(صفحه264)
المعلول بحيث يترشّح منه وجود المعلول، كالمقتضي، فإنّ امتناع تأخّر بعضأجزاء العلّة عن المعلول من القضايا التي قياساتها معها، ولا يحتاج إلى مؤونةبرهان، لأنّ أجزاء العلّة بجميع أقسامها تكون ممّا لها دخل في وجود المعلولعلى اختلاف مراتب الدخل حسب اختلاف مراتب أجزاء العلّة من الجزءالأخير منها إلى أوّل مقدّمة إعداديّة، ويشترك الكلّ في إعطاء الوجودللمعلول، ومعلوم أنّ فاقد الشيء لا يكون معطي الشيء، وكيف يعقلالإفاضة والرشح ممّا لا حظّ له من الوجود.
وبالجملة: امتناع الشرط المتأخّر في باب العلل العقليّة أوضح من أنيحتاج إلى بيان بعد تصوّر معنى العلّيّة والمعلوليّة.
وعليك بمراجعة ما علّقه السيّد الطباطبائي رحمهالله على المكاسب في بابالإجازة في العقد الفضولي، ليظهر لك ما وقع في كلامه من الخلط والاشتباه.
إذا عرفت هذه الاُمور، ظهر لك أنّ محلّ النزاع في الشرط المتأخّر إنّما هوفي الشرعيّات في خصوص شروط الوضع والتكليف، وبعبارة اُخرى: محلّالكلام إنّما هو في موضوعات(1) الأحكام، وضعيّةً كانت أو تكليفيّة، فقيودمتعلّق التكليف، والعلل الغائيّة، والاُمور الانتزاعيّة، والعلل الحقيقيّة خارجةعن حريم النزاع.
وبعد ذلك نقول: إنّ امتناع الشرط المتأخّر في موضوعات الأحكام يتوقّفعلى بيان المراد من الموضوع، وهو يتوقّف على بيان الفرق بين القضايالحقيقيّة والقضايا الخارجيّة، وأنّ المجعولات الشرعيّة إنّما تكون على نهج
- (1) إذا قلنا: «المستطيع يجب عليه الحجّ» فلنا في اصطلاح المحقّق النائيني رحمهالله حكم ومتعلّق وموضوع،فالحكم هو الوجوب، ومتعلّقه هو الحجّ، وموضوعه عنوان «المستطيع»، والسرّ في تعبيره عن شروطالأحكام بموضوعات الأحكام، أنّا إذا قلنا: «إن استطعتم يجب عليكم الحجّ» فشرط الوجوب في الشرطيّةهو بعينه موضوع في الحمليّة. منه مدّ ظلّه.
ج2
القضايا الحقيقيّة لا القضايا الخارجيّة، وقد تقدّم منّا شطر من الكلام في ذلكفي باب الواجب المشروط والمطلق، ولا بأس بالإشارة الإجماليّة إليه ثانياً.
فنقول: القضايا الخارجيّة عبارة عن قضايا جزئيّة شخصيّة(1) خارجيّة،كقوله: «يازيد أكرم عمراً» و«يا عمرو حجّ» و«يا بكر صلِّ» وغير ذلك منالقضايا المتوجّهة إلى آحاد الناس من دون أن يجمعها جامع، وهذا بخلافالقضايا الحقيقيّة، فإنّ الأشخاص والآحاد لم تلاحظ فيها، وإنّما الملحوظ فيهعنوان كلّي رتّب المحمول عليه، كما إذا قيل: «أهن الجاهل» و«أكرم العالم» فإنّالملحوظ هو عنوان الجاهل والعالم، ويكون هو الموضوع لوجوب الإكرام منغير أن يكون للآمر نظر إلى زيد وعمرو وبكر، بل إن كان زيد من أفراد العالمأو الجاهل فالعنوان ينطبق عليه قهراً، كما هو الشأن في جميع القضايا الحقيقيّة،حيث يكون الموضوع فيها هو العنوان الكلّي الجامع، ويكون ذلك العنوانبمنزلة الكبرى الكلّيّة، ومن هنا يحتاج في إثبات المحمول لموضوع خاصّ إلىتأليف قياس، ويجعل الموضوع الخاصّ صغرى القياس، والعنوان الكلّي كبرىالقياس، فيقال: «زيد عالم، وكلّ عالم يجب إكرامه، فزيد يجب إكرامه»، وهذبخلاف القضايا الخارجيّة، فإنّ المحمول فيها ثابت لموضوعه ابتداءً من دونتوسّط قياس كما هو واضح، وقد استقصينا الكلام في الفرق بين القضيّةالحقيقيّة والقضيّة الخارجيّة والاُمور التي تترتّب عليه، والغرض في المقام مجرّدالإشارة إلى الفرق، حيث إنّ المقام أيضاً من تلك الاُمور المترتّبة على الفرقبين القضيّتين، ومجمل الفرق بينهما هو أنّ الموضوع في القضيّة الحقيقيّة حمليّةًكانت أو شرطيّة، خبريّة كانت أو إنشائيّة هو العنوان الكلّي الجامع بين م
- (1) ظاهر كلامه رحمهالله اختصاص القضيّة الخارجيّة بالقضيّة الشخصيّة الجزئيّة، وهو خلاف الواقع، فإنّ قولنا:«يا أيّها الجالسون في هذا المكان يجب عليكم الخروج منه» أيضاً قضيّة خارجيّة مع عدم كونها شخصيّةكما هو واضح. منه مدّ ظلّه.
(صفحه266)
ينطبق عليه من الأفراد، وفي القضيّة الخارجيّة يكون هو الشخص الخارجيالجزئي، ويتفرّع على هذا الفرق اُمور تقدّمت الإشارة إليها، منها: أنّ العلم إنّميكون له دخل في القضيّة الخارجيّة دون القضيّة الحقيقيّة.
وتوضيح ذلك: هو أنّ حركة إرادة الفاعل نحو الفعل، أو الآمر نحو الأمر إنّميكون لمكان علم الفاعل والآمر بما يترتّب على فعله وأمره، وما يعتبر فيه منالقيود والشرائط، وليس لوجود تلك القيود دخل في الإرادة، بل الذي يكونله دخل فيها هو العلم بتحقّقها، مثلاً لو كان لعلم زيد دخل في إكرامه، فمتى كانالشخص عالماً بأنّ زيداً عالم يقدم على إكرامه مباشرةً أو يأمر بإكرامه، سواءكان زيد في الواقع عالماً أو لم يكن، وإن لم يكن الشخص عالماً بعلم زيد ليباشر إكرامه ولا يأمر به، وإن كان في الواقع عالماً، فدخل العلم في وجوبإكرام زيد يلحق بالعلل الغائيّة التي قد عرفت أنّها إنّما تؤثّر بوجودها العلميلا بوجودها الواقعي، وهكذا الحال في سائر الاُمور الخارجيّة، مثلاً العلمبوجود الأسد في الطريق يوجب الفرار لا نفس وجود الأسد واقعاً، وكذا العلمبوجود الماء في الطريق يوجب الطلب لا نفس الماء، وهكذا جميع القضايالشخصيّة، حمليّةً كانت أو إنشائيّة، المدار فيها إنّما يكون على العلم بوجود ميعتبر في ثبوت المحمول، لا على نفس الثبوت الواقعي.
وهذا بخلاف القضايا الحقيقيّة، فإنّه لا دخل للعلم فيها أصلاً، لمكان أنّالموضوع فيها إنّما هو العنوان الكلّي الجامع لما يعتبر فيه من القيود والشرائط،والمحمول فيها إنّما هو مترتّب على ذلك العنوان الجامع، ولا دخل لعلم الآمربتحقّق تلك القيود وعدم تحقّقها، بل المدار على تحقّقها العيني الخارجي، مثلالموضوع في مثل «للّه على الناس حجّ البيت» إلخ، إنّما هو المستطيع، فإن كانزيد مستطيعاً يجب عليه الحجّ، ويترتّب عليه المحمول، ولو فرض أنّ الآمر لم
ج2
يعلم باستطاعة زيد، بل علم عدم استطاعته، ولو لم يكن مستطيعاً لا يجبعليه الحجّ ولو فرض أنّ الآمر علم بكونه مستطيعاً، فالقضيّة الخارجيّة إنّمتكون في طريق النقيض للقضيّة الحقيقيّة من حيث دخل العلم وعدمه، وإنأردت توضيح ذلك فعليك بمراجعة ما سطرناه في الواجب المعلّق.
إذا عرفت ذلك فنقول: لا ينبغي الإشكال في أنّ المجعولات الشرعيّة ليستعلى نهج القضايا الشخصيّة الخارجيّة، بحيث يكون ما ورد في الكتاب والسنّةإخبارات عن إنشاءات لاحقة، حتّى يكون لكلّ فرد من أفراد المكلّفين إنشاءيخصّه عند وجوده، فإنّ ذلك ضروري البطلان كما أوضحناه فيما سبق، بل هيإنشاءات أزليّة، وأنّ المجعولات الشرعيّة إنّما تكون على نهج القضايا الحقيقيّة،كما هو ظاهر ما ورد في الكتاب والسنّة.
وحيث عرفت الفرق بين القضيّتين، وأنّ المجعولات الشرعيّة ليست علىنهج القضايا الخارجيّة، ظهر لك المراد من موضوعات الأحكام التي هي محلّالنزاع في المقام، وأنّها عبارة عن العناوين الكلّيّة الملحوظة مرآةً لمصاديقهالمقدّر وجودها في ترتّب المحمولات عليها، ويكون نسبة ذلك الموضوع إلىالمحمول نسبة العلّة إلى معلولها، وإن لم يكن من ذاك الباب حقيقةً، بناءً علىالمختار من عدم جعل السببيّة(1)، إلاّ أنّه يكون نظير ذلك من حيث التوقّفوالترتّب(2)، فحقيقة النزاع في الشرط المتأخّر يرجع إلىتأخّر بعض ما فرضدخيلاً في الموضوع على جهة الجزئيّة أو الشرطيّة عن الحكم التكليفي أوالوضعي، بأن يتقدّم الحكم على بعض أجزاء موضوعه...
إذا عرفت ذلك ظهر لك أنّ امتناع الشرط المتأخر من القضايا الّتي
- (1) وأمّا بناءً على جعل السببيّة للموضوع فامتناع تأخّره عن حكمه أوضح. منه مدّ ظلّه.
- (2) لأنّ الحكم كالعرض وموضوعه كالمعروض، وامتناع تأخّر المعروض عن العرض واضح. منه مدّ ظلّه.
(صفحه268)
قياساتها معها، ولا يحتاج إلى برهان، بل يكفي في امتناعه نفس تصوّره، منغير فرق فيذلك بين أننقول بجعل السببيّة، أو لا نقول بذلك وقلنا: إنّ المجعولهو نفس الحكم الشرعى مترتّباً على موضوعه. فإنّه بناءً على جعل السببيّةيكون حال الشرعيّات حال العقليّات، التي قد تقدّم امتناع تأخّر العلّة فيها أوجزئها أو شرطها أو غير ذلك ممّا له أدنى دخل في تحقّق المعلول، عن علّتها...
وأمّا بناءً على أنّ المجعول هو الحكم على فرض وجود موضوعه فلا يلزمتأثير المعدوم في الموجود، بل غايته أنّ الشارع رتّب الملكيّة على الإيجابوالقبول والإجازة، فيكون كلّ من الإيجاب والقبول والإجازة جزء الموضوع،ولا يلزم أن تكون أجزاء الموضوع مجتمعة في الزمان، بل يكفى وجودها ولومتفرّقة، ويكون نسبة الجزء السابق إلى اللاحق نسبة المعدّ في أجزاء العلّةالتكوينيّة المتصرّمة في الوجود، وحيث إنّ الجزء السابق إنّما يكون معدّاً وأثرهليس إلاّ الإعداد وهو حاصل عند وجوده، فلا يلزم تأخّر الأثر عن المؤثّر،بل أثر كلّ جزء إنّما يتحقّق في زمان ذلك الجزء، غايته أنّ الأثر يختلف، فأثرالأجزاء السابقة على الجزء الأخير من العلّة التّامّة إنّما هو الإعداد، وأثر الجزءالأخير هو وجود المعلول، فليس في سلسلة أجزاء العلّة المتدرّجة في الوجودما يلزم منه تأخّر الأثر عن المؤثّر وتأثير المعدوم في الموجود(1).
إنتهى موضع الحاجة من كلامه بطوله.
نقد نظريّة المحقّق النائيني رحمهالله في المقام
وفي مواضع منه نظر:
1ـ أنّه رحمهالله ذكر في الأمر الأوّل لإثبات خروج شرائط المأمور به عن حريم
- (1) فوائد الاُصول 1 و2: 271.