وكذلك المقدّمة العلميّة، فإنّها عبارة اُخرى عن العمل بالاحتياط لتحصيلالبراءة اليقينيّة بعد العلم بالاشتغال، كالصلاة إلى أربع جهات عند اشتباهالقبلة، وغسل مقدار من العضد للعلم بغسل المرفق في الوضوء، والحاكمبوجوب الاحتياط في موارد العلم بالاشتغال هو العقل لا الشرع.
نعم، ورد في بعض موارد العلم بالاشتغال روايات أيضاً دالّة على وجوبالاحتياط، كما في مسألة اشتباه القبلة(1)، لكنّها محمولة على الإرشاد إلى حكمالعقل.
لا يقال: الكلام في المقام أيضاً في الملازمة العقليّة، فما وجه خروج المقدّمةالعلميّة عنه مع كونها واجبة بحكم العقل؟!
فإنّه يقال: البحث في المقام وإن كان في الملازمة العقليّة، إلاّ أنّ طرفيها همالوجوب الشرعي المولوي، ووجوب المقدّمة العلميّة عقلي أوّلاً، وإرشادي(2)لأجل وجوب الإطاعة ثانياً.
مضافاً(3) إلى أنّ البحث في مقدّمة الواجب، أي فيما له دخل في وجوده، لفي مقدّمة وجوبه أو العلم بوجوده.
والحاصل: أنّ تقسيم المقدّمة بهذا اللحاظ ثلاثي لا رباعي، لرجوع مقدّمةالصحّة إلى مقدّمة الوجود، ولا يدخل في محلّ النزاع إلاّ القسم الأوّل منالأقسام الثلاثة، وهو مقدّمة الوجود فقط.في المقدّمة المتقدّمة والمقارنة والمتأخّرة
- (1) وسائل الشيعة 4: 310، كتاب الصلاة، الباب 8 من أبواب القبلة، الحديث 1 و 4 و 5.
- (2) كما أنّ الأحكام الشرعيّة تنقسم إلى مولوي وإرشادي كذلك تنقسم إليهما الأحكام العقليّة، فالحكمالعقلي المولوي مثل قبح الظلم، والإرشادي مثل لزوم الاحتياط في موارد العلم بالاشتغال، فإنّه ليسمولويّاً، بل إرشادي لأجل العلم بإتيان المأمور به. منه مدّ ظلّه.
- (3) هذا دليل آخر على خروج كلا القسمين ـ أعني مقدّمة الوجوب والعلم ـ عن محلّ النزاع كما لا يخفى.م ح ـ ى.
(صفحه246)
المقدّمة المتقدّمة والمقارنة والمتأخّرة
ومنها: تقسيمها إلى المتقدّم والمقارن والمتأخّر بحسب الوجود بالإضافة إلىذي المقدّمة. وهاهنا إشكال يتوقّف على ذكر مقدّمة، وهي أنّه قرّر في المعقولأنّ العلّة وكلاًّ من أجزائها لابدّ من أن تكون متقدّمة على المعلول رتبةً،ومقارنة له زماناً، بمعنى أنّها لابدّ من أن تكون موجودةً في زمن وجودالمعلول، سواء وجدت معه، أو قبله لكن بقيت إلى حين وجوده(1).
فعلى هذا لا يمكن أن تكون العلّة متأخّرة عن المعلول، ولا متقدّمة عليهزماناً متصرّمةً حين وجوده، فكيف يمكن تصوير المقدّمة المتأخّرة عنالمعلول، والمتقدّمة عليه مع أنّها علّة له؟!
والإشكال يتأكّد بما نرى في عبادات الفقه ومعاملاته نماذج من المقدّمةالمتأخِّرة، كالأغسال الليليّة المستقبلة المعتبرة في صحّة صوم المستحاضة عندبعض، والإجازة في صحّة العقد الفضولي على الكشف الحقيقي(2) كذلك(3)،والمتقدّمة، كالعقد في الوصيّة التمليكيّة، فإنّه يؤثّر في ملكيّة الموصى له بعدموت الموصي العاقد، وكالصرف(4) والسلّم، فإنّه يعتبر في تأثير الأوّل قبضالعوضين، وفي تأثير الثاني قبض الثمن في المجلس، فعقدهما متقدّم على حصولالملكيّة متصرّم حينه، بل كلّ عقد من قبيل المقدّمة المتقدّمة بالنسبة إلى غالبأجزائه، لتصرّمها حين تأثيره. فكيف التوفيق بين هذه الأحكام الشرعيّة
- (1) فإنّ البحث كما عرفت لا يختصّ بالعلّة التامّة كي يشترط المقارنة الزمانيّة في الحدوث، بل في الأعمّمنها ومن الناقصة. منه مدّ ظلّه.
- (2) في مقابل النقل والكشف الحكمي، وهو عبارة عن الحكم بعد الإجازة بترتّب آثار الملكيّة من حينالعقد من دون أن تتحقّق الملكيّة كذلك حقيقةً. م ح ـ ى.
- (4) وهو بيع الأثمان بمثلها. م ح ـ ى.
ج2
وتلك القاعدة العقليّة المتقدِّمة؟(1)
نظر المحقّق العراقي رحمهالله في المقدّمة المتقدّمة والمتأخِّرة
ذهب المحقّق العراقي رحمهالله في حلّ الإشكال إلى أنّ الأحكام الشرعيّة تكليفيّةكانت أم وضعيّة، اُمور اعتباريّة، ويمكن للمعتبر أن يجعل شيئاً شرطاً لشيءمع كونه متقدِّماً عليه زماناً، منعدماً حين وجوده، أو متأخِّراً عنه، ولا تقاسالاعتباريّات بالاُمور الواقعيّة التكوينيّة، لأنّ عنانها بيد المعتبر.
على أنّه يمكن تقدّم الشرط على المشروط أو تأخّره عنه في التكوينيّاتأيضاً، لأنّ المقتضي للمعلول هو حصّة خاصّة من المقتضي لا طبيعيّه، لأنّالنار الخاصّة ـ وهي التي تماسّ الجسم المستعدّ باليبوسة للاحتراق ـ تفعلالاحتراق(2)، لا الحصص الاُخرى، فتلك الخصوصيّة التي بها تخصّصت الحصّةلابدّ لها من محصّل في الخارج، وما به تحصل خصوصيّة الحصّة المقتضيةيسمّى شرطاً، والخصوصيّة المزبورة عبارة عن نسبة قائمة بتلك الحصّةحاصلة من إضافتها إلى شيء ما، فذلك الشيء المضاف إليه هو الشرط،والمؤثّر في المعلول هو نفس الحصّة الخاصّة، فالشرط هو طرف الإضافةالمزبورة، وما كان شأنه كذلك جاز أن يتقدّم على ما يضاف إليه أو يتأخّر عنهأو يقترن به(3).
- (1) إن قلت: القاعدة العقليّة مربوطة بالعلّة وأجزائها، لا بمقدّمة الواجب. قلت: مقدّمة الواجب أيضاً إمّا منقبيل العلّة التامّة، أو الناقصة من السبب والشرط وعدم المانع. منه مدّ ظلّه.
- (2) «الإحراق» صحّ ظاهراً. م ح ـ ى.
- (3) ويمكن أن يمثّل له بالعلم بالأزمنة القادمة، مثل العلم بأنّ الشهر القادم هو ذو القعدة، أو بالأزمنة الماضيةوالحوادث التي وقعت فيها، مثل العلم بأنّ يوم الأمس كان يوم الاثنين، وبأنّ موت زيد حدث في السنةالماضية، فالعلم الذي هو من الإضافات موجود بالفعل، ولكن ما يضاف إليه إمّا أمر متقدّم منصرم، أو أمراستقبالي متأخّر. منه مدّ ظلّه.