(صفحه428)
فيه حكم، فالعقل إذا لاحظ أنّ الشارع لم يحكم بوجوبه ولا بحرمته ولباستحبابه ولا بكراهته يحكم بإباحته، بمعنى أنّا نختار في الفعل والترك مندون أن يكونا مستندين إلى حكم شرعي، وليس هذا إلاّ خلوّ الواقعة عنالحكم الشرعي(1). وتلخّص ممّا ذكرناه أنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عنضدّه العامّ ولا الخاصّ.
ثمرة النزاع
لا يخفى أنّ المراد بالضدّ الخاصّ في المقام مطلق المعاند الذي لا يجامعالمأمور به، سواء كان أمراً عباديّاً كالصلاة، أم لا كالأكل والمطالعة والخياطةونحوها، فيحرم جميعها لوقلنا بالاقتضاء، وإلاّ فلا، وهذهثمرةفقهيّة مهمّة عامّة.
بيان الثمرة المشهورة في المسألة
لكنّهم اهتمّوا ببيان الثمرة المعروفة والنقض والإبرام حولها، وهي فسادالعبادة إذا كانت ضدّاً للمأمور به على القول بالاقتضاء، وعدم فسادها بناءًعلى عدم الاقتضاء، وذلك لأنّ النهي عن العبادة يقتضي فسادها، وهي منهيّعنها على الأوّل دون الثاني.في ثمرة البحث في مسألة الضدّ
نقد هذه الثمرة
لكنّ التحقيق يقتضي عدم ترتّب هذه الثمرة، لأنّ العبادة صحيحة ولو علىالقول بالاقتضاء، لأنّ كون النهي عن العبادة مقتضياً لفسادها ليس أمراً تعبّديّ
- (1) فلابدّ إمّا من القول بعدم رواية دالّة على أنّ للّه سبحانه في كلّ واقعة حكماً، كما هو ظاهر كلام الإمامالخميني رحمهالله ـ على ما في تهذيب الاُصول 1: 424 ـ أو بأنّها مربوطة باللوح المحفوظ، كما تقدّم، أوبتخصيص عمومها بالموارد الخالية عن الحكم الشرعي. م ح ـ ى.
ج2
ولا مدلول آية أو رواية، بل له ملاك غير موجود في المقام.
توضيح ذلك: أنّ النزاع في مسألة اقتضاء النهي المتعلّق بالعبادة فسادهليس في النواهي التي تكون بلفظها إرشاداً إلى فساد متعلّقها، بل في النواهيالتحريميّة المولويّة، وهي لا تدلّ بلفظها على أكثر من حرمة متعلّقه ومبغوضيّتهعند المولى واشتماله على مفسدة لازمة الاجتناب، لكنّ العقل يحكم بفسادالعبادة المنهيّ عنها بالنهي التحريمي المولوي، لأنّ الشيء المبغوض والمبعّد عنساحة المولى لا يمكن أن يكون محبوباً عنده مقرّباً للعبد إليه(1).
وبالجملة: ملاك حكم العقل بفساد العبادة المنهيّ عنها إنّما هو كونهمشتملةً على مفسدة لازمة الاجتناب مبعّدةً عن ساحة المولى.
وهذا الملاك غير موجود فيما نحن فيه ولو قلنا بالاقتضاء.
لأنّ الدليل عليه ـ على فرض تماميّته ـ إمّا مقدّميّة عدم أحد الضدّينلوجود الضدّ الآخر، أو الملازمة بينهما كما عرفت.
ولا ريب في أنّ وجوب المقدّمة غيري، فترك الصلاة الذي هو مقدّمةللإزالة واجب غيري، فلا يشتمل على مصلحة، إذ الأمر الغيري لا يدور مدارالمصلحة، بل يدور مدار مقدّميّة متعلّقه لواجب آخر، ولو لم يكن فيه شيءمن المصلحة(2).
وهكذا الحرمة المتعلّقة بفعل الصلاة الناشئة من الوجوب المتعلّق بتركها، إذلا يعقل أن يكون النهي الناشئ عن الأمر الغيري نفسيّاً، سيّما على القول
- (1) وهذا بخلاف مسألة اجتماع الأمر والنهي، كالصلاة في الدار المغصوبة، فإنّ العنوان هناك متعدّد،فالصلاة تقع صحيحة بناءً على جواز الاجتماع، وإن ذهب بعض القائلين بالاجتماع ـ كآية اللّهالبروجردي رحمهالله في نهاية الاُصول: 260 ـ إلى بطلانها، وبعضهم ـ كالإمام رحمهالله ـ كان يميل مرّةً إلى صحّتهواُخرى إلى فسادها على ما ببالي من مجلس درسه الشريف. منه مدّ ظلّه.
- (2) لأنّ وجوب المقدّمة إنّما هو لأجل توقّف ذي المقدّمة عليها، لا لأجل مصلحة في نفسها. م ح ـ ى.
(صفحه430)
بالعينيّة أو الجزئيّة، حيث لا يعقل كون الحرمة النفسيّة المتعلّقة بالفعل عينالوجوب الغيري المتعلّق بالترك أو جزئه، بل على القول باللزوم البيّن بالمعنىالأخصّ أيضاً، لوضوح عدم انتقال الذهن من الوجوب الغيري المتعلّق بالتركإلى الحرمة النفسيّة المتعلّقة بالفعل.
فالقول باقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه الخاصّ من جهة المقدّميّةيستلزم كون النهي غيريّاً لا يستحقّ العبد على إطاعته المثوبة، ولا على مخالفتهالعقوبة، كالأمر الغيري(1)، لعدم اشتمال الأوّل على المفسدة ولا الثاني علىالمصلحة، فالنهي المتعلّق بالصلاة المضادّة للإزالة غيري لا يدلّ على كونهمبغوضة عند المولى مبعّدة عن ساحته، فليس ملاك حكم العقل ببطلانهموجوداً.
هذا كلّه على القول بالاقتضاء من جهة المقدّميّة.
ونظير البيان جارٍ على القول به من جهة الملازمة، ضرورة أنّ ترك الصلاةصار واجباً لأجل ملازمته للإزالة، من دون أن يشتمل على مصلحة، وإلكان واجباً لأجل تلك المصلحة، لا لأجل الملازمة، ففعلها أيضاً لا يشتملعلى مفسدة، وإن تعلّق بها نهي ناشٍ عن الأمر المتعلّق بتركها.
والحاصل: أنّ هذه الثمرة المشهورة لا تترتّب على مبحث الضدّ، لكونالعبادة المضادّة للمأمور به صحيحةً مطلقاً، حتّى على القول بالاقتضاء، كما قالالإمام رحمهالله (2).
- (1) عدم ترتّب الثواب والعقاب على موافقة الأمر الغيرى ومخالفته مبنيّ على كونهما بالاستحقاق، لبالجعل الذى اختاره الاُستاذ«مدّ ظلّه»، فانّ استحقاق الثواب حينئذٍ تابع لجعل الشارع، ولا فرق في ذلكبين الواجبات النفسيّة والغيريّة، فالمكلّف يستحقّ الثواب على موافقة كلّ واجب جعل الشارع لهالثواب، سواء كان نفسيّاً او غيريّاً.
نعم، استحقاق العقاب غير تابع للجعل، بل للمولى أن يعاقب العبد بمجرّد العصيان ومخالفة أمره ولو لميجعل لها عقاباً. م ح ـ ى.
ج2
ما أفاده الشيخ البهائي رحمهالله حول ثمرة النزاع في المسألة
وأنكر شيخنا البهائي رحمهالله ثمرة البحث بطريق آخر، وهو أنّ العبادة المضادّةللمأمور به فاسدة حتّى على القول بعدم الاقتضاء، لأنّ الأمر بالشيء وإن لميقتض النهي عن ضدّه، إلاّ أنّه يقتضي عدم الأمر به، لعدم إمكان تعلّق الأمربكلا الضدّين، وهو كافٍ في بطلان العبادة(1).
نقد كلام الشيخ البهائي من قبل المحقّق الخراساني
وأجاب عنه صاحب الكفاية أوّلاً: بأنّا لا نحتاج في العبادات إلى تعلّقالأمر بها، إذ لا يعتبر في صحّتها إتيانها بقصد امتثال الأمر، بل يكفي إتيانهبقصد محبوبيّتها للمولى أو مقرّبيّتها للعبد إليه أو اشتمالها على المصلحة الملزمةونحوها.
إن قلت: نعم، ولكن تعلّق الأمر هو الطريق إلى استكشاف المحبوبيّةوالمقرّبيّة والاشتمال على المصلحة، فلا طريق إلى استكشافها في المقام بعد عدمتعلّق الأمر، كما هو المفروض.
قلت: نحن نعلم أنّ عدم تعلّق الأمر بالضدّ العبادي إنّما هو لأجل مزاحمتهبواجب أهمّ، والمزاحمة لاتوجب إلاّ ارتفاع الأمر المتعلّق به فعلاً مع بقائه علىما هو عليه من ملاكه من المصلحة ونحوها، وعدم حدوث ما يوجبمبغوضيّته وخروجه عن قابليّة التقرّب به(2).
وثانياً: بأنّ العبادة إذا كانت موسّعة وكانت مزاحمة بالأهمّ في بعض الوقت
- (1) تهذيب الاُصول 1: 426.
- (2) كفاية الاُصول: 165، وتهذيب الاُصول 1: 426 نقلاً عن الشيخ البهائي رحمهالله .
(صفحه432)
لا في تمامه يمكن أن يقال: حيث إنّ الأوامر على ما هو التحقيق متعلّقةبالطبائع لا بالأفراد، فالأمر بطبيعة العبادة الموسّعة المضادّة للأهمّ على حاله،وإن صارت مضيّقة بخروج ما زاحمه الأهمّ من أفرادها من تحتها، فيمكن أنيؤتى بما زوحم منها بداعي ذاك الأمر، فإنّه وإن كان الفرد خارجاً عن تحتها بمهي مأمور بها، إلاّ أنّه لمّا كان وافياً بغرضها كالباقي تحتها كان عقلاً مثله فيالإتيان به في مقام الامتثال والإتيان به بداعي الأمر بلا تفاوت في نظره بينهمأصلاً.
ودعوى أنّ الأمر لا يكاد يدعو إلاّ إلى ما هو من أفراد الطبيعة المأمور بها،وما زوحم منها بالأهمّ وإن كان من أفراد الطبيعة، لكنّه ليس من أفرادها بمهي مأمور بها، فاسدة، فإنّ هذه الدعوى صحيحة إذا كان خروج الفرد عنالطبيعة المأمور بها تخصيصاً لا مزاحمةً، فإنّ الفرد عند المزاحمة وإن كان لتعمّه الطبيعة المأمور بها، إلاّ أنّه ليس لقصور فيه، بل لعدم إمكان تعلّق الأمربما يعمّه عقلاً، وعلى كلّ حال فالعقل لا يرى تفاوتاً في مقام الامتثال وإطاعةالأمر بها بين هذا الفرد وسائر الأفراد أصلاً(1).