مولويّاً حال كون ذيها واجباً، كما إذا أمر المولى عبده باشتراء اللحم من دونأن يأمره بدخول السوق، فهل يمكن أن يقال: الأمر به دونها لغو، لا يجبالانبعاث به، فيضرب على الجدار ما لم يكن مقارناً للأمر بها(1)؟!
وأمّا إن أراد أنّ البحث في ثبوت الملازمة بين إرادة المولى المتعلّقة بالبعثإلى ذي المقدّمة وإرادته(2) المتعلّقة بالبعث إلى المقدّمة ففيه أوّلاً: أنّه كيفيتخلّف المراد عن الإرادة فيما إذا بعث إلى ذي المقدّمة دونها.
كما أنّه إن أراد الملازمة بين الوجوب الفعلي المتعلّق بذي المقدّمة والوجوببالقوّة المتعلّق بالمقدّمة، أو بين الإرادة الفعليّة والإرادة بالقوّة(3)، ففيه أنّالملازمة وإن لم تكن من مقولة الإضافة، إلاّ أنّها مثلها في لزوم كون طرفيهمتكافئين غير مختلفين من حيث القوّة والفعل، ضرورة عدم إمكان تحقّقالوصف فعلاً والموصوف في المستقبل، لكونه من قبيل اتّصاف المعدوم بصفةوجوديّة، وهي الملازمة(4).
هذا حاصل ما أفاده الإمام قدسسره ، وهو كلام صحيح.
إن قلت: ما ذكره الإمام رحمهالله ، وإن كان متيناً إلاّ أنّه يدلّ على بطلان الملازمةوعدم ثبوتها، لا على عدم كون النزاع فيها، فلا يصلح أن يكون ردّاً علىالمحقّق الخراساني رحمهالله .
قلت: الملازمة ـ بملاحظة ما أورد عليها الإمام رحمهالله ـ واضحة البطلان،فمراده رحمهالله أنّه لا يليق بحال العلماء والمحقّقين أن ينازعوا في ثبوت الملازمةوعدمه بعد كونها كذلك، سيّما أنّ المشهور ذهبوا إلى وجوب(1) المقدّمة، فهليمكن أن ينسب إليهم أنّهم ذهبوا إلى أمر واضح البطلان؟!
نظريّة الإمام رحمهالله في المقام
ثمّ للإمام قدسسره في تحرير محلّ النزاع كلام يحتاج بيانه إلى مقدّمة:
وهي أنّ الأعمال الصادرة من الإنسان مباشرةً مسبوقة بالإرادة التي أحدمبادئها هو التصديق بالفائدة، ولكن هذه الأفعال لا يلزم أن تكون ذات فائدةفي الواقع أيضاً، إذ ربما كان علم المريد جهلاً مركّباً، كما أنّه قد يتصوّر شيئاً وليرى فيه أيّة فائدة، فيتركه مع كونه مشتملاً عليها في الواقع.
وأيضاً إذا أمر المولى عبده بفعل فقد يخطأ في مقدّماته، إذ قد يرى شيئمقدّمة مع عدم كونه كذلك واقعاً، وقد ينعكس الأمر، فلا يرى ما هو مقدّمةفي الواقع مقدّمة، أو لا يلتفت إليه أصلاً، فحينئذٍ لا يمكن تعلّق إرادته به، لعدمتمكّن الغافل من إرادة المغفول عنه.
إن قلت: الشارع العالم بالغيب والملتفت إلى كلّ شيء بريء عن الغفلةوالخطأ في التشخيص.
قلت: نعم، ولكنّ البحث يعمّ أوامر الموالي العرفيّة أيضاً، ولا يختصّ بأوامر
- (1) وبتعبير آخر: إلى وجود الملازمة. منه مدّ ظلّه.
ج2
الشارع المقدّس، وإن كان غرضنا منه استخدام نتيجته في الأوامر الشرعيّةالصادرة من اللّه تعالى أو المعصومين عليهمالسلام .
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الإمام رحمهالله ذهب إلى أنّ النزاع في الملازمة بينالإرادة الفعليّة المتعلّقة بالبعث إلى ذي المقدّمة والإرادة الفعليّة المتعلّقة بالبعثإلى ما يراه المولى مقدّمة.
وعلى هذا لا يضرّ الخطأ في التشخيص ولا عدم الالتفات إلىالمقدّمة الواقعيّة، لأنّ طرف الملازمة في جانب المقدّمة إنّما هو الإرادةالمتعلّقة بالبعث إلى ما يراه مقدّمة، لا الإرادة المتعلّقة بالبعث إلى المقدّمةالواقعيّة.
هذا من ناحية المولى.
وأمّا من ناحية العبد فيجب عليه الإتيان بالمقدّمة الواقعيّة وإن لم يرهالمولى مقدّمة أو غفل عنها أصلاً، لوجوب تحصيل الغرض عليه، ولا يمكنتحصيله إلاّ بها، كما أنّه لا يجب عليه الإتيان بما لا دخل له في المأمور به واقعاً،وإن رآه المولى دخيلاً، لأنّ وجوبه غيري لأجل تحصيل المأمور به، فلا يكونواجباً إذا لم يكن دخيلاً فيه واقعاً(1).
هذا حاصل كلام الإمام رحمهالله ، وتلقّيناه بالقبول في الدورة السابقة.
نقد ما أفاده قدسسره في المقام
لكن يمكن أن يناقش فيه بأنّ المولى لو أمر عبده باشتراء اللحم ولم يأمرهبدخول السوق مثلاً مع كونه ملتفتاً إلى كونه مقدّمة له، فإن قيل: الأمرباشتراء اللحم ناقص ولغو لا أثر له أصلاً فهو خلاف الوجدان والاستعمالات
- (1) تهذيب الاُصول 1: 281.