(صفحه254)
لجعل الملكيّة والزوجيّة من قبل الشارع والعقلاء».
ومن هنا يعلم أنّ تسمية هذه الاُمور بالسبب والشرط والمانع في لسانالشارع إنّما هي من باب الاستعارة وتشبيهها بالعلل التكوينيّة من دون أنتكون ملاكاتها فيها.
هذا كلّه في شرائط التكليف.
في شرائط الوضع المتقدِّمة عليه أو المتأخِّرة عنه
ما أفاده صاحب الكفاية في المقام
وأجاب المحقّق الخراساني رحمهالله عن شرائط الوضع أيضاً(1) بعين ما أجاب بهعن شرائط التكليف، فإنّه قال: وكذا الحال في شرائط الوضع مطلقاً، ولو كانمقارناً، فإنّ دخل شيء في الحكم به وصحّة انتزاعه لدى الحاكم به ليس إلاّ مكان بلحاظه يصحّ انتزاعه، وبدونه لا يكاد يصحّ اختراعه عنده، فيكون دخلكلّ من المقارن وغيره بتصوّره ولحاظه، وهو مقارن، فأين انخرام القاعدةالعقليّة في غير المقارن، فتأمّل تعرف(2).
نقد نظريّة المحقّق الخراساني رحمهالله في المقام
ويرد عليه هنا نفس ما أوردناه عليه في شرائط التكليف، فإنّ الشارعحينما يقول: «لو أجاز المالك العقد الفضولي لكان المشتري مالكاً للمبيع منحين العقد» فلابدّ له من تصوّر الإجازة، فتصوّرها دخيل في حكم الشارع
- (1) ومثال شرط الوضع المتأخّر عنه هو الإجازة في العقد الفضولي بناءً على الكشف الحقيقي، حيث إنّالملكيّة متقدّمة على شرطها. منه مدّ ظلّه.
ج2
بالملكيّة من حين العقد، وأمّا نفس الملكيّة فمتوقّفة على الإجازة الخارجيّة، وليكفي في حصولها تصوّر الإجازة كما لا يخفى.
بيان ما هو الحقّ في الجواب عن الإشكال
والجواب الصحيح هاهنا أيضاً نفس الجواب المتقدّم في شرائط التكليف،فإنّ الأحكام الوضعيّة أيضاً اُمور اعتباريّة، فعنانها بيد المعتبر، لهأن يجعل الاُمور المتقدِّمة أو المتأخّرة شروطاً لها، كما أنّ له أن يجعل الاُمورالمقارنة كذلك.
في شرائط المأمور به المتقدّمة عليه أو المتأخّرة عنه
كلام المحقّق الخراساني رحمهالله فيه
وأمّا شرائط المأمور به فأجاب صاحب الكفاية عنها بما تقدّم من المحقّقالعراقي رحمهالله من رجوع الشرطيّة إلى الإضافة وإمكان تحقّقها قبل تحقّق المضافإليه أو بعده، فإليك نصّ كلامه:
وأمّا الثاني(1) فكون شيء شرطاً للمأمور به(2) ليس إلاّ ما يحصل لذاتالمأمور به بالإضافة إليه وجه وعنوان به يكون حسناً أو(3) متعلّقاً للغرض،
- (1) أي شرائط المأمور به. ولا يخفى أنّ قضيّة العبارة جعله ثالثاً، إلاّ أنّه لمّا قاس الوضع على التكليف منغير أفراده بعنوان مستقلّ جعل شرط المأمور به أمراً ثانياً. م ح ـ ى.
- (2) لا يقال: شرط المأمور به يرجع إلى شرط الوضع، لأنّ الأغسال الليليّة مثلاً من شرائط صحّة صومالمستحاضة، ولا ريب في أنّ الصحّة من الأحكام الوضعيّة.
فإنّه يقال: قد عرفت أنّ مقدّمة الصحّة ترجع إلى مقدّمة الوجود، فغسل المستحاضة في الليلة الآتية دخيلفي تحقّق المأمور به، ولو لم تغتسل لما أتت بما وجب عليها أصلاً، لا أنّها أتت بالمأمور به الفاسد، إذ لينقسم المأمور به إلى صحيح وفاسد، فإنّ الفاسد لا يكون متعلّقاً للأمر أصلاً. منه مدّ ظلّه.
- (3) الترديد إنّما هو لأجل الاختلاف الواقع بين العدليّة والأشاعرة، فقوله: «حسناً» ناظر إلى مذهب العدليّةالقائلين بالحسن والقبح العقليّين وأنّ الأمر والنهي تابعان للمصلحة والمفسدة الموجودتين فيمتعلّقيهما، وقوله: «متعلّقاً للغرض» ناظر إلى مذهب الأشاعرة الذين ينكرونهما. منه مدّ ظلّه.
(صفحه256)
بحيث لولاها لما كان كذلك، واختلاف الحسن والقبح والغرض باختلافالوجوه والاعتبارات الناشئة من الإضافات ممّا لا شبهة فيه ولا شكّيعتريه، والإضافة كما تكون إلى المقارن تكون إلى المتأخِّر أو المتقدّمبلا تفاوت أصلاً كما لا يخفى على المتأمِّل، فكما تكون إضافة شيء إلىمقارن له موجباً لكونه معنوناً بعنوان يكون بذلك العنوان حسناً ومتعلّقللغرض كذلك إضافته إلى متأخّر أو متقدّم، بداهة أنّ الإضافة إلىأحدهما ربما توجب ذلك أيضاً، فلولا حدوث المتأخّر في محلّه لما كانتللمتقدِّم تلك الإضافة الموجبة لحسنه الموجب لطلبه والأمر به(1)، كما هوالحال في المقارن أيضاً، ولذلك اُطلق عليه الشرط مثله بلا انخرام للقاعدةأصلاً، لأنّ المتقدّم أو المتأخّر كالمقارن ليس إلاّ طرف الإضافة الموجبةللخصوصيّة الموجبة للحسن، وقد حقّق في محلّه أنّه بالوجوه والاعتبارات،ومن الواضح أنّها تكون بالإضافات، فمنشأ توهّم الانخرام إطلاق الشرط علىالمتأخّر، وقد عرفت أنّ إطلاقه عليه كإطلاقه على المقارن إنّما يكون لأجلكونه طرفاً للإضافة الموجبة للوجه الذي يكون بذلك الوجه مرغوبومطلوباً(2)، إنتهى.
نقد كلام المحقّق الخراساني رحمهالله في المقام
- (1) مثاله اشتراط صحّة صوم المستحاضة الكثيرة باغتسالها في الليلة الآتية عند بعض، فالمأمور به عندهمهو الصوم المتعقِّب بالأغسال الليليّة، فالصوم هو المضاف، وغسل الليلة الآتية هو المضاف إليه، وتعقّبالصوم به هو الإضافة. م ح ـ ى.
ج2
ويرد عليه ما أوردناه تبعاً للإمام قدسسره على المحقّق العراقي رحمهالله ، وإن كانالإشكال على صاحب الكفاية أقلّ، لحصره إرجاع الشرطيّة إلى الإضافةبخصوص الشرائط الشرعيّة، بخلاف المحقّق العراقي، حيث عرفت أنّه أسراهإلى التكوينيّات أيضاً.
الجواب الصحيح عندن
والحقّ في الجواب ما مرّ مراراً من أنّ عنان الاعتباريّات بيد المعتبر، فكمأنّه يتمكّن من جعل أمر مقارن لشيء شرطاً له يتمكّن أيضاً من جعل أمرمتقدِّم عليه أو متأخِّر عنه شرطاً له، ولا يصحّ قياس الاعتباريّاتبالتكوينيّات.
وإن أبيت إلاّ عن القول بكون شرطيّة الشروط الشرعيّة واقعيّة فيمكنالجواب عن الإشكال بما ذهب إليه سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام قدسسره ، فإنّه قالما حاصله: نحن ندرك بالوجدان أنّ بعض أجزاء الزمان متقدِّم على بعضهالآخر، كما أنّ اليوم متقدّم على الغد، وكذلك الأمر في الزمانيّات، فإنّ قيام زيديوم الخميس متقدّم على قيام عمرو يوم الجمعة، فيرد الإشكال عليهما أيضاً،لأنّ التقدّم والتأخّر من مقولة الإضافة، وطرفاها هما المتقدّم والمتأخّر، وحيثإنّ المتضايفين متكافئان زماناً ورتبةً فلا بدّ من أن يكون يوم الخميس مثلمتقدّماً على يوم الجمعة في زمن كون يوم الجمعة متأخّراً عن يوم الخميس،وبالعكس، وهذا لا يمكن، ضرورة أنّا لو قلنا في يوم الخميس مثلاً: «يومالجمعة متأخّر عن يوم الخميس» كان من قبيل حمل الشيء على المعدوم،وكذلك لو صبرنا حتّى يحلّ الجمعة ثمّ نقول: «يوم الخميس متقدّم على يومالجمعة»، مع أنّ «ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له».
(صفحه258)
وحلّ هذه المشكلة أنّ الجزء المتقدّم من الزمان متقدّم على الجزء المتأخّرذاتاً، والجزء المتأخّر أيضاً متأخّر عنه ذاتاً، أي يوم الخميس بذاته متقدّم علىيوم الجمعة، لا بوصف كونه متقدِّماً، ويوم الجمعة أيضاً بذاته متأخّر عنالخميس، لا بوصف كونه متأخّراً، فليس في البين اتّصاف شيء بشيء لكييقال: هو فرع ثبوت المتّصف به.
وبعبارة اُخرى: إنّ الذي ندركه بالوجدان هو تقدّم الجزء الأوّل من الزمانبالذات على الجزء الثاني، وتأخّر الجزء الثاني أيضاً بالذات على الجزء الأوّل،وهما ليسا بمتضايفين، ولا من موارد القاعدة الفرعيّة، واللذان هما من مصاديقالمتضايفين ومن موارد القاعدة هما المتقدّم والمتأخّر بوصف كونهما متقدّمومتأخّراً، وفيهما ليس اتّصاف الأوّل بالتقدّم متقدّماً على اتّصاف الثانيبالتأخّر لا زماناً ولا رتبةً(1).
ويتأيّد هذا بأنّ تقدّم رتبة العلّة على رتبة المعلول أيضاً مربوط بذاتيهما،يعني ذات العلّة متقدّمة على ذات المعلول، وهما ليسا من المتضايفين، وأمّالعلّة بوصف كونها علّة، والمعلول بوصف كونه معلولاً ليس بينهما تقدّموتأخّر لا زماناً ولا رتبةً، وهما اللذان من المتضايفين.
ويدلّ عليه أيضاً تقسيم أهل المعقول التقابل إلى أربعة أقسام: «التضايف،التضادّ، التناقض، العدم والملكة» مع أنّ نفس التقابل من مصاديق التضايف،فكيف جعل المقسم مصداقاً لأحد أقسامه؟ وكذلك كلّ من التضادّ والتناقضمن مصاديقه، فكيف جعل الشيء مصداقاً لقسيمه أوّلاً، وكيف يتحقّقالتضايف بوجود أحد المتضايفين وعدم الآخر ثانياً؟
- (1) مثاله ما إذا كان إحدى السيّارتين متقدّمة على الاُخرى في مسير، فالسيّارة المتقدّمة متّصفة بالتقدّم فيزمان اتّصاف المتأخّرة بالتأخّر، وفي رتبة اتّصافها به. م ح ـ ى.