والحاصل: أنّه لا دليل للقول بالملازمة، لأنّ عمدة أدلّته هي الاُمور الثلاثةالمتقدِّمة، وقد عرفت بطلانها.
وهو أنّ القائلين بتحقّقها إن أرادوا الملازمة بين الوجوبين الفعليّين، بمعنىأنّ المولى إذا بعث إلى شيء يجب عليه البعث مستقلاًّ إلى مقدّماته، فالعقلوالوجدان يكذّبانها، ضرورة أنّ المولى وإن كان يتمكّن من إيجاب المقدّمةعند إيجاب ذيها، إلاّ أنّ العقل والوجدان يحكمان بعدم لزوم إيجابها عليه عندإيجابه، بل له أن يوجب ذا المقدّمة ويحيل إتيان المقدّمة إلى لابدّيّتها العقليّة، بلالبعث إليها لغو بعد حكم العقل بلزوم إتيانها(1).
ولو أرادوا بها العينيّة، بمعنى أنّ البعث الفعلي إلى الواجب بعينه بعث فعلينحو المقدّمات أيضاً، فهو أوضح فساداً، لأنّه ـ مضافاً إلى كونه خلاف حكمالوجدان والعقل، لأنّ الأمر لا يمكن أن يكون بعثاً إلاّ إلى متعلّقه ـ مخالفللأدبيّات أيضاً، ضرورة أنّ قوله: «كن على السطح» له مادّة وهيئة، مادّته هي
الكون على السطح، وهيئته دالّة على وجوب هذه المادّة، وأمّا وجوب نصبالسلّم الذي هو مقدّمة للكون على السطح فلا أثر له فيه أصلاً كما لا يخفى.
وإن أرادوا أنّ البعث الفعلي إلى المقدّمات من قبيل لوازم الماهيّة بالنسبةإلى البعث الفعلي إلى ذيها، ففيه أوّلاً: أنّه لو كان كذلك لما شكّ في وجوبالمقدّمة أحد، كما لا يشكّ أحد في زوجيّة الأربعة، وثانياً: أنّه مستلزم لأنيكون تصوّر وجوب ذي المقدّمة كافياً في تصوّر وجوبها، كما أنّ تصوّرالأربعة مستلزم لتصوّر الزوجيّة، مع أنّ الأمر في المقام ليس كذلك، بل قديكون المولى عند تصوّر البعث إلى ذي المقدّمة وإرادته غافلاً عن المقدّمةفضلاً عن البعث إليها.
وإن أرادوا أنّ البعث الفعلي إلى المقدّمة من قبيل لوازم الوجود بالنسبة إلىالبعث الفعلي إلى ذيها، وبعبارة اُخرى: إيجاب ذي المقدّمة علّة لإيجابها، ففيه:أنّ المولى عند البعث إلى ذي المقدّمة قد يكون غافلاً عن المقدّمة كما تقدّم،فكيف يمكن صدور بعث قهري من المولى متعلّق بالمقدّمة عند إيجاب ذيها؟!
على أنّا نعلم خارجاً أنّه أمر بكثير من الأشياء دون مقدّماتها.
إن قلت: لعلّ الأوامر المتعلّقة بالمقدّمات لم تصل إلينا.
قلت: هذا الاحتمال وإن كان جارياً في الشرعيّات، إلاّ أنّه لا يجري في أوامرالموالي العرفيّة، ضرورة أنّا نجد أنّهم يأمرون بأشياء ولا يأمرون بمقدّماتها.
هذا كلّه فيما إذا أرادوا الملازمة بين الوجوبين الفعليّين.
وأمّا إن أرادوا الملازمة بين الوجوب الفعلي المتعلّق بذي المقدّمة والوجوبالتقديري المتعلّق بالمقدّمة بمعنى أنّ المولى إذا التفت في المستقبل إليها يبعثإليها، ففيه: أنّ الملازمة من مقولة الإضافة، فلا يعقل أن يكون أحد طرفيهفعليّاً والطرف الآخر تقديريّاً، لأنّ المتضايفين متكافئان وجوداً وعدماً وقوّةً
(صفحه394)
وفعلاً.
هذا كلّه على تقدير أن يكون مرادهم الملازمة بين الوجوبين.
وأمّا إن أرادوا الملازمة بين الإرادتين الفعليّتين ـ أعني الإرادة المتعلّقةبالبعث إلى ذي المقدّمة والإرادة المتعلّقة بالبعث إلى المقدّمة ـ فإن أرادوبالملازمة العلّيّة، بمعنى أنّ الإرادة المتعلّقة بالبعث إليها متولِّدة ومترشِّحة قهرعن الإرادة المتعلّقة بالبعث إليه، ففيه: ما عرفت كراراً من عدم إمكان تحقّقإرادةٍ بدون تحقّق مباديها، من تصوّر المراد والتصديق بفائدته وغيرهما.
وإن أرادوا العلّيّة، بمعنى أنّ إرادة البعث إلى ذي المقدّمة علّة لأن تتحقّق فينفس المولى إرادة البعث إلى المقدّمة مسبوقةً بمباديها، وبعبارة اُخرى: إرادةإيجابه يوجب تصوّر إيجاب مقدّمته والتصديق بفائدته وسائر المبادئ التيتتحقّق عقيبها الإرادة، ففيه: أنّ إيجاب المقدّمة لا فائدة فيه بعد حكم العقلبلزوم إتيانها، فأين التصديق بفائدته؟!
وإن أرادوا الملازمة بين الإرادة الفعليّة المتعلّقة بالبعث إلى ذي المقدّمةوالإرادة التقديريّة المتعلِّقة بالبعث إلى المقدّمة ففيه: ما عرفت آنفاً من أنّالملازمة من مقولة الإضافة، فلا يمكن أن يكون أحد طرفيها فعليّاً والطرفالآخر تقديريّاً(1).
هذا ما أفاده سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام قدسسره في المقام مع توضيح منّا.
والحاصل: أنّ الملازمة مقطوعة العدم، لما عرفت من بطلان الأدلّة التياُقيمت عليها، ومن هذا البرهان الذي أقامه الإمام قدسسره لإثبات عدمها.
التفصيل بين السبب وغيره
- (1) تهذيب الاُصول 1: 395.