إنتهى كلامه.
وحاصله: أنّ القائل بالطبيعة في تلك المسألة قائل بتعلّق الأمر والطلببوجودها، والمراد بالفرد والأفراد في المقام أيضاً هو الوجود الواحدوالوجودات المتعدّدة، والقائل بالطبيعة هناك لو قال بالمرّة مثلاً هاهنا لكانمعناه أنّ الفرد الواحد بما هو وجود الطبيعة مطلوب المولى، مع قطع النظر عنخصوصيّاته وتشخّصاته الفرديّة، وأمّا القائل بتعلّق الأمر بالأفراد في تلكالمسألة لو قال بالمرّة هاهنا لكان معناه أنّ الفرد الواحد مع ملاحظة جميعخصوصيّاته الفرديّة مطلوبه، وقس عليه القول بالتكرار.
أقول: ما ذهب إليه من أنّ الطلب على القول بالطبيعة إنّما يتعلّق بوجودهوإن كان صحيحاً، إلاّ أنّ ما استدلّ به عليه ـ من قول الفلاسفة: «الماهيّة منحيث هي ليست إلاّ هي» بتقريب دلالته على أنّ الماهيّة لا تكون مطلوبة ولغير مطلوبة ـ باطل، لأنّ مرادهم أنّ الماهيّة من حيث هي ليست إلاّ هيبالحمل الأوّلي(1)، لا بالحمل الشائع، والمقام من قبيل الثاني، لأنّا لا ندّعي أنّالمطلوبيّة جزء ماهيّة الصلاة مثلاً، بل نقول بأنّ الصلاة مصداق من مصاديقمطلوب المولى ومتّحدة معه خارجاً.
وبالجملة: تعلّق الطلب بالطبيعة يكون مثل عروض البياض للجسم، فكمنقول: الجسم أبيض، بلحاظ عروض البياض له، نقول أيضاً: الصلاة مطلوبة،بلحاظ تعلّق الطلب بها، ولا ندّعي أنّ الطلب دخيل في ماهيّتها، كما لا يدّعيأحد أنّ البياض دخيل في ماهيّة الجسم، فلا يصحّ التمسّك بقول الفلاسفة:
«الماهيّة من حيث هي ليست إلاّ هي» لإثبات عدم إمكان تعلّق الطلببالطبيعة، لأنّ الفلاسفة أرادوا أنّ الماهيّة في مقام ذاتها ليست إلاّ هي، ويسلبعنه في هذا المقام جميع ما لا دخل له في قوامها، وهذا لا ينافي اتّصافهبأوصاف خارجة عن حقيقة ذاتها محمولة عليها بالحمل الشائع الصناعيالذي ملاكه الاتّحاد في الوجود.
على أنّه لا فرق بين تعلّق الطلب بالماهيّة وتعلّق الوجود بها بالنسبةإلىالقاعدة الفلسفيّة المذكورة، لأنّ الماهيّة من حيث هي كما لا تكون مطلوبةولا غير مطلوبة، كذلك لا تكون موجودة ولا غير موجودة، كما اعترف بهالمحقّق الخراساني رحمهالله في مواضع اُخرى من كلامه، فقول الفلاسفة: «الماهيّة منحيث هي ليست إلاّ هي» لو سدّ طريق إضافة الطلب إلى الماهيّة لسدّ طريقإضافة الوجود إليها أيضاً، ولم ينحلّ إشكال تعلّق الطلب بالماهيّة بجعلالوجود واسطةً بينهما، كما فعل صاحب الكفاية رحمهالله .
فعلى هذا ماذا يدلّ على أنّ متعلّق الطلب أو البعث والتحريك هو الوجود؟
نسب إلى صاحب الفصول رحمهالله أنّه جزء مدلول الهيئة، فمفادها هو البعثوالتحريك الاعتباري إلى الوجود.
وفيه: أنّه لا دليل عليه في معجم من معاجم اللغة، إذ لا يستفاد منها أزيدمن البعث والتحريك الاعتباري.
والحقّ أنّ كون متعلّق الأمر هو الوجود يستفاد من طريق الدلالةالالتزاميّة العقليّة والعرفيّة، لا من طريق الدلالة الوضعيّة اللفظيّة.
توضيح ذلك: أنّك إذا أدخلت ابنك في الدار قهراً بالبعث الحقيقي، ثمّ قلت:«بعثت ابني إلى الدار» لم يكن في ألفاظ هذه الجملة من الوجود عين ولا أثر،ولكنّ العقل يفهم أنّ الذي تحقّق إنّما هو كون ابنك في الدار ووجوده فيها.
ج2
والأمر كذلك أيضاً بالنسبة إلى البعث والتحريك الاعتباري، فإنّه وإن كانأمراً اعتباريّاً، إلاّ أنّه لابدّ للاعتباريّات أيضاً من أساس تتعلّق به، ألا ترى أنّهلا يعتبر الملكيّة بدون المالك والمملوك، ولا الزوجيّة بدون الزوجين، فإذا قالالمولى مثلاً: «اضرب زيداً» فلا الهيئة تدلّ على وجود الضرب بالدلالة اللفظيّةولا المادّة، بل يفهم عقلاً، فإنّ العقل إذا لاحظه يحكم بأنّ المولى بعث عبده إلىإيجاد الضرب، بل العرف أيضاً يحكم بذلك.
والحاصل: أنّ ما ذهب إليه المحقّق الخراساني من أنّ القائلين بتعلّق الأوامربالطبائع أرادوا وجود الطبائع لا نفسها حقّ، لكن لا لما ذكره من القاعدةالفلسفيّة المتقدّمة، ولا لما نسب إلى صاحب الفصول من الدلالة الوضعيّةاللفظيّة، بل لأجل الدلالة الالتزاميّة العقليّة والعرفيّة كما تقدّم.
التحقيق حول دلالة الأمر على المرّة أو التكرار
وبذلك يظهر أنّه لا مجال للقول بدلالة صيغة «افعل» على المرّة أو التكرار،لأنّ كلام الاُصوليّين ظاهر في أنّ النزاع في الدلالة اللفظيّة حيث عنونوالبحث بأنّ «صيغة الأمر هل تدلّ على المرّة أو التكرار أم لا» فمحلّ النزاعبينهم إنّما هو الدلالة اللفظيّة الوضعيّة، مع أنّ المرّة والتكرار بمعنى الوجودالواحد والوجوداتالمتعدّدة، وقد عرفت أنّالصيغة لا تدلّ على أصل الوجود،لا بمادّتها ولا بهيئتها، فضلاً عن دلالتها على وصفه، أعني قيد الوحدة والتعدّد.
إن قلت: نعم، ولكن يمكن التمسّك بحكم العقل لإثبات المرّة أو التكرار ـ كمتمسّكنا به لإثبات أصل الوجود ـ وإن كان خارجاً عن مورد نزاع الاُصوليّين،لما عرفت من أنّهم يتنازعون في الدلالة الوضعيّة اللفظيّة لا في الدلالةالالتزاميّة العقليّة.
(صفحه158)
قلت: لا مجال لهذا، فإنّ العقل وإن كان يحكم بكون متعلّق الأمر وجودالطبيعة لا نفسها بالتقريب المتقدّم، إلاّ أنّه لا وجه لأن يحكم بأنّ هذا الوجودوجود واحد أو وجودات متعدّدة كما لا يخفى.
هذا بناءً على ما ذهبنا إليه من ثبوت الوجود بالدلالة الالتزاميّة العقليّةوالعرفيّة.
وأمّا بناءً على ما نسب إلى صاحب الفصول من كونه جزء مدلول الهيئةفيمكن أن يقال: إنّ الوجود الذي هو مدلولها هل هو وجود واحد، أووجودات متعدّدة، أو لا تدلّ على أحدهما، بل على أصل الوجود فقط.
ولكن كونه جزء مدلول الهيئة ممنوع كما عرفت، هذا أوّلاً.
وثانياً: سلّمنا دلالتها على نفس الوجود، ولكن لا يمكن تسليم دلالتها علىقيد الوحدة أو التكرار، فإنّها تستلزم تقييد معنى الهيئة، وهو معنى حرفيملحوظ بلحاظ آلي، وتقييده يستدعي أن يتعلّق به اللحاظ الاستقلالي، وليمكن الجمع بينهما في شيء واحد من جهة واحدة كما عرفت في كلام سيّدنالاُستاذ الأعظم الإمام قدسسره .
والحاصل: أنّه لا مجال للقول بالمرّة أو التكرار في المقام.
هل الإتيان بأفراد دفعيّة امتثال واحد أو متعدّد؟
وعلى ما اخترناه من أنّ الصيغة تدلّ على البعث نحو الماهيّة من دون أنتدلّ على المرّة أو التكرار فلا إشكال في تحقّق الامتثال بإيجاد فرد منها، لأنّالفرد تمام الماهيّة لا بعضها، ولا إشكال أيضاً في تحقّق أصل الامتثال بإيجادأفراد متعدّدة دفعةً. وإنّما الإشكال في أنّها هل تكون امتثالاً واحداً، فليستحقّ إلاّ مثوبة واحدة، أو امتثالات عديدة، فيستحقّ مثوبات بعددها، أو