ج2
فيها بما أنّها مصداق «الشيء» لم يكن من اشتباه المصداق بالمفهوم في شيء،ضرورة أنّ اشتباه المصداق بالمفهوم يختصّ بما إذا قيس المصداق إلى مفهومنفسه لا إلى مفهوم آخر، مع أنّ المصداق في المقام أعني «الملاقاة» مصداقللغرض، والمفهوم هو مفهوم الشيء، فأين اشتباه المصداق بالمفهوم؟!
وقس على ما ذكرنا في «الغرض» سائر المعاني.
على أنّه رحمهالله قال بكون «الأمر» حقيقةً في مفهوم الشيء، فكيف حمله في هذهالموارد على إرادة مصداق الشيء لا مفهومه؟!
والحاصل: أنّه لو فرض صحّة الاشتراك اللفظي فلا وجه لحصر «الأمر» فيمعنيين: «الطلب» و«الشيء» وإخراج سائر المعاني عنه بعد استعماله فيها أيضاً.
ثمّ لا يخفى وجود التهافت في كلام المحقّق الخراساني رحمهالله ، حيث اختار ابتداءًكونالأمر مشتركاًلفظيّاً بينالطلب والشيء، ثمّقال بعدبيان معناه الاصطلاحي:
إنّما المهمّ بيان ما هو معناه عرفاً ولغةً(1)، ليحمل عليه فيما إذا ورد بلا قرينة،وقد استعمل في غير واحد من المعاني في الكتاب والسنّة، ولا حجّة على أنّهعلى نحو الاشتراك اللفظي أو المعنوي أو الحقيقة والمجاز، وما ذكر في الترجيحعند تعارض هذه الأحوال لو سلّم ولم يعارض بمثله فلا دليل على الترجيحبه، فلابدّ مع التعارض من الرجوع إلى الأصل في مقام العمل. نعم، لو علمظهوره في أحد معانيه ولو احتمل أنّه كان للانسباق من الإطلاق فليحملعليه وإن لم يعلم أنّه حقيقة فيه بالخصوص أو فيما يعمّه، كما لا يبعد أن يكونكذلك في المعنى(2) الأوّل(3)، إنتهى كلامه.
ومنافاته لما اختاره أوّلاً من الاشتراك اللفظي واضحة.
- (1) وذلك لأنّ خطاب الشرع محمول على المعنى العرفي. م ح ـ ى.
(صفحه10)
كلام المحقّق النائيني رحمهالله في المقام ونقده
وذهب المحقّق النائيني رحمهالله إلى كون «الأمر» مشتركاً معنويّاً، والجامعالموضوع له هو «الواقعة التي لها أهمّيّة في الجملة» وهذا المعنى تعمّ المعنىالاشتقاقي وغيره، فإنّ كلاًّ منها واقعة ذات أهمّيّة في الجملة(1).
وفيه أوّلاً: أنّ ظاهر كلامه أنّ هذا المعنى جامع حقيقي ذاتي(2) بين معانيالأمر، ولابدّ في الجامع الذاتي من اشتراك المعاني في الجنس(3)، ولا جنس فيالمقام، فإنّ الجنس إمّا أن يكون حدثيّاً أو غيره، فعلى الأوّل لا يشمل المعانيغير الحدثيّة، وعلى الثاني لا يعمّ المعنى الحدثي، فأين الجنس الجامع بينهما؟!
نعم، عنوان «الشيء» يعمّهما، لكنّه جامع عرضيّ لا ذاتي.
وثانياً: أنّ «الأمر» بالمعنى الحدثي الاشتقاقي يجمع على أوامر، وبالمعانيالاُخرى على اُمور، ولا يعقل أن يكون للفظ واحد ذي معنى واحد عامّجمعان اختصّ كلّ منهما بنوع واحد من ذلك المعنى العامّ.
وبالجملة: لو كان الأمر مشتركاً معنويّاً لم يكن له جمعان مختلفان من حيثاللفظ والمعنى كليهما. سلّمنا كونه مشتركاً معنويّاً، لكن ما ذكره من المعنى ليصلح للجامعيّة، إذ لو كان عنوان الأهمّيّة ولو في الجملة دخيلةً في معنى الأمرلم يصحّ تقسيم الأمر إلى قسمين: مهمّ وغير مهمّ.
إذا عرفت المناقشة في الاشتراك اللفظي والمعنوي فهل يوجد طريق ينحلّبه الإشكال؟
- (1) أجود التقريرات 1: 131.
- (2) الجامع ثلاثة: 1ـ ذاتي ماهوي، كالحيوان بالنسبة إلى أنواعه والإنسان بالنسبة إلى أفراده، 2ـ عرضي عامّ أوخاصّ كالماشي والضاحك، 3ـ انتزاعي اعتباري كالكائن في هذا المجلس، فإنّه يعمّ كلّ واحد منّا.منه مدّ ظلّه.
- (3) فإن كانت مشتركة في الفصل أيضاً كان جامعاً ذاتيّاً كاملاً. منه مدّ ظلّه.
ج2
كلام الإمام في المقام
وسيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام قدسسره ـ بعد المناقشة في الاشتراك اللفظيوالمعنوي ـ قال: ثمّ الظاهر كما هو مقتضى التبادر من قولنا: «أمر فلان زيداً»أنّ مادّته موضوعة لجامع(1) اسمي بين هيئات الصيغ الخاصّة بما لها من المعنى،لا الطلب ولا الإرادة المظهرة ولا البعث وأمثالها(2).
ولا يخفى أنّه لا يعمّ المعاني غير الحدثيّة، فهو قدسسره بيّن في الواقع معنى الأمرالاشتقاقي، من دون أن يتعرّض لغيره.
بيان الحقّ في المسألة
وبعد اللّتيا والّتي فالاشتراك اللفظي أولى من المعنوي، لكونه أقلّإشكالاً منه، على أنّ ورود الإشكال عليه مبنيّ على ما هو التحقيق من كونالمبدء هو المادّة التي لا تحصّل لها، وأمّا بناءً على كونه هو المصدر فلا إشكالفيه أصلاً.
كلام في معناه الاصطلاحي عند الفقهاء والاُصوليّين
رأي صاحب الكفاية في المقام
قال المحقّق الخراساني رحمهالله بعد بيان معناه بحسب العرف واللغة:
وأمّا بحسب الاصطلاح فقد نقل الاتّفاق على أنّه حقيقة في القول(3)
- (1) وهو هيئة افعل، فإنّها جامع اسمي شامل للهيئات الخاصّة بما لها من المعاني الحرفيّة. م ح ـ ى.
- (2) تهذيب الاُصول 1: 186.
- (3) يعني صيغة افعل وما يشابهه. منه مدّ ظلّه.
(صفحه12)
المخصوص ومجاز في غيره، ولا يخفى أنّه عليه لا يمكن منه الاشتقاق، فإنّ معناهحينئذٍ لا يكون معنى حدثيّاً، مع أنّ الاشتقاقات منه ظاهراً تكون بذلك المعنىالمصطلح عليه بينهم لا بالمعنى الآخر(1).
ثمّ أجاب عن الإشكال بقوله:
ويمكن أن يكون مرادهم به هو الطلب(2) بالقول لا نفسه، تعبيراً عنه بميدلّ(3) عليه(4).
نقد كلام صاحب الكفاية في المقام
وفيه: أنّ الإجماع المنقول ليس بحجّة عنده رحمهالله فكيف اعتمد عليه في المقامبقوله: «فقد نقل الاتّفاق على أنّه حقيقة في القول المخصوص ومجاز في غيره»؟!
على أنّ الواقع لا يوافق ثبوت معنى اصطلاحي له لا يفهمه العرف واللغة،فإنّ العرف يفهم من لفظ «الأمر» عين ما يفهمه منه الفقهاء والاُصوليّونوبالعكس.
نظريّة الإمام رحمهالله في معناه الاصطلاحي
وسيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام قدسسره أيضاً قائل باتّحاد العرف والاصطلاح فيذلك، وجعل ما في الكفاية من المعنى الاصطلاحي معنىً لغويّاً عرفيّ
- (2) فرجع المعنى الاصطلاحي إلى المعنى اللغوي الأوّل. نعم، يمكن الفرق بينهما بأنّ المعنى اللغوي مطلقالطلب والاصطلاحي الطلب بهيئة افعل فقط، فبينهما عموم وخصوص مطلق. منه مدّ ظلّه.
- (3) فإنّ القول المخصوص أعني هيئة «افعل» تدلّ على الطلب، فأعرضوا عن التعبير بنفس المعنىالاصطلاحي، وهو الطلب، وعبّروا بما يدلّ عليه، وهو القول المخصوص. م ح ـ ى.
ج2
واصطلاحيّاً، فإنّه رحمهالله ـ بعد بيان أنّ مادّة الأمر موضوعة لجامع(1) اسمي بينهيئات الصيغ الخاصّة بما لها من المعنى ـ قال: ولا يبعد أن يكون المعنىالاصطلاحي مساوقاً للغوي، أي لا يكون له اصطلاح خاصّ، مثلاً إذا قال:«اضرب زيداً» يصدق على قوله إنّه أمره، وهو غير قولنا: إنّه طلب منه أوأراد منه أو بعثه، فإنّ هذه المفاهيم الثلاثة غير مفهوم الأمر عرفاً، وبعبارةأوضح: إنّ مادّة «الأمر» موضوعة لمفهوم اسمي منتزع من الهيئات بما لها منالمعاني، لا بمعنى دخول المعاني في الموضوع له، بل بمعنى أنّ الموضوع له جامعالهيئات المستعملة في معانيها، لا نفس الهيئات ولو استعملت لغواً أو في غيرمعناها، فالمعنى مفهوم اسمي مشترك بين الهيئات التي هي الحروفالإيجاديّة(2)،(3)، إنتهى.
وحيث إنّ الإمام رحمهالله ذهب إلى أنّ الأمر لغةً واصطلاحاً بمعنى القولالمخصوص يتوجّه إليه أيضاً إشكال عدم إمكان الاشتقاق منه، بل توجّهالإشكال إليه أشدّ من توجّهه إلى ما في الكفاية، فإنّ المحقّق الخراساني رحمهالله جعلالقول المخصوص معناه الاصطلاحي فقط، والإمام قدسسره ذهب إلى أنّه معناهاللغوي العرفي أيضاً، فإشكال عدم إمكان الاشتقاق يرد على المعنى اللغويكوروده على الاصطلاحي.
وأجاب عن الإشكال بأنّ الجامع الإسمي ـ وهو هيئة افعل ـ وإن كانباعتبار كونه معنى محصّلاً غير مرتبط بالآمر لا يكون حدثيّاً، إلاّ أنّه باعتبار
- (1) وهو صيغة افعل. م ح ـ ى.
- (2) الحرف إمّا إخطاري وإخباري، مثل «في» فإنّها تخبر عن الظرفيّة في قولنا: «زيد في الدار» أو إيجادي،مثل حروف النداء والقسم، فإنّها لإيجاد النداء والقسم، وهيئة افعل من هذا القبيل. منه مدّ ظلّه في توضيحكلام الإمام رحمهالله .
- (3) تهذيب الاُصول 1: 186.