معروضاً للسواد، وهو متمّم لقابليّته لعروض البياض عليه، وله ثبوتوواقعيّة، لكونه من قبيل عدم الملكة، وإن كان أمراً غير محسوس ومشاهد(1).
هذا حاصل كلام المحقّق الاصفهاني رحمهالله .
ولا فرق فيه بين العدم المطلق والمضاف إلى الملكات أو أقسام الوجود.
فالحقّ ما ذهب إليه الإمام رحمهالله من عدم ثبوت للعدم كي يحكم على عدمأحد الضدّين بأنّه مقدّمة للضدّ الآخر أو متّحد معه رتبةً.
ولو فرض وجوب المقدّمة أيضاً فالكلام إنّما هو في اقتضاء وجوب الشيءلحرمة نقيضه الذي يعبّر عنه هنا بالضدّ العامّ، فلو سلّم كون عدم الصلاةمقدّمة للإزالة، وسلّم أيضاً كونه واجباً غيريّاً لأجل المقدّميّة، لا تثبت حرمةالصلاة بعدُ، بل يحتاج ثبوتها إلى إثبات حرمة نقيض الواجب، ليكون فعل
الصلاة الذي هو نقيض لتركها الواجب محرّماً.
فالبحث عن اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن الضدّ العامّ بمعنى النقيض مهمّلوجهين:
أحدهما: أنّه مطلوب فيالمقام بنفسه، والثاني: أنّه دخيل في إثباتالاقتضاء بالنسبة إلى الضدّ الخاصّ، فنقول:
مقالة القائلين بالاقتضاء في الضدّ العامّ ونقده
ذهب بعض القائلين بالاقتضاء إلى المطابقة وبعضهم إلى التضمّن وبعضهمإلى الالتزام.
واستدلّ القائلون بالعينيّة بأنّه لا فرق بين أن يقول المولى لعبده: «اشتراللحم» وبين أن يقول: «لا تترك اشتراء اللحم» فمفاد الأمر بالشيء عين مفادالنهي عن تركه، فهما مترادفان، كالإنسان والبشر.
أقول: إن أرادوا به تحقّق حكمين: أحدهما وجوبي متعلّق بالفعل، والآخرتحريمي متعلّق بالترك إذا قال: «أقم الصلاة» مثلاً ـ كما يتأيّد بأنّ الاقتضاء فيالضدّ الخاصّ إنّما هو بتعدّد الحكم لا محالة، ولا فرق بينه وبين الضدّ العامّ منهذه الجهة ـ ففيه: أنّه يستلزم أن يكون التارك لواجب واحد كالصلاة عاصيمن وجهين، مستحقّاً لعقوبتين: إحداهما من أجل مخالفته للوجوب المتعلّقبفعل الصلاة، والاُخرى من أجل مخالفته للحرمة المتعلّقة بتركها، وهل هميلتزمون بهذا اللازم؟!
وإن أرادوا به أنّه لا يكون إلاّ حكم واحد يمكن التعبير عنه بعبارتين ـ كميؤيّده قولهم بأنّهما مترادفان كالإنسان والبشر ـ ففيه: أنّه كيف يمكن أن يكونالأمر عين النهي مع اختلافهما ملاكاً وهيئةً ومتعلّقاً؟ أمّا اختلافهما في الملاك
(صفحه422)
فلأنّ ملاك الأمر نوعاً مصلحة لازمة الاستيفاء في متعلّقه، وملاك النهيمفسدة لازمة الاجتناب فيه، بناءً على ما هو التحقيق من مذهب العدليّة، وهوكون الأمر والنهي تابعين لما في متعلّقيهما من المصلحة والمفسدة، فمن تركالصلاة مثلاً حرم من مصلحتها فقط، لا أنّه وقع مكانها في مفسدة، ومن تركشرب الخمر تخلّص من مفسدته، لا أنّه وصل مكانها إلى مصلحة، وأمّا فيالهيئة فلأنّ مفاد هيئة الأمر هو الوجوب ومفاد هيئة النهي هو الحرمة، وأمّا فيالمتعلّق فلأنّ متعلّق الوجوب هو فعل الصلاة مثلاً ومتعلّق الحرمة هو تركهبناءً على الاقتضاء.
فكيف يمكن القول بكون الأمر بالشيء عين النهي عن نقيضه، مع أنّالعينيّة تقتضي أن يحمل أحدهما على الآخر بالحمل الأوّلي، وقد عرفتاختلافهما في الجهات الثلاثة المتقدّمة؟!
واستدلّ القائلون بالجزئيّة والتضمّن بأنّ الوجوب هو الإذن فيالفعل معالمنع من الترك.
وفيه: أنّ القول بتركّب الوجوب من هذين الأمرين مجرّد دعوى فاسدة،بل هو أمرٌ بسيط، وهو البعث والتحريك الاعتباري كما تقدّم.
نعم، ربما يقال في توضيح هذا الأمر البسيط أنّه الإذن في الفعل مع المنع منالترك، ولكنّه لا يقتضي تركيبه، وإلاّ يمكن دعوى العكس، وهو كون الوجوبدخيلاً في الحرمة، بأن يقال: الحرمة عبارة عن وجوب الترك.
والحاصل: أنّ الوجوب والحرمة أمران بسيطان، وهما البعث والزجرالاعتباريّان في مقابل البعث والزجر التكوينيّين.
ما أفاده المحقّق النائيني رحمهالله في المقام ونقده
ج2
وذهب المحقّق النائيني رحمهالله إلى الاقتضاء بالدلالة الالتزاميّة بنحو اللزوم البيّنبالمعنى الأخصّ، واستدلّ عليه بأنّ نفس تصوّر الوجوب والحتم والإلزاميوجب تصوّر المنع من الترك والانتقال إليه، وذلك معنى اللازم البيّن بالمعنىالأخصّ(1).
وفيه أوّلاً: منع استلزام تصوّر الوجوب لتصوّر حرمة الترك، بل قد ينتقلالذهن من تصوّره إلى تصوّرها وقد لا ينتقل، وثانياً: أنّ استلزام تصوّرهلتصوّرها لا يفيده، لأنّ مجرّد انتقال الذهن من تصوّر الأمر بالشيء إلى تصوّرالنهي عن تركه لا يقتضي أن يصدر نهي من قبل المولى متعلّق بتركه.
وبعبارة اُخرى: لو أراد أنّ على المولى أن ينهي عن الترك بنهي مستقلّعقيب أمره بالفعل، ففيه: أنّه خلاف ما نجده في الشريعة، لعدم وجود النهيعن الترك في جلّ الواجبات.
وإن أراد(2) أنّ نفس الأمر بالشيء يستلزم النهي عن نقيضه، فهو بالمطابقةيدلّ على وجوبه، وبالالتزام على حرمة تركه، ففيه: أنّه يستلزم استحقاق العبدعقوبتين على ترك واجب واحد، لمخالفته حكمين نفسيّين(3): أحدهما: الوجوبالمتعلّق بالفعل، والآخر: الحرمة المتعلّقة بالترك.
ولا يجري هنا احتمال وحدة الحكم الذي كان يجري بناءً على القولبالعينيّة، لأنّ الالتزام يقتضي المغايرة بين اللازم والملزوم كما لا يخفى.
- (1) فوائد الاُصول 1 و 2: 303.
- (2) والظاهر أنّه رحمهالله أراد هذا لا النهي المولوي المستقلّ. منه مدّ ظلّه.
- (3) هذا إذا كان الأمر نفسيّاً، وأمّا إذا كان غيريّاً كالأمر المتعلّق بترك الصلاة لأجل كونه مقدّمة للإزالة ـ بناءًعلى مقدّميّة عدم أحد الضدّين لفعل الضدّ الآخر ووجوب مقدّمة الواجب ـ فالنهي المتعلّق بفعل الصلاةاللازم من الأمر الغيري المتعلّق بتركها أيضاً غيري، والغيري من الأمر والنهي لا يترتّب استحقاق المثوبةعلى موافقته ولا العقوبة على مخالفته، إلاّ إذا قلنا بترتّب الثواب والعقاب بالجعل لا بالاستحقاق، وقد مرّتوضيحه في مبحث الواجب النفسي والغيري. م ح ـ ى.