(صفحه340)
أمر كذلك.
فما يصحّ لا ينفعه، وما ينفعه لا يصحّ.
إن قلت: كيف يمكن القول ببطلان وضوئه في الصورة الثانية مع أنّه قصدالوضوء الذي تتوقّف عليه الصلاة، وهو لا يكون إلاّ عبادةً؟ ضرورة أنّالصلاة لا تتوقّف إلاّ على الوضوء الذي هو عبادة، فلابدّ من أن يكون وضوئهفي هذه الصورة أيضاً صحيحاً، حيث إنّه قصد الإتيان بنفس ما هو مقدّمةللصلاة.
قلت: لا يكفي في صحّته قصد الإتيان بالوضوء الذي تتوقّف عليه الصلاةبعد فرض كونه فاقداً لأحد ركني العبادة، ألا ترى أنّ الرياء يبطل الصلاة مثلمع أنّ المرائي لا يريد الإتيان بصورة الصلاة، بل يريد نفس الصلاة المأمور بهفي الشرع، إلاّ أنّه أخلّ بقصد القربة بالإتيان بها رياءً، فيتّضح لنا أنّ العمل إنكان فاقداً لأحد ركني العبادة لا يقع عبادة صحيحة.
الواجب الأصلي والتبعي(1)
ومنها: تقسيمه إلى الأصلي والتبعي:في الواجب الأصلي والتبعي
- (1) اعلم أنّ صاحب الكفاية رحمهالله ذكر هذا التقسيم في ذيل الأمر الرابع الآتي، وتبعه في ذلك شيخنا الاُستاذالمحاضر ««مدّ ظلّه»» حيث قال عند الشروع في الأمر الرابع:
بقي من تقسيمات الواجب تقسيمه إلى الأصلي والتبعي، لكنّ المحقّق الخراساني رحمهالله ذكره بعد الأمرالرابع، إمّا لنسيان أو لأمر آخر لا نعلمه، وحيث إنّ ترتيب بحثنا هو الترتيب الذي في الكفاية فنحن أيضنؤخّر البحث حول هذا التقسيم إلى ما بعد الأمر الرابع.
لكنّي رأيت المصلحة في ذكره في هذا الأمر الثالث الذي عقد لتقسيمات الواجب، لا في ذيل الأمر الرابعالذي عقد لبيان دائرة وجوب المقدّمة أو دائرة المقدّمة الواجبة سعة وضيقا. م ح ـ ى.
ج2
واختلفوا في كون هذا التقسيم بحسب مقام الثبوت أو الإثبات.
كلام صاحب الفصول رحمهالله فيه
ذهب صاحب الفصول رحمهالله إلى أنّه بلحاظ مقام الدلالة والإثبات، فالأصليما فهم وجوبه من دليل مستقلّ، أي غير لازم لدليل آخر، والتبعي بخلافه،وهو ما فهم وجوبه تبعاً لدليل آخر، فكلّ واحد من قسمي التقسيم السابقـ أعني الواجب النفسي والغيري ـ يمكن أن يكون أصليّاً ويمكن أن يكونتبعيّاً، فالواجب النفسي الأصلي كالصلاة التي يكون وجوبها لنفسها، لا لأجلشيء آخر، ويكون وجوبها مستفاداً من خطاب «أَقِيمُوا الصَّلاَةَ»، والنفسيالتبعي كوجوب إكرام زيد عند مجيئه المستفاد من قول المولى: «إن لم يجئكزيد فلا يجب إكرامه» بناءً على دلالة الجملة الشرطيّة على المفهوم، والغيريالأصلي كوجوب الوضوء المستفاد من قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَقُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ»(1)، والغيريالتبعي كوجوب المقدّمة المستفاد من الملازمة العقليّة بينه وبين وجوب ذيهمن دون أن يذكر في دليل مستقلّ(2).
هذا ما أفاده صاحب الفصول مع توضيح منّا.
كلام صاحب الكفاية في المقام
وذهب المحقّق الخراساني رحمهالله إلى أنّ هذا التقسيم بلحاظ الواقع ومقامالثبوت، فالواجب الأصلي ما يكون متعلّقاً للإرادة المستقلّة، للإلتفات إليه بم
- (2) الفصول الغرويّة: 82 .
(صفحه342)
هو عليه ممّا يوجب طلبه، والواجب التبعي ما لم يتعلّق به إرادة مستقلّة، بليكون متعلّقاً للإرادة تبعاً لإرادة غيره لأجل كون إرادته لازمة لإرادة ذلكالغير من دون التفات إليه بما يوجب إرادته، إمّا بأن لا يلتفت إليه أصلاً، أويلتفت إليه ويتصوّره لكن لا يلتفت إلى جهة وجوبه، وعلى ذلك فلا شبهة فيانقسام الواجب الغيري إليهما واتّصافه بالأصالة والتبعيّة كلتيهما، حيث يكونتارةً متعلّقاً للإرادة على حدة عند الالتفات إليه بما هو مقدّمة، واُخرى ليكون متعلّقاً لها كذلك عند عدم الالتفات إليه كذلك، فإنّه يكون لا محالة مرادتبعاً لإرادة ذي المقدّمة على الملازمة، كما لا شبهة في اتّصاف النفسي أيضبالأصالة، ولكنّه لا يتّصف بالتبعيّة، ضرورة أنّه لا يكاد يتعلّق به الطلبالنفسي ما لم يكن فيه المصلحة النفسيّة، ومعها يتعلّق الطلب بها مستقلاًّ ولو لميكن هناك شيء آخر مطلوب أصلاً كما لا يخفى.
واستدلّ رحمهالله على كون هذا التقسيم بحسب مقام الثبوت بأنّه لو كان بلحاظمقام الإثبات لما اتّصف الواجب بواحد منهما قبل كونه مفاد دليل، وهو كمترى(1).
كلام المحقّق الاصفهاني رحمهالله في المقام
وقام بتوجيه كلامه تلميذه المحقّق الاصفهاني رحمهالله بأنّ في جانب ذي المقدّمةجهتي علّيّة بالنسبة إلى المقدّمة، لأنّ ذا المقدّمة علّة غائيّة لوجوب المقدّمة،والإرادة المتعلّقة به علّة فاعليّة للإرادة المتعلّقة بها، وحيثما كان تحقّق المقدّمةمعلولاً للإرادة المتعلّقة بها كان معلولاً أيضاً للإرادة المتعلّقة بذيها، لأنّ علّةالعلّة علّة.
ج2
وبالجملة: ذو المقدّمة علّة غائيّة لوجوب المقدّمة، والإرادة المتعلّقة به علّةفاعليّة لوجودها.
وتقسيم الواجب إلى النفسي والغيري إنّما هو باعتبار العلّيّة الغائيّة، إذالواجب النفسي هو ما يكون وجوبه لنفسه، والغيري هو ما يكون وجوبهلأجل غيره، وهو ذو المقدّمة، وتقسيمه إلى الأصلي والتبعي إنّما هو باعتبارالعلّيّة الفاعليّة، إذ الواجب التبعي هو ما تكون الإرادة المتعلّقة به معلولةللإرادة المتعلّقة بشيء آخر، والأصلي ما لا يكون كذلك، فتقسيمه إلى الأصليوالتبعي إنّما هو بلحاظ كيفيّة الإرادة في الواقع ومقام الثبوت(1).
هذا حاصل كلام المحقّق الاصفهاني توجيهاً لكلام صاحب الكفاية رحمهماالله .
نقد ما أفاده المحقّق الاصفهاني رحمهالله
ويرد عليه ما تقدّم مراراً من منع كون الإرادة المتعلّقة بالمقدّمة معلولةللإرادة المتعلّقة بذيها ومترشّحة منها، بل كلّ إرادة معلولة لمباديها من تصوّرالمراد والتصديق بفائدته وغير ذلك من المبادئ، ولو كانت إرادة المقدّمةمعلولة لإرادة ذيها لانقدح في نفس من أراد ذا المقدّمة إرادة اُخرى متعلّقةبالمقدّمة حتّى في صورة الغفلة عنها أو عن مقدّميّتها، وهو كما ترى.
نقد كلام المحقّق الخراساني رحمهالله في المقام
ويرد على صاحب الكفاية أيضاً أوّلاً: أنّ استقلال كلّ تقسيم من تقسيماتالواجب يتوقّف على اشتمال كلّ قسم من كلّ تقسيم على جميع أقسام سائرالتقسيمات، مع أنّ الواجب التبعي لا يشتمل على الواجب النفسي كما اعترف
- (1) نهاية الدراية 2: 157.
(صفحه344)
به، فلا يكون تقسيمه إلى الأصلي والتبعي مستقلاًّ في مقابل تقسيمه إلىالنفسي والغيري، بل هو من متفرّعات ذلك التقسيم بأن يقال: الواجب إمّنفسي وإمّا غيري، والواجب الغيري إمّا أصلي وإمّا تبعي، وهذا الإشكالأورده نفسه رحمهالله على تقسيم الواجب إلى المنجّز والمعلّق، وقال هناك: هذا ليستقسيماً مستقلاًّ للواجب في مقابل تقسيمه إلى المطلق والمشروط، لأنّ المعلّقوالمنجّز كلاهما من قبيل الواجب المطلق، وغفل عن ورود نفس هذا الإشكالعلى نفسه هاهنا.
وثانياً: أنّه إن أراد بالإرادة المستقلّة وغير المستقلّة في تعريف الواجبالأصلي والتبعي الإرادة الأصليّة والتبعيّة فالواجب الغيري لا يكون إلاّ تبعيّاً،لكون الإرادة المتعلّقة به تابعةً دائماً للإرادة المتعلّقة بالواجب النفسي الذي هوذو المقدّمة، فلا يتمّ ما أفاده من إمكان أن يكون الواجب الغيري أصليّاً أوتبعيّاً، وإن أراد بالاستقلال وعدمه التفصيل والإجمال ـ كما هو ظاهر قوله:«للالتفات إليه بما هو عليه ممّا يوجب طلبه» في تعليل الإرادة المستقلّة، وقوله:«من دون الالتفات إليه بما يوجب إرادته» في بيان الإرادة غير المستقلّة ـ فهويستلزم أن يكون الواجب النفسي أيضاً تبعيّاً أحياناً(1)، وهو فيما إذا تعلّقت بهإرادة إجماليّة، إذ لا دليل على لزوم تعلّق الإرادة التفصيليّة بالواجبات النفسيّة،فلا يتمّ ما أفاده من عدم إمكان أن يكون الواجب النفسي تبعيّاً(2).
- (1) ويستلزم أيضاً أن يكون مثل صلاتي الظهر والجمعة من مصاديق الواجب التبعي، لتعلّق العلم الإجماليوالإرادة الإجماليّة بهما، مع أنّه لا يمكن الالتزام بذلك. هذا ما يستفاد من تضاعيف كلمات شيخنا الاُستاذالمحاضر ««مدّ ظلّه»». م ح ـ ى.
- (2) أقول: نعم، هذا الإشكال وارد على المحقّق الخراساني، حيث ذهب إلى عدم إمكان أن يكون الواجبالنفسي تبعيّاً، ولكنّه لا يقتضي فساد كون هذا التقسيم بحسب مقام الثبوت، لأنّ غايته أنّه إن كان بحسبمقام الثبوت بهذا المعنى الذي ذكره في الكفاية كان كلّ من الواجب الأصلي والتبعي مشتملاً على كل منالنفسي والغيري، وهذا ليس أمراً باطلاً في نفسه، بل هو أمر لازم، لكونه موجباً لاستقلال هذا التقسيمورافعاً للإشكال الأوّل عن كلام المحقّق الخراساني رحمهالله . م ح ـ ى.