اعلم أنّ الإنسان بما أنّ وجوده زماني تكون أفعاله أيضاً زمانيّة، ولا محالة يكونعمود الزمان ظرفاً لها، فلزوم الزمان في تحقّق الواجبات ممّا لا محيص عنه عقلاً.
وأمّا دخالته فيالغرض فيختلف باختلاف الواجبات، فربما يكون المحصّلللغرض نفس الطبيعة من دون أن يكون وقوعها في الزمان دخيلاً في حصوله،بحيث لو أمكن فرضاً إيقاعها خاليةً عن الزمان لكانت صحيحةً محصّلةًللغرض، ولا إشكال في كون هذا القسم داخلاً تحت الواجب غير الموقّت.
وقد يكون الزمان دخيلاً في حصول الغرض، فلا أثر لوقوع الطبيعة خاليةًعن الزمان لو أمكن، لكون المحصّل للغرض وقوعها فيه، وهذا على قسمين،فإنّ الغرض يحصل إمّا بوقوعها في مطلق الزمان أو بوقوعها في زمان معيّن.
والظاهر أنّ القسم الأوّل من هذا النوع أيضاً داخل تحت غير الموقّت، لأنّ الظاهرأنّ الواجب الموقّت مختصّ بما إذا كان للزمان دخل في حصول الغرض أوّلاً، وكان بيانذلك الزمان ـ كبيان أصل الواجب ـ على عهدة الشارع ثانياً، فالواجب الموقّتمايتعلّق فيهالأمر بالطبيعة وظرفها، وإذا كانالدخيل هوالزمان المطلق فلايجب
على الشارع بيانه، إذ لا محالة يكون عمود الزمان ظرفاً لكلّ فعل من أفعالالإنسان كما عرفت، بل بيانه لغو قبيح من الحكيم، لأنّ المكلّف لا يقدر علىإيجاده في غير الزمان حتّى يكون الأمر داعياً نحو الزمان وصارفاً عن غيره.
فالصحيح أن يقال: إنّ الموقّت ما عيّن له وقت وغير الموقّت بخلافه، فغيرالموقّت قسمان، والموقّت قسم واحد.
الواجب الموسّع والمضيّق
ثمّ إنّ الزمان المعتبر في الموقّت قد يكون أوسع من وقت يمكن الإتيان بهفيه، فيسمّى موسّعاً، وقد يكون بمقداره، فيسمّى مضيّقاً.
وربما اُورد على الواجب الموسّع بأنّه لو كان واجباً في أوّل الوقت لما جازتركه فيه، وإن لم يكن واجباً فيه فليس موسّعاً.
وفيه: أنّ التوسعة في وقت الواجب ليست بمعنى وجوب إتيانه في أوّلالوقت أو وسطه أو آخره، بل بمعنى أنّ الواجب هو الطبيعة التي يوجدهالمكلّف بين الحدّين من الوقت، كالصلاة الواقعة بين زوال الشمس وغروبها،وليس تركها إلاّ عدم الإتيان بها في تمام الوقت المضروب لها.
ويظهر منه أوّلاً: فساد ما قيل، من أنّ الواجب الموسّع يصير في آخر وقتهمضيّقاً، ضرورة عدم إمكان تبدّل نوع من الواجب إلى نوع آخر منه،فالواجب الموسّع هو الطبيعة التي يجب على المكلّف إيجادها بين الحدّين منالوقت، ولا فرق في ذلك بين إيجادها في أوّل الوقت أو وسطه وبين إيجادها فيآخره، نعم، يحكم العقل في آخر الوقت بعدم جواز التأخير، كي لا يتركالواجب في جميع الوقت المضروب له المحدود بحدّين.
وثانياً: أنّ التخيير بين الأفراد الطوليّة للواجب الموسّع عقلي، كأفراده
(صفحه494)
العرضيّة، فكما أنّ العقل يحكم بالتخيير بين الصلاة في المسجد والمنزلوالمدرسة مثلاً، يحكم أيضاً بالتخيير بين الصلاة في أوّل الوقت ووسطهوآخره، من دون أن يحكم الشارع بذلك، فالواجب الموسّع من الواجباتالتعيينيّة، لتعلّق التكليف بالطبيعة الكلّيّة الواقعة بين الحدّين من دون أنيخيّرنا المولى بكلمة «أو» ونحوها بين أجزاء الوقت كما في التخيير الشرعي.
وأورد بعضهم على الواجب المضيّق بأنّ العبد لا يقدر على تطبيق أجزاءالواجب على أجزاء الوقت بحيث يقع جزئه الأوّل في الجزء الأوّل من الوقت،وجزئه الأخير في الجزء الأخير منه.
وفيه: أنّ المكلّف وإن كان عاجزاً عن التطبيق بالنسبة إلى بعض الواجبات،كالصلاة، إلاّ أنّه قادر عليه بالنسبة إلى بعضها الآخر، كالصوم، والشارع عالمبهذا الأمر، فلا غرو من أن يأمر بالقسم الأوّل موسّعاً وبالقسم الثاني مضيّقاً.
والحاصل: أنّه لا إشكال في إمكان كلّ من الواجب الموسّع والمضيّق، بل لإشكال في وقوعهما أيضاً، فإنّ الصلاة من قبيل الأوّل والصوم من قبيل الثاني،وأدلّ دليل على إمكان شيء وقوعه.
هل القضاء بالأمر الأوّل أو بأمر جديد؟
ثمّ إنّه لا دلالة للأمر بالموقّت على وجوب الإتيان به في خارج الوقت بعدفوته فيه، بل هذا هو الحكم في سائر التقييدات أيضاً، ضرورة أنّ موضوعالأمر هو الطبيعة المقيّدة بالوقت، فترتفع بارتفاع قيده، فإنّ المقيّد شيء واحدلا تركيب فيه، ضرورة أنّ القيد خارج عنه، والتقيّد وإن كان داخلاً، إلاّ أنّدخوله وجزئيّته أمر عقلي، فحيث إنّ المقيّد أمر غير مركّب ويرتفع بارتفاعقيده، فلايجري هاهنا ما يقال في المركّب، من أنّ الأمر المتعلّق به يتعلّق ضمن