ج2
الاُمور المهمّة(1)، وفي تركيب المعاجين وتأسيس الأبنية، فإنّهم إذا شكّوا فيإدخال جزء لازم في معجون، أو في إدخال شيء مهمّ في جدار البناءلا يعتقدون بعدم الاعتناء به بمجرّد التجاوز عن محلّه أو الفراغ من العمل.
ولو سلّمنا كونها قاعدة عقلائيّة فلا تدخل في محلّ النزاع، إذ لا ريب في أنّالعقلاء بعد أن يلتفتوا على خلوّ عملهم من جزء مهمّ يفعلونه ثانيةً مع ذلكالجزء بلا ريب، ولا يتصوّر أن يشكّ أحد في ذلك كي يتنازع فيه.
وبالجملة: قاعدة التجاوز والفراغ قاعدة شرعيّة لا عقلائيّة.
ثمّ قيل: يظهر من بعض الأخبار أماريّتها، كقوله عليهالسلام : «هو حين يتوضّأذكر منه حين يشكّ»(2) فإنّه ظاهر في أنّ علّة عدم الاعتناء بالشكّ بعد الفراغأذكريّته في حال التوضّي، ولا ريب في أنّ للذكر والأذكريّة جهة الكشفوالطريقيّة.
وربما يقال: يظهر من بعضها الآخر كونها أصلاً، كقوله عليهالسلام في مورد الشكّفي الركوع بعد التجاوز عن محلّه: «بلى قد ركعت»(3) ضرورة أنّ مفاده «ابنعلى أنّك قد ركعت» إذ لا يحتمل أن يكون الإمام عليهالسلام بصدد الإخبار عمّا فعلهالسائل واقعاً.
وكيف كان، فلا إشكال في تقدّم القاعدة على دليل الاستصحاب حكومةعليه لو كانت أمارة، وتخصيصاً له لو كانت أصلاً شرعيّاً.
توضيح ذلك: أنّ المخصِّص والمخصَّص لابدّ من أن يكونا في رتبة واحدة،بخلاف الحاكم والمحكوم، فإنّ الحاكم متقدِّم على المحكوم، فلو كانت قاعدةالتجاوز أصلاً لكانت مخصِّصة للاستصحاب، لاتّحاد رتبتهما، ولو كانت أمارةً
- (1) أي في الاُمور الواجبة التحقّق عندهم لا في الاُمور المستحبّة. م ح ـ ى.
- (2) وسائل الشيعة 1: 471، كتاب الطهارة، الباب 42 من أبواب الوضوء، الحديث 7.
- (3) وسائل الشيعة 6: 317، كتب الصلاة، الباب 13 من أبواب الركوع، الحديث 3.
(صفحه222)
لكانت حاكمةً عليه، لتقدّمها عليه رتبةً(1).
إذا عرفت هذا فاعلم أنّها تقتضي(2) الأجزاء لو كانت أصلاً، ولا تقتضيه لوكانت أمارة.
توضيح ذلك: أنّها حاكمة على أدلّة(3) الأجزاء والشرائط على الأوّل، وإللزم لغويّتها كما قلنا في سائر الاُصول الشرعيّة، بخلاف ما لو كانت أمارة، فإنّهعلى هذا كاشفة عن تحقّق الجزء والشرط في الواقع، فهي بمنزلة الصغرى،وأدلّة الأجزاء والشرائط بمنزلة الكبرى الكلّيّة، من دون أن توسّع دائرتها،فبعد انكشاف الخلاف وظهور عدم كاشفيّتها تجب الإعادة أو القضاء(4)، وهذهو السرّ في اقتضاء الاُصول الشرعيّة الإجزاء دون الأمارات والقطع.
هذا تمام الكلام في قاعدة التجاوز والفراغ.
بقيت مسألتان اُخريان لا بأس بالإشارة إلى مقتضاهما:
حول الإجزاء في موارد قاعدة الشكّ بعد الوقت
الاُولى: قاعدة البناء على الإتيان بالعمل عند الشكّ فيه بعد الوقت.
ولا ريب في خروجها عن النزاع؛ لظهور أنّه لم يأت بعمل أصلاً على فرض
- (1) حيث إنّها متكفّلة لبيان الحكم الواقعي، والاستصحاب متكفِّل لبيان الحكم الظاهري في مورد الشكّ فيالواقع، فكان متأخّراً عنها برتبتين. م ح ـ ى.
- (2) ولا فرق في ذلك بين أن تكون قاعدة واحدة أو قاعدتين بجعل قاعدة الفراغ مستقلّةً. منه مدّ ظلّه.
- (3) فإنّ دليل جزئيّة الركوع للصلاة مثلاً ظاهر في جزئيّة الركوع الواقعي فقط، ولكن قاعدة التجاوز حاكمةعليه وموسّعة لدائرته، بجعل الركوع الظاهري أيضاً جزءً لها، فإذا شككنا في الإتيان بالركوع بعد التجاوزعن محلّه وحكمنا بمقتضى قاعدة التجاوز بتحقّقه ثمّ انكشف الخلاف صحّت الصلاة ـ بمقتضىالقاعدة، مع قطع النظر عن حديث «لا تعاد» ـ لكونها مشتملةً على الجزء واقعاً، لأنّ الجزء الواقعي أعمّمن الركوع الواقعي والظاهري بمقتضى حكومة قاعدة التجاوز على دليل جزئيّة الركوع. منه مدّ ظلّه.
- (4) مثلاً دليل جزئيّة الركوع للصلاة ظاهر في كون الركوع الواقعي جزءً لها، وقاعدة التجاوز بناءً علىأماريّتها كاشفة عن تحقّق الركوع الواقعي بعد التجاوز عن محلّه، فإذا انكشف الخلاف تبيّن كون الصلاةفاقدة لجزئها، فتجب الإعادة أو القضاء. م ح ـ ى.
ج2
انكشاف الخلاف فيما بعد حتّى يبحث في كونه مجزياً أم لا.
فقاعدة الشكّ بعد الوقت قاعدة تسهيليّة لا تقتضي إلاّ كون المكلّفمعذوراً ما لم ينكشف الخلاف.
مقتضى أصالة الصحّة في عمل الغير(1) في المقام
الثانية: أنّ الإنسان إذا شكّ في صحّة عمل الغير وفساده، كما إذا شكّ في أنّالنائب الذي استنابه عنه أو عن مورّثه للحجّ مثلاً هل أوجده صحيحاً أوفاسداً وأجرى أصالة الصحّة في عمله ثمّ انكشف الخلاف فهل يكون مجزيأم لا؟
الحقّ أنّها لا تقتضي الإجزاء، لأنّ حجّيّتها إن كانت بملاك ظهور عملالمسلم في الصحيح منه كانت أمارةً، إذ ظاهر الحال يكون من الأماراتكظاهر المقال، وقد عرفت أنّ الأمارات لا تقتضي الإجزاء، وإن كانت حجّيّتهباستناد قوله عليهالسلام : «ضع أمر أخيك على أحسنه(2)»(3) فهي وإن كانت أصلشرعيّاً مجعولاً للشاكّ، إلاّ أنّه يختصّ بما إذا كان عمل الأخ مرتبطاً بذلكالشاكّ، كما في موارد الاستنابة، وإلاّ فلا معنى لأن نُجري أصالة الصحّة فيأعماله التي لا ترتبط بنا أصلاً كصلواته اليوميّة.
وظاهر هذه الرواية وجوب حمل عمل النائب المسلم على الصحيح من
- (1) وأمّا إجراء المكلّف أصالة الصحّة في عمل نفسه فهو شعبة من قاعدة الفراغ، ثمّ إنّ أصالة الصحّة فيعمل الغير وإن كانت تعمّ المعاملات أيضاً، إلاّ أنّها لا ترتبط ببحث الإجزاء، ضرورة أنّا لو شككنا في أنّزيداً هل تملّك داره بعقد صحيح أم لا، فأجرينا أصالة الصحّة في عمله واشتريناها منه، ثمّ انكشف فسادالعقد الذي تملّكها به فلا يجري فيه النزاع في كون أصالة الصحّة مقتضية للإجزاء أم لا كما لا يخفى،فمورد أصالة الصحّة المربوط بالمقام ما إذا استنبنا شخصاً لعمل عبادي، وعلمنا أنّه فعله، لكن شككنا فيأنّه هل فعله صحيحاً كي يوجب براءة ذمّتنا أم فاسداً كي لا يوجب؟ منه مدّ ظلّه.
- (2) كلمة «أحسن» هاهنا لا تفيد التفضيل، بل هي بمعنى كون عمله حسناً صحيحاً. منه مدّ ظلّه.
- (3) وسائل الشيعة 12: 302، كتاب الحجّ، الباب 161 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 3.
(صفحه224)
حيث الآثار المترتّبة له، كاستحقاقه اُجرة النيابة، لا من حيث الآثار المترتّبةللمستنيب، كبراءة ذمّته، بل لو شككنا في ذلك لاقتضت القاعدة بقاء اشتغالذمّته.
وبالجملة: أصالة الصحّة في عمل النائب لا تجري بالنسبة إلى فراغ ذمّةالمستنيب، ولو سلّمنا جريانها فلا ريب في أنّها لا تقتضي الإجزاء بعد كشفالخلاف.
هذا تمام الكلام في مبحث الإجزاء.
ج2
في مقدّمة الواجب
الفصل الرابع
في مقدّمة الواجب
وقبل الخوض في المقصود ينبغي رسم اُمور:
الأوّل: في تحرير محلّ النزاع
قال المحقّق الخراساني رحمهالله : الظاهر(1) أنّ المهمّ المبحوث عنه في هذه المسألةالبحث عن الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدّمته، فتكون مسألةاُصوليّة، لا عن نفس وجوبها ـ كما هو المتوهّم من بعض العناوين ـ كي تكونفرعيّة(2)، وذلك لوضوح أنّ البحث كذلك لا يناسب الاُصولي، والاستطراد لوجه له بعد إمكان أن يكون البحث على وجه تكون من المسائل الاُصوليّة.
ثمّ الظاهر أيضاً أنّ المسألة عقليّة، والكلام في استقلال العقل بالملازمةوعدمه، لا لفظيّة كما ربما يظهر من صاحب المعالم، حيث استدلّ على النفي
- (1) حيث إنّهم ذكروا هذا البحث في الاُصول لا في الفقه. منه مدّ ظلّه.
- (2) أي قاعدة فقهيّة، والفرق بين المسألة الفقهيّة والقاعدة الفقهيّة ـ بعد كونهما مشتركتين في كون موضوعكلّ منهما من أفعال المكلّفين ومحموله حكماً شرعيّاً تكليفيّاً أو وضعيّاً ـ أنّ عنوان الاُولى حاكٍ عنمعنون واحد، كما إذا قيل: «صلاة الجمعة واجبة» بخلاف الثانية، فإنّ لعنوانها معنونات كثيرة، كقولهم:«كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» الذي يعبّر عنه بقاعدة «ما يضمن» حيث إنّه يعمّ البيع والإجارةونحوهما، وقولهم: «مقدّمة الواجب واجبة» حيث إنّه يعمّ كلّ شيء يتوقّف عليه واجب من الواجبات.منه مدّ ظلّه.