ج2
للبحث عن إمكان الأمر مع العلم بانتفاء شرطه، ضرورة أنّ انتفاء الشرطمستلزم لانتفاء العلّة التامّة، واستحالة تحقّق الأمر مع عدم علّته التامّة بيّنة لينبغي أن يبحث فيها.
كلام صاحب الكفاية في المقام
وقام المحقّق الخراساني رحمهالله بتوجيهه بنحو من الاستخدام، وهو أن يكونالمراد من لفظ «الأمر» مرتبة الإنشاء منه، ومن الضمير الراجع إليه مرتبةفعليّته، فيكون النزاع في جواز إنشاء الأمر مع علم الآمر بعدم بلوغه إلىالمرتبة الفعليّة، لعدم شرطه.
ثمّ ذهب إلى جواز ذلك، لأنّ داعي إنشاء الطلب لا ينحصر بالبعثوالتحريك جدّاً حقيقةً، بل قد يكون صوريّاً امتحاناً، وربما يكون غير ذلك(1).
نقد ما أفاده المحقّق الخراساني رحمهالله في المقام
وفيه: أنّه صحيح بناءً على كون الأمر في كلّ تكليف ذا مرحلتين، وقدعرفت إنكاره من قبل الإمام قدسسره ، بل الأحكام على قسمين: بعضها فعلي،وبعضها إنشائي، لا أنّ كلّ حكم ذو مرحلتين: الإنشاء والفعليّة.
بيان ما هو الحقّ في المسألة
نعم، يمكن الاستخدام بوجه آخر، وهو أن يكون المراد من الضمير، المأموربه لا الأمر، وعليه يرجع النزاع إلى الاختلاف المعروف بين الأشاعرةوالعدليّة، من إمكان التكليف بالمحال واستحالته، بعد اتّفاقهم على امتناع
(صفحه456)
التكليف المحال.
وبناءً على التحقيق المتقدّم منّا في مسألة الترتّب من عدم انحلال الخطابالعامّ إلى خطابات شخصيّة فلا إشكال في جواز توجيه الأمر إلى عامّةالمكلّفين إذا كان شرائط الامتثال متوفّرة عند أكثرهم، وإن كان الآمر عالمبكون بعضهم فاقدين لشرط أو أكثر، غاية الأمر أنّهم لا يستحقّون العقوبةعلى مخالفته.
نعم، لو كان الخطاب شخصيّاً، أو قلنا بانحلال الخطابات العامّة، أو كانالأكثر فاقدين لشرائط امتثال المأمور به فلم يجز، لكونه تكليفاً بالمحال،وصدوره من الحكيم محال عقلاً، كالتكليف المحال، ولا يعبأ إلى رأي الأشاعرةبالجواز، فإنّهم نبذوا حكم عقولهم وراء ظهورهم كما لا يخفى.
ج2
(صفحه458)
في تعلّق الأوامر والنواهي بالطبائع أو الأفراد
الفصل السابع
في تعلّق الأوامر والنواهي بالطبائع أو الأفراد
تحرير محلّ النزاع
وفي تحرير محلّ البحث احتمالات:
الأوّل: أن يكون البحث متفرّعاً على مسألة أصالة الوجود والماهيّة، فلمحالة يكون المراد بالأفراد وجودات الطبيعة والماهيّة، فيرجع النزاع إلى أنّالأوامر والنواهي هل تكون متعلّقة بنفس الطبائع أو بوجوداتها، فمن قالبأصالة الماهيّة ذهب إلى الأوّل، ومن قال بأصالة الوجود ذهب إلى الثاني(1).
ويبعّده أوّلاً: أنّ الفرد عبارة عن الوجود المتشخّص بالتشخّصات الفرديّة،لا مجرّد الوجود، فلو كان مرادهم هذا الاحتمال لعبّروا بكلمة «الوجودات» لبكلمة «الأفراد»، وثانياً: أنّ كون المسألة متفرّعة على اختلاف الفلاسفة فيمسألة أصالة الوجود والماهيّة، خلاف ظاهر كلماتهم، فإنّ ظاهرها كونهمسألةً اُصوليّة مستقلّة، لا متفرّعة على مسألة فلسفيّة، على أنّ تفرّعها عليهيستلزم أن يذهب إلى التعلّق بالطبائع كلّ من ذهب إلى أصالة الماهيّة، وإلى
- (1) راجع ص478 لكي تجد الفرق بين هذا الاحتمال وما اختاره الاُستاذ«مدّ ظلّه». م ح ـ ى.
ج2
التعلّق بالأفراد كلّ من ذهب إلى أصالة الوجود، والأمر ليس كذلك كما صرّحبه المحقّق الخراساني رحمهالله .
الثاني: أن يكون هذا النزاع مبنيّاً على النزاع المعروف في الفلسفة والمنطق،من أنّ الطبيعي هل له وجود في الخارج سوى وجود أفراده أم لا، وبعبارةاُخرى: هل نسبته إلى الأفراد كنسبة الأب الواحد إلى الأبناء، أو كنسبة الآباءإلى الأبناء؟
وفيه أوّلاً: ما عرفت من كون هذا البحث بحثاً مستقلاًّ اُصوليّاً لا مبنيّاً علىبحث آخر مدوّن في علم آخر، وثانياً: أنّه يستلزم أن يذهب الرجل الهمدانيوأتباعه ـ الذين قالوا بكون الطبيعي موجوداً في الخارج بوجود مستقلّ عنوجود أفراده ونسبته إليها كنسبة الأب الواحد إلى الأبناء ـ إلىالتعلّقبالطبائع، وغيرهم ـ الذين قالوا بكونه موجوداً بوجود أفراده ونسبته إليهكنسبة الآباء إلى الأبناء ـ إلى التعلّق بالأفراد، مع أنّ الأمر ليس كذلك، فإنّالمشهور ذهب هناك إلى كونه موجوداً بوجود الأفراد، وهنا إلىالتعلّقبالطبائع بعكس ما يقتضيه هذا الاحتمال.
الثالث: أن يكون النزاع ناشئاً عن بحث لغوي، وهو أنّ ما وضع له أسماءالأجناس عامّ مثل وضعها أو خاصّ بخلاف وضعها، فمن ذهب إلىكونالوضع والموضوع له فيها عامّين قال بتعلّق الأوامر والنواهي بالطبائع، لأنّهتعلّقت بأسماء الأجناس، والمفروض أنّها وضعت لنفس الماهيّة والطبيعة، ومنذهب إلى كون الوضع فيها عامّاً والموضوع له خاصّاً قال بتعلّقها بالأفراد.
وفيه أوّلاً: أنّ المستفاد من مطاوي كلماتهم أنّ النزاع عقلي لا لغوي، وثانياً:أنّ أحداً من طرفي التنازع ما أشار إلى مسألة الوضع، مع أنّه لو كان النزاعمتفرّعاً على تلك المسألة لاستند القائل بالتعلّق بالطبائع في استدلالاته على