على عدم وجوب أكثر من صلاة واحدة في الوقت المضروب لها.
ولو فرضنا عدم قيام الإجماع المذكور لاستفدنا من الأدلّة أنّ تعدّد الأمرليس لأجل تعدّد المطلوب، بأن تكون الصلاتان مطلوبتين مستقلّتين، بللأجل امتناع جعل الشرطيّة والجزئيّة استقلالاً، وأنّه لابدّ في انتزاع شرطيّةالطهارة الترابيّة في حال العجز من شمول الأمر ووقوعها تحت الأمر حتّى تعلمشرطيّتها، فيكون تعدّد الأمر من ضيق الخناق، كتعدّده في القربيّات منالأوامر على القول بعدم إمكان أخذ ما يأتي من قبل الأمر في موضوعه،فحينئذٍ الأمر الثاني ليس لإفادة مطلوب مستقلّ، بل لأجل جعل شيء شرطللمأمور به تبعاً للأمر المتعلّق بالمقيّد به.
وبالجملة: ماهيّة المأمور به واحدة، والأمر المتعلّق بها أيضاً واحد واقعاً،إلاّ أنّها مشروطة بشرطين، ولا يتمكّن الشارع من بيانهما للمكلّف إلاّ فيضمن أمر، فيضطرّ إلى أمرين ظاهريّين لأجل بيان الشرطين، فيقول: «أيّهالواجد للماء صلِّ مع الوضوء» و«أيّها الفاقد للماء صلِّ مع التيمّم» لكنّالتكليف في الواقع واحد متعلّق بماهيّة واحدة، وعلى هذا المبنى يكون مقتضىالقاعدة هو الإجزاء أيضاً، لأنّ تعدّد الأمر ليس ناشئاً من تعدّد المطلوبوالمصلحة حتّى لا يكون استيفاء الواحد منهما مغنياً عن الآخر.
نعم، لو فرضنا أنّ تعدّد الأمر لأجل تعدّد المطلوب، وأنّ البدل ـ وهوالصلاة مع التيمّم ـ مطلوب مستقلّ، والمبدل ـ وهو الصلاة مع الوضوء مطلوب مستقلّ آخر، وفرضنا أيضاً أنّ دليل المبدل مطلق يعمّ صورة الإتيان
بالبدل وصورة عدم الإتيان به، فمقتضى القاعدة عدم إجزاء الصلاة مع التيمّمفي أوّل الوقت عن الصلاة مع الوضوء بعد وجدان الماء في وسطه، لأنّ إجزاءأحد الأمرين عن الآخر مع تعدّد المطلوب نظير إجزاء الصلاة عن الصوم.
فعدم الإجزاء متوقّف على أربع مقدّمات: 1ـ تعدّد الأمر، 2ـ كون التعدّدناشئاً عن تعدّد المطلوب لا عن الاضطرار إليه، 3ـ عدم قيام الإجماع علىكفاية صلاة واحدة في الوقت المحدّد لها، 4ـ إطلاق دليل المبدل، وبانتفاء كلّواحدة من هذه المقدّمات الأربع يثبت الإجزاء.
إن قلت: لو كان دليل البدل أيضاً مطلقاً فهو يعارض إطلاق دليل المبدل.
قلت: كلاّ، فإنّ إطلاق دليل البدل لا يقتضي إلاّ مشروعيّة الصلاة مع التيمّمفي أوّل الوقت، وأمّا إجزائها عن الصلاة المأمور بها بأمر آخر وقت زوالالعذر فلا يدلّ عليه، وبعبارة اُخرى: الإطلاق الموجود في دليل البدل ليقتضي إلاّ جواز البدار في إتيانه وسقوط أمره لدى امتثاله، لا سقوط أمرآخر(1).
هذا حاصل كلام الإمام رحمهالله .
والحاصل: أنّ عدم الإجزاء يتوقّف على المقدّمات الأربع السابقة، وقدعرفت منع الاُولى منها، وأنّه ليس لنا إلاّ أمر واحد.
هذا تمام الكلام في الإعادة.
ويجري في القضاء أيضاً ما جرى في الإعادة، لكن بتفاوت يسير في تقريببعض مقدّمات عدم الإجزاء، فإنّا لو قلنا أوّلاً بتعدّد الأمر، وثانياً بكونه ناشئعن تعدّد المطلوب، وثالثاً بعدم قيام الإجماع على كفاية صلاة واحدة إمّا أداءًأو قضاءً، ورابعاً بأنّ دليل القضاء ـ وهو «اقض ما فات» مثلاً ـ مطلق يعمّ
- (1) تهذيب الاُصول 1: 263.
ج2
حتّى من صلّى في الوقت متيمِّماً لعذر مستوعب لجميع(1) الوقت، ولا يختصّبمن لم يصلِّ في الوقت أصلاً، فهذه المقدّمات تقتضي عدم الإجزاء، ولو لم تثبتواحدة منها فمقتضى القاعدة هو الإجزاء وعدم وجوب القضاء.
هذا كلّه فيما إذا كان لنا طريق إلى إثبات أحد الطرفين من الأدلّة.
مقتضى الاُصول العمليّة في المقام
ولو فرضنا عدم الوصول إلى محصّل بحسب مقام الإثبات فهل القاعدة فيمقام العمل تقتضي الاشتغال أو البراءة؟
وليعلم أنّ البحث هنا أيضاً يقع تارةً في الإعادة واُخرى في القضاء.
أمّا بالنسبة إلى الإعادة فالحقّ هو الاشتغال بناءً على ما ذهبنا إليه منوحدة الأمر، لأنّ الشكّ في إجزاء الفرد الاضطراري للمأمور به عن الفردالاختياري يتوقّف على فقدان الدليل اللفظي، وهو متوقّف على عدم تحقّقالإطلاق في دليل البدل ولا في دليل المبدل، لأنّ دليل البدل لو كان مطلقيقتضي مشروعيّة صلاة المتيمّم في أوّل وقتها ولو صار واجداً للماء في آخرالوقت، ومشروعيّتها تقتضي سقوط الأمر المتعلّق بالصلاة، لكونه واحدفرضاً، كما أنّ دليل المبدل لو كان مطلقاً دون دليل البدل فهو يقتضي عدمالإجزاء وعدم سقوط الأمر المتعلّق بالصلاة بالإتيان بالفرد الاضطراري منهفي أوّل الوقت.
ولو لم يكن إطلاق في البين، لا في دليل البدل ولا في دليل المبدل فلا برهانعلى مشروعيّة الصلاة مع التيمّم في أوّل الوقت ولا على عدم مشروعيّتها،
- (1) أو لم يكن معذوراً في أوّل الوقت، لكنّه لم يأت بالصلاة مع الطهارة المائيّة في أوّل وقتها، لكونها واجبةموسّعة، ثمّ صار فاقداً للماء في آخر وقتها، فأتى بها مع الطهارة الترابيّة. منه «مدّ ظلّه».
(صفحه200)
ولكنّ المكلّف يأتي بها رجاءً وبداعي احتمال المشروعيّة، فالأمر بالصلاةتوجّه إليه يقيناً ونحن نشكّ في سقوطه بتلك الصلاة المأتيّ بها، للشكّ فيمشروعيّتها، والاشتغال(1) اليقيني يستدعي البراءة اليقينيّة.
وأمّا أصالة البراءة فلا مجال لها هاهنا أصلاً، لعدم احتمال توجّه أمر مولويإلى عنوان الإعادة إثباتاً ونفياً، لأنّ العقل هوالذي يحكم بوجوب الإعادةعندما لم يطابق المأتيّ به المأمور به، وبعدم وجوبها عندما طابقه، وأمّا الشارعفلا يحكم لا بوجوب الإعادة وراء حكمه بوجوب نفس الماهيّة ولا بعدموجوبها، فنحن لا نشكّ في تعلّق وجوب شرعي بالإعادة كي يرتفع بأصالةالبراءة.
وأمّا قوله عليهالسلام في صحيحة زرارة: «تعيد الصلاة وتغسله»(2) وفي صحيحتهالاُخرى: «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة...»(3) فمحمول في الرواية الاُولى علىالإرشاد إلى أنّ الصلاة المأتيّ بها كانت خاليةً من شرطها، وهو الطهارة، وفيالرواية الثانية على الإرشاد إلى أنّ الصلاة إذا كانت فاقدةً لبعض الأركانكانت باطلة، وإذا كانت واجدةً لجميعها كانت صحيحة، وإن ترك بعضأجزائها الاُخرى نسياناً، فالعقل يحكم بلزوم الإعادة في مورد الرواية الاُولىوالفرض الأوّل من الثانية، وبعدم لزومها في مورد الفرض الثاني منها.
وأمّا إعادة الصلاة المأتيّ بها فرادى جماعةً فقد عرفت أوّلاً أنّها مستحبّة لواجبة، وثانياً تشتمل الصلاة المعادة على الجماعة، فليست إعادةً للمأتيّ بها بلزيادة.
وأمّا إعادة صلاة الكسوف والخسوف فمضافاً إلى أنّها أيضاً مستحبّة ل
- (1) هذا الأصل، إمّا أصالة الاشتغال أو استصحابه. منه مدّ ظلّه.
- (2) وسائل الشيعة 3: 479، كتاب الطهارة، الباب 42 من أبواب النجاسات، الحديث 2.
- (3) وسائل الشيعة 7: 234، كتاب الصلاة، الباب 1 من أبواب قواطع الصلاة، الحديث 4.