(صفحه98)
الاُمور، بحيث لولاه لم ينطبق عليها، وبعبارة اُخرى يكون هذا الشيء منمقدّماته الوجوديّة.
الجواب عن الإشكال:
إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم أنّا لا نحتاج في إيجاد الصلاة بداعي الأمرإلىتعلّق أمر بذات الصلاة كما هو محطّ نظره قدسسره (1)، بل نفس الأمر بالمقيّد يدعوإليها أيضاً، ويكفي أيضاً في مقرّبيّتها وعباديّتها إتيانها بداعي هذا الأمر، وذلكلما عرفت في المقدّمة الثانية من أنّه يكفي في عباديّة الأجزاء التحليليّةوالخارجيّة والمقدّمات الوجوديّة والعلميّة، إتيانها بداعي الأمر المتعلّق بالكلّوبذي المقدّمة.
وقوله: «لا يكاد يدعو الأمر إلاّ إلى ما تعلّق به لا إلى غيره»(2) واضحالفساد، فإنّ الأمر كما يكون داعياً إلى نفس متعلّقه، كذلك يكون داعياً إلىكلّما له دخل في تحقّقه، من غير احتياج في مدعوّيّتها للأمر إلى تعلّق أمر بها علىحدة، ففيما نحن فيه بعدما وجد في نفس المكلّف أحد الدواعي القلبيّة التيأشرنا إليها، وصار باعتبار ذلك بصدد موافقة أوامر المولى وإطاعتها بأيّ نحوكان إذا حصل له العلم بأنّ مطلوب المولى وما أمر به عبارة عن طبيعة الصلاةالمقيّدة بداعي الأمر مثلاً، فلا محالة يصير بصدد تحصيلها في الخارج بأيّ نحواتّفق، وحينئذٍ فإذا لاحظ أنّ إتيان ذات الصلاة بداعي الأمر «المتعلّق بهبداعي الأمر» يلازم في الخارج حصول هذا القيد، الذي لا تعقل داعويّة الأمرإليه أيضاً، فلا محالة تنقدح في نفسه إرادة إتيان ذات الصلاة، ويتحقّق بذلكالمأمور به بجميع أجزائه وشرائطه، إذ الفرض تحقّق الصلاة بداعويّة الأمر،
- (1) أي محطّ نظر المحقّق الخراساني رحمهالله حيث قال في الكفاية: 95: «ذات المقيّد لا تكون مأموراً بها، فإنّالجزء التحليلي العقلي لا يتّصف بالوجوب أصلاً». م ح ـ ى.
ج2
وتحقّق قيدها أعني الداعويّة قهراً.
فإن قلت: إتيان الأجزاء بداعي الأمر المتعلّق بالكلّ إنّما يتمشّى فيما إذا كانالمكلّف بصدد إتيان الكلّ، وكانت دعوة الأمر إليها في ضمن دعوته إليه، وفيمنحن فيه ليس كذلك، فإنّ داعويّة الأمر أيضاً أحد الأجزاء، ولا يعقل كونالأمر داعياً إلى داعويّة نفسه.
قلت: هذا إذا لم يكن بعض الأجزاء حاصلاً بنفسه، وكان حصول كلّ منهمتوقّفاً على دعوة الأمر إليه، وأمّا إذا كان بعضها حاصلاً بنفسه ولم نحتج فيحصوله إلى دعوة الأمر، بل كانت دعوته إليه من قبيل الدعوة إلىتحصيلالحاصل، فلا محالة تختصّ داعويّة الأمر بسائر الأجزاء، ويتحقّق الواجببجميع ما يعتبر فيه، مثلاً إنّ تعلّق الأمر بالصلاة المقيّدة بكون المصلّي متستّرومتطهّراً ومتوجّهاً إلى القبلة، فدعوته إلى إيجاد هذه القيود تتوقّف على عدمحصولها للمكلّف بأنفسها، وأمّا إذا كانت حاصلة له من غير جهة دعوة الأمرفلا يبقى مورد لدعوة الأمر بالنسبة إليها، ولا محالة تنحصر دعوته فيما لم يحصلبعد من الأجزاء والشرائط، ففيما نحن فيه أيضاً قيد التقرّب وداعويّة الأمريحصل بنفس إتيان الذات بداعي الأمر، فلا نحتاج في تحقّقه إلى دعوة الأمرإليه حتّى يلزم الإشكال.
والحاصل: أنّ كلّ ما كان من الأجزاء والشرائط حاصلاً قبل داعويّة الأمرإليه، أو يحصل بنفس داعويّته إلى سائر الأجزاء، فهو ممّا لا يحتاج في حصولهإلى دعوة الأمر إليه، ولا محالة تنحصر دعوته في غيره.
والحاصل: أنّ كلّ واحد من المكلّفين بعدما وجد في نفسه أحد الدواعيوالملكات القلبيّة المقتضية لإطاعة المولى وموافقته، وصار باعتبار ذلك متهيّئومنتظراً لصدور أمر من قبل مولاه حتّى يمتثله، إذا عثر على أمر المولى
(صفحه100)
بالصلاة بداعي الأمر مثلاً فلا محالة يصير بصدد إيجاد متعلّقه في الخارج بأيّنحو كان، وحينئذٍ فإذا رأى أنّ إيجاد الأجزاء التي يمكن دعوة الأمر إليها فيالخارج بداعويّة الأمر المتعلّق بالكلّ يلازم وجود المأمور به بجميع أجزائهوشرائطه قهراً، فلا محالة تنقدح في نفسه إرادة إتيان هذه الأجزاء ويصيرالأمر بالكلّ داعياً إليها، وبإتيانها يتحقّق الامتثال والقرب إلى المولى أيضاً،فإنّ الملاك في المقرّبيّة على ما عرفت هو استناد الفعل إلى الملكات والدواعيالقلبيّة التي أشرنا إليها في المقدّمة الاُولى، والمفروض فيما نحن فيه إتيانالأجزاء بإرادة متولّدة من إرادة موافقة المولى المتولّدة من أحد الدواعيالقلبيّة التي أشرنا إليها، فتدبّر.
وقد ظهر لك ممّا ذكرنا ما هو الحقّ في الجواب عن إشكال الباب بناءً علىكون قصد الأمر جزءً للمأمور به أو قيداً له، وتبيّن لك أيضاً فساد كلام المحقّقالخراساني.
ثمّ إنّ فيما ذكره أخيراً من عدم اختياريّة الإرادة لإيجابها التسلسل أيضاً ملا يخفى، فإنّ اختياريّة كلّ فعل بالإرادة، واختياريّة الإرادة بنفسها.
مضافاً إلى أنّ الإرادة لو كانت غير اختياريّة، وكان هذا مانعاً من جعلهجزءً و شطراً كان مانعاً من شرطيّتها أيضاً، فلِمَ خصّ الإشكال بصورةجزئيّتها؟ بل يرد عليه أنّ الإشكال بعينه وارد أيضاً بناءً على تعلّق الأمربنفس الصلاة وعدم سقوط الغرض إلاّ بإتيانها بقصد الامتثال، كما هو مبناه قدسسره فإنّ قصد الامتثال إذا كان غير اختياريّ، لا يمكن أن يكون تحصيل الغرضالمتوقّف عليه واجباً، للزوم إناطة الامتثال بأمر غير اختياريّ(1).
- (1) بل لو كانت الإرادة غير اختياريّة لكان جميع الأفعال كذلك وثبت الجبر، ضرورة أنّ منشأها هو الإرادة،فهي لا محالة أمر اختياريّ مخلوق للنفس، فإنّ اللّه تعالى أعطى النفس الإنسانيّة قوّة بها تخلق الإرادةبالاختيار، وقد ذكرنا تفصيل البحث في إحدى دورات تدريس الكفاية. منه مدّ ظلّه.
ج2
وقد تلخّص ممّا ذكرناه إمكان أخذ قصد القربة في المأمور به(1).
إنتهى كلامه ملخّصاً.
كلام المحقّق الحائري رحمهالله في المقام ونقده
2ـ وقد تصدّى المحقّق الحائري رحمهالله في الدرر لدفع الإشكال بوجهين آخرين:
الوجه الأوّل: ما حاصله أنّ المعتبر في العبادات ليس قصد إطاعة الأمر،وإنّما المعتبر فيها وقوع الفعل بنحو يصير مقرّباً، وهذا لا يتوقّف على الأمر،بيان ذلك: أنّ الأفعال على قسمين: أحدهما: ما ليس للقصد دخل في تحقّقهوصدق عنوانه عليه، بل لو صدر عن الغافل أيضاً لصدق عليه عنوانه(2)،ثانيهما: ما يكون قوامه بالقصد، كالتعظيم والإهانة وأمثالهما، ثمّ إنّه لا إشكالفي أنّ تعظيم المولى بما هو أهل له، وكذلك مدحه بما يليق به حسنان عقلومقرّبان إليه بالذات من غير احتياج في مقرّبيّتهما إلى الأمر بهما، ولا إشكالأيضاً في أنّ اختلاف خصوصيّات المعظِّم والمعظَّم والمادح والممدوح موجبلاختلافهما، فقد يكون تعظيم شخص بالسلام عليه، وقد يكون بتقبيل يده،وقد يكون بغير ذلك، وقد يشكّ بالنسبة إلى بعض الموالي في أنّ التعظيم اللائقبجنابه والمدح المناسب لشأنه ماذا، وحينئذٍ فنقول: إنّ علم العبد بأنّ التعظيموالمدح اللائقين بجناب مولاه ماذا فلا محالة يأتيهما ويصيران مقرّبين له منغير احتياج إلى الأمر بهما، وأمّا إذا شكّ في أنّ أيّ فرد من أفراد التعظيميناسب مقامه فلابدّ حينئذٍ من الإعلام من قبل المولى والأمر بما يحصل به
- (1) نهاية الاُصول: 116، وتهذيب الاُصول 1: 216.
- (2) وذلك كالإتلاف الذي جعل في الشريعة موضوعاً للضمان، سواء قصد المتلف الإتلاف أم لا، بل يترتّبعليه الحكم ولو كان المتلف نائماً أو صغيراً. منه مدّ ظلّه.
(صفحه102)
التعظيم والمدح، ولكنّ الأمر إنّما هو لتشخيص ما يحصل به التعظيم فقط، للكون قصده دخيلاً في حصول القرب، بل القرب يحصل بصرف إيجاد الفعلمع قصد عنوانه، فالصلاة مثلاً وإن لم تكن ذوات أفعالها وأقوالها من دونإضافة قصد إليها بمحبوبة ولا مجزية، ولكن من الممكن كون صدور هذه الهيئةالمركّبة من الحمد والثناء والتهليل والتسبيح والخضوع والخشوع مقرونةبقصد هذه العناوين محبوباً للآمر ومناسباً لمقامه، غاية الأمر قصور فهمالإنسان عن إدراك ذلك أحوجه إلى أمر المولى بها، بحيث لو كان عقله كاملاً لميحتج إلى الأمر أبداً، وعلى هذا ففي عباديّتها ومقرّبيّتها لا نحتاج إلى قصدالأمر حتّى يلزم المحذور(1).
وناقش فيه سيّدنا الاُستاذ البروجردي رحمهالله بقوله:
إنّ قصد عنوان الفعل إن كان كافياً بلا احتياج إلى قصد حصول القربة كانحاصل ذلك عدم اشتراط قصد القربة في حصول العبادة، وهذا مخالفلضرورة الدِّين وإجماع(2) المسلمين(3).
وفيه: أنّه لم يرد في آية أو رواية اعتبار قصد القربة في العبادات ـ كما اعترفهو رحمهالله في مباحث الصلاة التي قرّرتها وسميّتها «نهاية التقرير» ـ مع أنّه لو اعتبرزائداً على قصد عناوينها لورد في الشريعة، كما أنّه ورد «لا صلاة إلبطهور»(4) و«لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب»(5)، ونحوهما.
نعم، ورد النهي عن أضداد قصد القربة وأنّها مبطلة للعبادة، كالرياء ونحوه،
- (2) فإنّ الفقهاء قالوا: لابدّ لتحقّق العبادة من أمرين: أحدهما: قصد عنوان الفعل، كالصلاة والصوم ونحوهما،الثاني: قصد القربة. منه مدّ ظلّه.
- (4) وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، الباب 1 من أبواب الوضوء، الحديث 1.
- (5) مستدرك الوسائل 4: 158، كتاب الصلاة، الباب 1 من أبواب القرائة، الحديث 5.