ج2
علّة لعبور الحرمة منه إلى غيره، وبعبارة اُخرى حيثيّة كلّ من الصلاةوالغصب تقييديّة.
بخلاف المقام، فإنّ حيثيّة الركوع وإن كانت تقييديّة، لتمركز الوجوبالنفسي عليها، إلاّ أنّ حيثيّة المقدّميّة تعليليّة، لأنّ عنوان المقدّمة علّة لعبورالوجوب منها إلى المعنون وهو الركوع، ضرورة أنّ الكلّ متوقّف على نفسأجزائه، لا على عنوان «المقدّمة» فالواجب بالوجوب الغيري هو نفس الركوعوالسجود وغيرهما من الأجزاء، وإن كان وجوبها لأجل كونها مقدّماتللصلاة، فتمركز الوجوب النفسي والغيري على عنوان واحد، وهو الركوع(1).
هذا ما أفاده صاحب الكفاية رحمهالله في المقام.
وملخّصه: أنّ تقسيم المقدّمة إلى الداخليّة والخارجيّة صحيح، لصدقالمقدّميّة على أجزاء المأمور به، لكنّها خارجة عن محلّ النزاع، ويختصّ البحثبالمقدّمات الخارجيّة.
كلام الإمام الخميني رحمهالله في المقام
وأورد على إطلاق كلامه في الموضعين سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام قدسسره بأنّبعض المركّبات لا يطلق على أجزائها عنوان المقدّمة أصلاً، وبعضها يطلق علىأجزائها هذا العنوان وتدخل أيضاً في محلّ النزاع، فلا يصحّ القول بصدقالمقدّميّة على أجزاء جميع المركّبات، ولا القول بخروج ما يصدق عليه عنوانالمقدّمة منها عن محلّ النزاع.
توضيح ذلك: أنّ المركّب على قسمين: حقيقي وغير حقيقي.
والأوّل ـ وهو ما كان بين أجزائه تركّب وامتزاج واقعي ـ على قسمين:
(صفحه236)
1ـ ما كان أجزائه تحليليّة عقليّة، كالماهيّة النوعيّة، فإنّها مركّبة من الجنسوالفصل، إذ العقل حينما يقايسها إلى سائر الأنواع التي في عرضها يجد أنّ الكلّمشترك في أمر، مع أنّ لكلّ منها أمراً به يمتاز عن الأنواع الاُخرى، فيسمّى مبه الاشتراك جنسه، وما به الامتياز فصله، ويحكم بأنّ النوع مركّب منهما.
2ـ ما كان أجزائه خارجيّة، كالإنسان الموجود في الخارج، حيث إنّهمركّب من المادّة والصورة.
ولا يخفى أنّ الجنس والمادّة متّحدان ذاتاً مختلفان اعتباراً، فالمادّة إذا اُخذتلا بشرط كانت جنساً، كما أنّ الجنس إذا اُخذ بشرط لا(1) كان مادّة، وكذالصورة والفصل، فإنّ الصورة فصل إذا اُخذت لا بشرط، كما أنّ الفصل صورةإذا اُخذ بشرط لا(2).
والمركّب غير الحقيقي هو الذي يتحقّق من انضمام اُمور متعدّدة بعضها إلىبعض، من دون أن يتحقّق بينها اتّحاد حقيقي، بل يبقى كلّ جزء على استقلالهبعد التركيب كما كان قبله، وهذا أيضاً على قسمين:
1ـ المركّب الصناعي، وهو يتحقّق بإلصاق الفاعل الفنّي بعض الأشياءالمختلفة الدخيلة في حصول غرض خاصّ ببعض، وتسمية مجموعها باسممعيّن، كالبيت والمسجد والسيّارة.
2ـ المركّب الاعتباري، وهو أنّ المركِّب يجمع بين أشياء مختلفة مؤثّرة في
- (1) إن قلت: هذا ينافي ما تقدّم من أنّ الأجزاء مأخوذة بشرط الاجتماع.
قلت: كلاّ، فإنّ المراد من كون الأجزاء الخارجيّة بشرط لا أنّها بشرط عدم الحمل على النوع في مقابلالجنس والفصل، فإنّ المادّة والصورة لا تحملان عليه، فلا يقال: الإنسان مادّة، أو صورة، بخلاف الجنسوالفصل، حيث يقال: الإنسان حيوان، أو ناطق، فالشيء الذي اشترط وجوده هو الاجتماع، والذي اعتبرعدمه هو الحمل، فلا منافاة بينهما، إذ لا يمتنع أن تؤخذ ماهيّة واحدة بشرط شيء وبشرط لا إذا كانالشيء المشروط وجوده مغايراً للشيء المشروط عدمه. منه مدّ ظلّه حاكياً عن المحقّق الخراساني فيالكفاية.
- (2) بداية الحكمة: 60، الفصل الرابع من المرحلة الخامسة.
ج2
حصول الغرض ويعتبرها شيئاً واحداً، كالصلاة والحجّ وسائر الماهيّاتالاختراعيّة.
والفرق بينهما أنّ المركِّب في الأوّل لا يعتبر مجموعة الأشياء الدخيلة فيتحقّق السيارة مثلاً شيئاً واحداً، بل يجعل لها عنواناً خاصّاً لكي يعبّر به عنهحينما يحتاج إلى التعبير بها، بخلاف المركّب الاعتباري، فإنّه يعتبر الوحدة بينمجموع أجزائه.
ثمّ قال الإمام رحمهالله بعدم صدق المقدّمة على أجزاء المركّب الحقيقي بكلقسميه، وبصدقها على أجزاء المركّب غير الحقيقي كذلك، ودخولها أيضاً فيمحلّ النزاع.
وذلك لعدم التغاير لا حقيقةً ولا اعتباراً بين الماهيّة النوعيّة وبين جنسهوفصلها، ولا بين الشيء الموجود في الخارج وبين مادّته وصورته، فإنّ ماهيّةالإنسان نفس الحيوان والناطق، لا غيرهما ولو اعتباراً، والإنسان الموجود فيالخارج نفس مادّته وصورته، لا غيرهما ولو اعتباراً.
وأمّا المركّبات الصناعيّة فيكفي في صدق المقدّميّة على أجزائها تعدّدالإرادة.
وتوضيح المقام يتوقّف على بيان كيفيّة الإرادة الفاعليّة كي يعلم منه حالالإرادة الآمريّة، فنقول:
إذا تعلّقت إرادة الفاعل المباشر ببناء مسجد مثلاً كانت إرادته كاملة قطعاً،وإن كان جاهلاً بكمّيّة أجزائه وكيفيّة تركيب بعضها مع بعض، ثمّ إذا علم أنّالشيء الفلاني جزء له تعلّقت إرادة اُخرى به أيضاً، ضرورة أنّ تعدّد المراد(1)
- (1) والدليل على كون المراد بالإرادة الثانية غير المراد بالإرادة الاُولى أنّه كان جاهلاً أو غافلاً عن الأجزاءومقدارها حين إرادة الكلّ، فكيف يمكن أن يكون الأجزاء التي تراد بالإرادة الثانية عين المركّب الذياُريد بالإرادة الاُولى مع أنّ تصوّر المراد أوّل مبدء لها، وهو كان غافلاً أو جاهلاً بالأجزاء فرضاً حينتحقّق الإرادة الاُولى. منه مدّ ظلّه.
(صفحه238)
يستدعي تعدّد الإرادة، وهكذا الأمر بالنسبة إلى سائر الأجزاء. نعم، الإرادةالمتعلّقة بنفس بناء المسجد نفسيّة، وهذه الإرادات المتعلّقة بتهيئة أجزائهغيريّة.
وكذلك الأمر في إرادة المولى الآمر بناء مسجد بيد عبده، فإنّه حينما يأمرهبذلك يكون بين الإرادة(1) المتعلّقة بالبعث إليه وبين الإرادة المتعلّقة بالبعث إلىما يراه مقدّمةً ملازمةٌ بناءً على ثبوتها، سواء كانت المقدّمة داخليّة، وهيالأجزاء، مثل الحديد والخشب والجصّ وغيرها، أو خارجيّة، كاستئجارالبنّاء والعملة ونحوهما.
ومتعلّق الوجوب النفسي غير ما تعلّق به الوجوب الغيري كما عرفت، فليلزم محذور اجتماع المثلين.
والكلام في المركّب الاعتباري الذي هو محطّ النظر في المقام عين الكلام فيالمركّب الصناعي، إذ لا فرق بينهما إلاّ في اعتبار الوحدة بين أجزاء الأوّل،وعدم اعتبارها بل جعل عنوان خاصّ فقط في الثاني كما عرفت(2).
هذا حاصل كلام الإمام قدسسره ، وملخّصه أنّ أجزاء المركّب الحقيقي لا يصدقعليها المقدّميّة، لعدم كونها مغايرةً للكلّ ولو اعتباراً، بخلاف أجزاء المركّبغير الحقيقي، فإنّها مقدّمات له أوّلاً وداخلة في النزاع ثانياً، لكونها مغايرة له.
والوجه المذكور في كلام صاحب الكفاية لعدم دخولها في محلّ النزاعمردود، لتغاير متعلّق الوجوبين، فلا مجال للقول باجتماع المثلين.
ما أفاده المحقّق العراقي رحمهالله في المقام
- (1) تكون الملازمة بين الوجوبين على ما اخترناه سابقاً في تحرير محلّ النزاع. منه مدّ ظلّه.
- (2) تهذيب الاُصول 1: 289.
ج2
وقسّم المحقّق العراقي رحمهالله المقدّمات الداخليّة إلى قسمين، ثمّ فصّل بينهما فيالدخول في محلّ النزاع وعدمه، فإنّه قال ما حاصله:
الوحدة الاعتباريّة تارةً تكون في الرتبة السابقة على الأمر، بأن يعتبرالمولى الآمر عدّة اُمور متبائنة شيئاً واحداً بلحاظ تحصيلها غرضاً واحداً،فيوجّه أمره إليه، واُخرى في الرتبة اللاحقة، بأن يتصوّر المولى اُموراً متبائنةبوصف تباينها، فيأمر بها من دون أن يعتبرها شيئاً واحداً، ثمّ العبد يعتبرهواحداً بلحاظ تعلّق أمر واحد بها.
ولايعقل أنيكون هذا القسم الأخير داخلاً في البحث، لأنّ الكلّيّة والجزئيّةمتأخّرتان رتبةً من اعتبار الوحدة، وهو متأخّر فرضاً عن تعلّق الأمر، فليصدق عنوان المقدّميّة على الأجزاء في الرتبة السابقة على الأمر لكي يبحثفي ثبوت الملازمة بين الأمر المتعلّق بالكلّ والأمر المتعلّق بالجزء(1).
نقد نظريّة المحقّق العراقي رحمهالله
وفيه أوّلاً: أنّ تقسيم المركّب الاعتباري إلى هذين القسمين غير مقبول، لأنّجميع المركّبات الاعتباريّة من قبيل القسم الأوّل، ضرورة أنّه ليس لكلّ جزءمن أجزائها مصلحة ملزمة مستقلّة، وإلاّ لأمر المولى بكلّ منها بأمر مستقلّ،فللمجموع مصلحة ملزمة واحدة لأجلها صدر الأمر من المولى، فهو لاحظهبما أنّها مشتملة على تلك المصلحة الواحدة قبل الأمر بها، وما هذا إلاّ اعتبارالوحدة.
والحاصل: أنّه كما لا يعقل تعلّق الإرادة الواحدة على المتشتّتات المتفرِّقةالتي لاترتبط بعضها ببعض، كذلك لا يعقل تعلّق أمر واحد باُمور كذلك.
- (1) تهذيب الاُصول 1: 293 نقلاً عن بعض الأعاظم.