(صفحه262)
الزمان الماضي بحيث يكون غسل المغرب يوجب رفع الحدث من الظهر، أوقلنا: إنّ غسل الليل يوجب تحقّق الامتثال من السابق وإن لم يوجب رفعالحدث عنه، كان الإشكال في الشرط المتأخّر جارياً فيه كما لا يخفى، إلاّ أنّحديث جعل الغسل شرطاً للصوم لا يقتضي ذلك، بل أقصاه أنّه لا يتحقّقصحّة الصوم إلاّ به، غايته أنّه لا على وجه الجزئيّة، بل على وجه القيديّة،وذلك ممّا لا محذور فيه بعدما كان الغسل فعلاً اختياريّاً للمكلّف وكان قادرعلى إيجاده في موطنه، فتسرية إشكال الشرط المتأخّر إلى قيود متعلّقالتكليف ممّا لا وجه له.
الأمر الثاني: لا إشكال في خروج العلل الغائيّة عن حريم النزاع، فإنّ العللالغائيّة غالباً متأخّرة في الوجود عمّا تترتّب عليه، وليست هي بوجودها العينيعلّة للإرادة وحركة العضلات نحو ما تترتّب عليه حتّى يلزم تأثير المعدوم فيالموجود، وتقدّم المعلول على علّته، بل العلّة والمحرّك هو وجوده العلمي(1)،مثلاً علم النجّار بترتّب النوم على السرير موجب لحركة عضلاته نحو صنعالسرير، وكذا علم المستقبِل بمجيء زيد في الغد يوجب إرادته للاستقبال، ولأثر لوجودهما العيني في ذلك، فإنّ من لم يعلم بقدوم زيد في الغد لا يتحقّق منهإرادة الاستقبال وإن فرض قدومه في الغد، كما أنّ علمه بقدومه يوجب إرادةالاستقبال وإن فرض عدم قدومه، فالمؤثّر هو الوجود العلمي، وكذا الحال فيعلل التشريع، فإنّ علل التشريع هي العلل الغائيّة، ولا فرق بينهما، إلاّ أنّهماصطلحوا في التعبير عنها في الشرعيّات بعلل التشريع وحكم التشريع، وفيالتكوينيّات بالعلل الغائيّة، وعلى كلّ حال علم الآمر بترتّب الحكمة موجبللأمر، وإن كانت هي بوجودها العيني متأخّرة عن الأمر، فما كان من العلل
- (1) أي تصوّره والتصديق بأنّه مترتّب على المعلول. م ح ـ ى.
ج2
الغائيّة والعلل التشريعيّة لا يندرج في الشرط المتأخّر المبحوث عنه في المقام،وذلك واضح.
الأمر الثالث: ليس المراد من الشرط المتأخّر المبحوث عنه في المقام بابالإضافات والعناوين الانتزاعيّة، كالتقدّم، والتأخّر، والسبق، واللحوق،والتعقّب، وغير ذلك من الإضافات والاُمور الانتزاعيّة، فلو كان عنوان التقدّموالتعقّب شرطاً لوضع أو تكليف لا يكون ذلك من الشرط المتأخّر، ولا يلزمالخلف وتأثير المعدوم في الموجود وتقديم المعلول على علّته، وذلك لأنّ عنوانالتقدّم ينتزع من ذات المتقدّم عند تأخّر شيء عنه، ولا يتوقّف انتزاع عنوانالتقدّم عن شيء على وجود المتأخّر في موطن الانتزاع، بل في بعض المقاماتممّا لا يمكن ذلك، كتقدّم بعض أجزاء الزمان على بعض، فإنّ عنوان التقدّمينتزع لليوم الحاضر لتحقّق الغد في موطنه، فيقال: «هذا اليوم متقدّم علىغد»، ولا يتوقّف انتزاع عنوان التقدّم لليوم الحاضر على مجيء الغد، بل ليصحّ، لتصرّم اليوم الحاضر عند مجيء الغد، ولا معنى لاتّصافه بالتقدّم حالتصرّمه وانعدامه. هذا حال الزمان.
وقس على ذلك حال الزمانيّات الطوليّة في الزمان، حيث يكون أحدالزمانيّين مقدّماً على الآخر في موطن وجوده، لمكان وجود المتأخّر في موطنه،فيقال: «زيد متقدّم على عمرو» ولو لم يكن عمرو موجوداً في الحال، بل يكفيوجوده فيما بعد في انتزاع عنوان التقدّم لزيد في موطن وجوده.
الأمر الرابع: لا إشكال في خروج العلل العقليّة عن حريم النزاع مطلقبجميع أقسامها وشؤونها: من البسيطة، والمركّبة، والتامّة، والناقصة، والشرط،والمقتضي، وعدم المانع، والمعدّ، وكلّ ما يكون له دخل في التأثير، سواء كان لهدخل في تأثير المقتضي، كالشرط وعدم المانع، أو كان له دخل في وجود
(صفحه264)
المعلول بحيث يترشّح منه وجود المعلول، كالمقتضي، فإنّ امتناع تأخّر بعضأجزاء العلّة عن المعلول من القضايا التي قياساتها معها، ولا يحتاج إلى مؤونةبرهان، لأنّ أجزاء العلّة بجميع أقسامها تكون ممّا لها دخل في وجود المعلولعلى اختلاف مراتب الدخل حسب اختلاف مراتب أجزاء العلّة من الجزءالأخير منها إلى أوّل مقدّمة إعداديّة، ويشترك الكلّ في إعطاء الوجودللمعلول، ومعلوم أنّ فاقد الشيء لا يكون معطي الشيء، وكيف يعقلالإفاضة والرشح ممّا لا حظّ له من الوجود.
وبالجملة: امتناع الشرط المتأخّر في باب العلل العقليّة أوضح من أنيحتاج إلى بيان بعد تصوّر معنى العلّيّة والمعلوليّة.
وعليك بمراجعة ما علّقه السيّد الطباطبائي رحمهالله على المكاسب في بابالإجازة في العقد الفضولي، ليظهر لك ما وقع في كلامه من الخلط والاشتباه.
إذا عرفت هذه الاُمور، ظهر لك أنّ محلّ النزاع في الشرط المتأخّر إنّما هوفي الشرعيّات في خصوص شروط الوضع والتكليف، وبعبارة اُخرى: محلّالكلام إنّما هو في موضوعات(1) الأحكام، وضعيّةً كانت أو تكليفيّة، فقيودمتعلّق التكليف، والعلل الغائيّة، والاُمور الانتزاعيّة، والعلل الحقيقيّة خارجةعن حريم النزاع.
وبعد ذلك نقول: إنّ امتناع الشرط المتأخّر في موضوعات الأحكام يتوقّفعلى بيان المراد من الموضوع، وهو يتوقّف على بيان الفرق بين القضايالحقيقيّة والقضايا الخارجيّة، وأنّ المجعولات الشرعيّة إنّما تكون على نهج
- (1) إذا قلنا: «المستطيع يجب عليه الحجّ» فلنا في اصطلاح المحقّق النائيني رحمهالله حكم ومتعلّق وموضوع،فالحكم هو الوجوب، ومتعلّقه هو الحجّ، وموضوعه عنوان «المستطيع»، والسرّ في تعبيره عن شروطالأحكام بموضوعات الأحكام، أنّا إذا قلنا: «إن استطعتم يجب عليكم الحجّ» فشرط الوجوب في الشرطيّةهو بعينه موضوع في الحمليّة. منه مدّ ظلّه.
ج2
القضايا الحقيقيّة لا القضايا الخارجيّة، وقد تقدّم منّا شطر من الكلام في ذلكفي باب الواجب المشروط والمطلق، ولا بأس بالإشارة الإجماليّة إليه ثانياً.
فنقول: القضايا الخارجيّة عبارة عن قضايا جزئيّة شخصيّة(1) خارجيّة،كقوله: «يازيد أكرم عمراً» و«يا عمرو حجّ» و«يا بكر صلِّ» وغير ذلك منالقضايا المتوجّهة إلى آحاد الناس من دون أن يجمعها جامع، وهذا بخلافالقضايا الحقيقيّة، فإنّ الأشخاص والآحاد لم تلاحظ فيها، وإنّما الملحوظ فيهعنوان كلّي رتّب المحمول عليه، كما إذا قيل: «أهن الجاهل» و«أكرم العالم» فإنّالملحوظ هو عنوان الجاهل والعالم، ويكون هو الموضوع لوجوب الإكرام منغير أن يكون للآمر نظر إلى زيد وعمرو وبكر، بل إن كان زيد من أفراد العالمأو الجاهل فالعنوان ينطبق عليه قهراً، كما هو الشأن في جميع القضايا الحقيقيّة،حيث يكون الموضوع فيها هو العنوان الكلّي الجامع، ويكون ذلك العنوانبمنزلة الكبرى الكلّيّة، ومن هنا يحتاج في إثبات المحمول لموضوع خاصّ إلىتأليف قياس، ويجعل الموضوع الخاصّ صغرى القياس، والعنوان الكلّي كبرىالقياس، فيقال: «زيد عالم، وكلّ عالم يجب إكرامه، فزيد يجب إكرامه»، وهذبخلاف القضايا الخارجيّة، فإنّ المحمول فيها ثابت لموضوعه ابتداءً من دونتوسّط قياس كما هو واضح، وقد استقصينا الكلام في الفرق بين القضيّةالحقيقيّة والقضيّة الخارجيّة والاُمور التي تترتّب عليه، والغرض في المقام مجرّدالإشارة إلى الفرق، حيث إنّ المقام أيضاً من تلك الاُمور المترتّبة على الفرقبين القضيّتين، ومجمل الفرق بينهما هو أنّ الموضوع في القضيّة الحقيقيّة حمليّةًكانت أو شرطيّة، خبريّة كانت أو إنشائيّة هو العنوان الكلّي الجامع بين م
- (1) ظاهر كلامه رحمهالله اختصاص القضيّة الخارجيّة بالقضيّة الشخصيّة الجزئيّة، وهو خلاف الواقع، فإنّ قولنا:«يا أيّها الجالسون في هذا المكان يجب عليكم الخروج منه» أيضاً قضيّة خارجيّة مع عدم كونها شخصيّةكما هو واضح. منه مدّ ظلّه.
(صفحه266)
ينطبق عليه من الأفراد، وفي القضيّة الخارجيّة يكون هو الشخص الخارجيالجزئي، ويتفرّع على هذا الفرق اُمور تقدّمت الإشارة إليها، منها: أنّ العلم إنّميكون له دخل في القضيّة الخارجيّة دون القضيّة الحقيقيّة.
وتوضيح ذلك: هو أنّ حركة إرادة الفاعل نحو الفعل، أو الآمر نحو الأمر إنّميكون لمكان علم الفاعل والآمر بما يترتّب على فعله وأمره، وما يعتبر فيه منالقيود والشرائط، وليس لوجود تلك القيود دخل في الإرادة، بل الذي يكونله دخل فيها هو العلم بتحقّقها، مثلاً لو كان لعلم زيد دخل في إكرامه، فمتى كانالشخص عالماً بأنّ زيداً عالم يقدم على إكرامه مباشرةً أو يأمر بإكرامه، سواءكان زيد في الواقع عالماً أو لم يكن، وإن لم يكن الشخص عالماً بعلم زيد ليباشر إكرامه ولا يأمر به، وإن كان في الواقع عالماً، فدخل العلم في وجوبإكرام زيد يلحق بالعلل الغائيّة التي قد عرفت أنّها إنّما تؤثّر بوجودها العلميلا بوجودها الواقعي، وهكذا الحال في سائر الاُمور الخارجيّة، مثلاً العلمبوجود الأسد في الطريق يوجب الفرار لا نفس وجود الأسد واقعاً، وكذا العلمبوجود الماء في الطريق يوجب الطلب لا نفس الماء، وهكذا جميع القضايالشخصيّة، حمليّةً كانت أو إنشائيّة، المدار فيها إنّما يكون على العلم بوجود ميعتبر في ثبوت المحمول، لا على نفس الثبوت الواقعي.
وهذا بخلاف القضايا الحقيقيّة، فإنّه لا دخل للعلم فيها أصلاً، لمكان أنّالموضوع فيها إنّما هو العنوان الكلّي الجامع لما يعتبر فيه من القيود والشرائط،والمحمول فيها إنّما هو مترتّب على ذلك العنوان الجامع، ولا دخل لعلم الآمربتحقّق تلك القيود وعدم تحقّقها، بل المدار على تحقّقها العيني الخارجي، مثلالموضوع في مثل «للّه على الناس حجّ البيت» إلخ، إنّما هو المستطيع، فإن كانزيد مستطيعاً يجب عليه الحجّ، ويترتّب عليه المحمول، ولو فرض أنّ الآمر لم