(صفحه144)
الوقوع عقيب الخطر أو في مقام توهّمه قرينة عامّة صارفة عن الحقيقة معيّنةلأحد المجازات، وهو الإباحة.
فلهم دعويان: أ ـ عدم ظهور الصيغة في معناها الحقيقي إذا وقعت عقيبالحظر أو في مقام توهّمه، ب ـ ظهورها في الإباحة التي هي أحد المجازات.
مقتضى التحقيق في المقام
ولا مدرك لهذه الأقوال، إلاّ موارد الاستعمال، ولقد أجاد صاحبالكفاية رحمهالله حيث قال: لا مجال للتشبّث بموارد الاستعمال، فإنّه قلّ مورد منهيكون خالياً عن قرينة على الوجوب أو الإباحة أو التبعيّة، ومع فرضالتجريد عنها لم يظهر بعدُ كون عقيب الحظر(1) موجباً لظهورها في غير متكون ظاهرة فيه، غاية الأمر يكون موجباً لإجمالها غير ظاهرة في واحدمنها، إلاّ بقرينة اُخرى، كما أشرنا(2)، إنتهى كلامه.
وهو حقّ، فنحن نوافق المشهور في دعواهم الاُولى، لا الثانية.
لأنّ الكلام إذا كان مقترناً بما يصلح للقرينيّة وشككنا في أنّ المتكلّم أرادالمجاز اعتماداً عليه أم لا، صار مجملاً، فإذا قال: «رأيت أسداً وذئباً يرمي»،وشككنا في أنّ المراد من الأسد هل هو معناه الحقيقي أو المجازي، لأجل الشكّفي أنّه جعل لفظ «يرمي» قيداً للكلمة الأخيرة فقط، أو لكلتا الكلمتين،
- (1) لا بأس بذكر نكتتين توضيحاً لكلام المحقّق الخراساني رحمهالله :
الاُولى: أنّ ذكر كون الصيغة عقيب الحظر من باب المثال، وإلاّ فحكم كونها في مقام توهّم الحظر أيضكذلك عنده.
الثانية: أنّه ربما يبدو في بادئ النظر أنّه جعل كونها عقيب الحظر أو في مقام توهّمه قرينةً صارفةً عنالمعنى الحقيقي بحيث كان خارجاً عن المعاني المحتملة، ولكنّ النظر الدقيق في كلامه يقضي بأنّه جعلالمعنى الحقيقي أيضاً أحد المحتملات، ألا ترى أنّه قال: يكون «كون عقيب الحظر» موجباً لإجمالها غيرظاهرة في واحد منها «أي من الوجوب والإباحة والتبعيّة» إلاّ بقرينة اُخرى. منه مدّ ظلّه.
ج2
صارت كلمة «أسد» مجملةً غير ظاهرة، لا في معناها الحقيقي، ولا في معناهالمجازي، وذلك لأنّ الشكّ في اعتماد المتكلّم على ما يصلح للقرينيّة يوجبإجمال الكلام، فلا يكون ظاهراً في المعنى الحقيقي، لاحتمال الاعتماد عليه، ولا فيالمعنى المجازي، لاحتمال عدم الاعتماد عليه.
هذا بناءً على ما هو الحقّ من أنّ أصالة الحقيقة شعبة من أصالة الظهور،فعلى هذا بناء العقلاء على أصالة الحقيقة إنّما هو لأجل الظهور في المعنىالحقيقي، فيرتفع بنائهم بارتفاع الظهور، وأمّا بناءً على كون أصالة الحقيقةأصلاً عقلائيّاً تعبّديّاً وإن لم يكن ظهور في البين، فلابدّ من حمل الأسد فيالمثال المتقدّم والأمر في ما نحن فيه، على المعنى الحقيقي الأوّلي، ولكن كونأصالة الحقيقة أصلاً تعبّديّاً مستقلاًّ مردود عندنا.
وبالجملة: لا فرق بين المقام وبين قول القائل: «رأيت أسداً وذئباً يرمي» فيتحقّق الإجمال في كليهما، لأجل الاقتران بما يصلح للقرينيّة، وإن كانت القرينةفي المثال مقاليّة وخاصّة، وفي المقام مقاميّة(1) وعامّة.
والحاصل: أنّ الأمر الواقع عقيب الحظر أو في مقام توهّمه يكون مجملاً ما لميقترن بقرينة اُخرى.
- (1) القرينة المقاميّة: هي القرينة الحاليّة، في مقابل القرينة اللفظيّة المقاليّة. منه مدّ ظلّه.
(صفحه146)
ج2
في المرّة والتكرار
المبحث السابع: في المرّة والتكرار
ولابدّ قبل بيان الحقّ في المسألة من البحث في جهتين:
الجهة الاُولى: أنّ النزاع هل يجري في هيئة الأمر، أو في مادّته، أو فيالصيغة المركّبة منهما؟
الحقّ أنّه لا يجري في المادّة، لأنّها مشتركة بين جميع المشتقّات، فلو كانالنزاع فيها لجرى في الماضي والمضارع وسائر المشتقّات أيضاً، مع أنّهم لميبحثوا عن المرّة والتكرار في غير الأمر.
البحث حول كلام صاحب الفصول رحمهالله في المقام
ثمّ إنّ صاحب الفصول رحمهالله استدلّ على خروج المادّة عن حريم النزاع بمحكاه السكّاكي من الاتّفاق على أنّ المصدر المجرّد عن اللام والتنوين لا يدلّإلاّ على الماهيّة(1).
وأجاب عنه المحقّق الخراساني رحمهالله بأنّ هذا الاتّفاق لا يوجب كون النزاعهاهنا في الهيئة، فإنّ كون المصدر كذلك لا يوجب الاتّفاق على أنّ مادّةالصيغة لا تدلّ إلاّ على الماهيّة، ضرورة أنّ المصدر ليس مادّة لسائر المشتقّات،بل هو صيغة مثلها(2)، كيف وقد عرفت في باب المشتقّ مباينة المصدر وسائر
- (2) كلامه هذا حقّ، ولكنّه لم يبيّن معنى هذه الصيغة، أعني المصدر، وقال سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام قدسسره ـ في تهذيب الاُصول 1: 150 ـ لا معنى له غير معنى المادّة، وإنّما أتى به الواضع لأجل إمكان التنطّقبالمادّة فقط.
والأظهر عندي وجود الفرق بينهما بحسب المعنى، فللمادّة معنى سارٍ في جميع معاني المشتقّات، كمأنّها جارية في جميع ألفاظها، فمادّة الضرب مثلاً ـ وهي «ض ـ ر ـ ب» ـ وضعت للمعنى الذي نعبّر عنهبالفارسيّة بـ «كتك»، والمصدر يدلّ عليها مع زيادة، فالزيادة هي مفاد هيئته، ويؤيّده أنّهم قسّموا المصدرإلى الفاعلي والمفعولي، مع أنّ تحقّق الفرق واضح بين الفاعل والمفعول، فإنّ الأوّل صدر عنه الفعل،والثاني وقع عليه. منه مدّ ظلّه.
(صفحه148)
المشتقّات بحسب المعنى(1)، وكيف بمعناه يكون مادّة لها؟ فعليه يمكن دعوىاعتبار المرّة أو التكرار في مادّتها كما لا يخفى.
إن قلت: فما معنى ما اشتهر من كون المصدر أصلاً في الكلام؟
قلت: مع أنّه محلّ الخلاف، معناه أنّ الذي وضع أوّلاً بالوضع الشخصي، ثمّبملاحظته وضع نوعيّاً أو شخصيّاً(2) سائر الصيغ التي تناسبه ممّا جمعه مادّة لفظمتصوّرة(3) في كلّ منها ومنه بصورة ومعنى كذلك هو المصدر أو الفعل(4)،إنتهى.
وحاصل ما أفاده رحمهالله : أنّ المراد بالأصل هو التقدّم في الوضع.
وهذا الكلام صحيح في نفسه، ولكنّه لا يمكن أن يكون جواباً عن كلامصاحب الفصول رحمهالله .
توضيح ذلك: أنّ مادّة المصدر إنّما هي مادّة لسائر المشتقّات، لأنّ عروضالهيئة المصدريّة لا ينقص عن المادّة شيئاً، بل هي إمّا جيء بها لأجل التمكّنمن التنطّق بالمادّة كما قال سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام رحمهالله من دون أن يزداد
- (1) حيث علم هناك أنّ معناه آبٍ عن الحمل، دون معنى المشتقّات. كفاية الاُصول المحشّى 1: 391.
- (2) على الاختلاف الذي تقدّم في مبحث انقسام الوضع إلى الشخصي والنوعي، وهو أنّ الوضع فيالمشتقّات هل هو نوعي أو شخصي؟ منه مدّ ظلّه.
- (3) إذ كلّ لفظ من الألفاظ له مادّة وصورة، ولكن مادّة المصدر مع مادّة المشتقّات واحدة، والاختلاف منقبل الصور المتباينة، وكذا في طرف المعنى، فهما مشتركان في المادّة المعنويّة واللفظيّة معاً. كفايةالاُصول المحشّى 1: 392.