ج2
الوجود ولايمكن اجتماعهما، فلا يعقل التخيير أيضاً، لأنّ الأقلّ بلا شرطموجود في ضمن الأكثر، فإذا وجدا دفعةً بإيجاد الأكثر لا يمكن القول بحصولكلا الغرضين، لمكان التضادّ المفروض، ولا بحصول الغرض المترتّب على الأقلّفقط، أو الأكثر كذلك، لأنّه من قبيل الترجيح بلا مرجّح، ولا بعدم حصولأيٍّ منهما، لأنّه بديهي الفساد، ولا يتصوّر فرض خامس، فيستحيل التخيير فيهذه الصورة أيضاً.
وأمّا إذا كان الغرضان قابلين للاجتماع، ولكن لا يكلّف العبد بالجمع بينهما،وبعبارة اُخرى: لزوم تحصيل كلّ منهما مشروط بعدم حصول الآخر قبله،فالتخيير بينهما ممكن، لأنّ الجمع بين الغرضين وإن لم يكن لازماً إلاّ أنّه ليسممنوعاً أيضاً، وحيث إنّ الأقلّ محصّل لأحد الغرضين والأكثر للغرض الآخرفإذا أوجد العبد الأكثر وجد محصّل الغرضين وكان للمولى أن يختار ما يشاء.
نتيجة البحث
والحاصل: أنّ التخيير بين الأقلّ والأكثر ممكن في الدفعيّات في خصوصما إذا كان للمولى غرضان قابلان للاجتماع وكان لزوم تحصيل كلّ منهما مقيّدبعدم حصول الآخر قبله، بخلاف التدريجيّات أو ما إذا كان له غرض واحد أوغرضان متضادّان.
نعم، فيما إذا كان التخيير مستحيلاً يمكن أن يكون الأقلّ واجباً تعيينيّاً ومزاد عليه مستحبّاً أو مباحاً، كأن يكون التسبيحات الأربعة واجبةً مرّةواحدة، ومستحبّة مرّتين اُخريين.
هذا تمام الكلام في الواجب التخييري، والحمد للّه ربّ العالمين(1).
- (1) بعد ما وصل شيخنا الاُستاذ المحاضر ««مدّ ظلّه»» إلى هذا الموضع من بحثه الشريف ابتليت الاُمّةالإسلاميّة بمصيبة ارتحال الاُصولي الفقيه، المحقّق الفاضل النّبيه آية اللّه السيّد أبي القاسم الموسويالخوئي قدسسره ، عظّم اللّه اُجورنا واُجور جميع المسلمين بهذه الحادثة المولمة التي وقعت في17/5/1371ش، 8 صفر 1413ق. م ح ـ ى.
(صفحه484)
ج2
(صفحه486)
في الواجب الكفائي
الفصل العاشر
في الواجب الكفائي
لا ريب في أنّ الواجب العيني ما يتوجّه إلى كلّ واحد من المكلّفين بنحوالاستقلال، فمن أتى به استحقّ المثوبة ومن تركه استحقّ العقوبة، ويقابلهالواجب الكفائي.
والمراد به ما إذا أتى به بعض المكلّفين استحقّ المثوبة وسقط عن الآخرين،فلايستحقّون العقوبة على تركه، ولو تركه الجميع لاستحقّ كلّ واحد عقوبةكاملة، كما أنّه لو أتى به أكثر من واحد فيما يقبل التعدّد ـ كصلاة الميّت(1) لاستحقّ كلّ منهم مثوبة كاملة، لا أنّ لجميعهم عقوبة واحدة موزّعة بينهم فيالأوّل، ومثوبة واحدة كذلك في الثاني.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ في كيفيّة تصوير الواجب الكفائي احتمالات:
أحدها: أنّ من كلّف به هو مجموع المكلّفين من حيث المجموع.
وفيه: أنّه إن اُريد به جميعهم، بمعنى أنّ كلّ واحد منهم مكلّف بذلكالتكليف، فلا فرق بينه وبين الواجب العيني، على أنّ قيام الجميع به لا يمكن فيكثير من الواجبات الكفائيّة، كدفن الميّت، ضرورة أنّه لا يمكن أن يستقلّ كلّ
- (1) فيما إذا اشتغل جماعة في الصلاة على ميّت وختموها معاً، وأمّا إذا أتمّها بعضهم قبل الآخرين ففياتّصاف صلاة الآخرين بالوجوب إشكال. منه مدّ ظلّه.
ج2
منهم بدفنه.
وإن اُريد به صرف الوجود، في مقابل الوجود السعي الذي هو المكلّف فيالواجبات العينيّة، فهو راجع إلى قول المحقّق النائيني رحمهالله ، وسيأتي البحث فيه.
وإن اُريد به أنّ جميعهم مكلّفون به، لكن لا بنحو الاستقلال، بل بأن يعملكلّهم عملاً واحداً، بخلاف الواجب العيني الذي كلّف به كلّ واحد منهممستقلاًّ، ففيه أوّلاً: أنّه لم يلتزم به أحد، ضرورة أنّه ما أفتى فقيه بلزوم تعاونجميع المكلّفين في امتثال الواجب الكفائي، وثانياً: أنّ تعاون الجميع لا يمكن فيبعض الواجبات الكفائيّة، كدفن الميّت وقتل سابّ النبيّ صلىاللهعليهوآله .
الثاني: أنّ المكلّف في الواجب الكفائي هو واحدهم(1) الغير المعيّن(2).
وفيه: أنّه تناقض ظاهر، ضرورة أنّ مصداق الواحد ووجوده الخارجي(3)يساوق التعيّن والتشخّص، لما ثبت في الفلسفة من أنّ «الشيء ما لم يتشخّص لميوجد» فكيف يمكن أن يكون حقيقة الواحد ووجوده الخارجي غير معيّن؟!
الثالث: أنّ المكلّف هو الفرد المردّد من بينهم.
وهذا وإن لم يكن بمثابة ما قبله من حيث التناقض والاستحالة، لأنّ المرادبالفرد المردّد أنّ له نحواً من التعيّن وإن كان طرف هذا التعيّن وما يضاف إليهـ أعني المتعيّن ـ مردّداً بين الأفراد.
لكن يرد عليه أنّ تشخّص الإرادة إنّما هو بتشخّص المراد كما عرفت فيمبحث الواجب التخييري، ولا فرق في ذلك بين الإرادة التكوينيّة والتشريعيّة،فلابدّ عند البعث من تشخّص الباعث والمبعوث والمبعوث إليه كلّها، لكونالبعث متقوّماً بجميعها، فلا يمكن تشخّصه بدون تشخّصها.
- (1) أي مصداق الواحد وحقيقته العينيّة الخارجيّة لا مفهومه. منه مدّ ظلّه.
- (2) أي غير المعيّن واقعاً لا المجهول عندنا. منه مدّ ظلّه.
- (3) بل الوجود الذهني أيضاً كذلك، لكنّ المراد من الواحد في المقام وجوده الخارجي. م ح ـ ى.