أقول: هذه العبارة ظاهرة في القضيّة الحينيّة لا الشرطيّة، فمفادها أنّ المقدّمةواجبة في حال إرادة الفعل المتوقّف عليها، لا أنّ وجوبها مشروط بإرادته،والفرق بينهما واضح، فإنّ كثيراً منهم قالوا بمفهوم الشرط وانتفاء الجزاءبانتفائه، لظهور القضيّة الشرطيّة في أنّ الشرط علّة منحصرة للجزاء، بخلافالقضيّة الحينيّة حيث لم يقل أحد بثبوت المفهوم لها، فكم فرقاً بين قول المولى:«أكرم زيداً إن جائك» وبين قوله: «أكرم زيداً حين مجيئه» أو «في حال مجيئه»وكذا بين قولنا: «يجب عليك الوضوء إن أردت الصلاة» وقولنا: «يجب عليكالوضوء في حال إرادة الصلاة»، ومقتضى عبارة المعالم هو الثاني، والمنسوبإليه هو الأوّل.
ويرد عليه أنّ أصل الملازمة بين وجوب المقدّمة ووجوب ذيها وإن لم تكنواضحة، إلاّ أنّ تبعيّة وجوبها لوجوبه في الإطلاق(2) والاشتراط بناءً علىالملازمة واضحة لا تكاد تخفى كما قال المحقّق الخراساني رحمهالله (3).
وأورد الشيخ رحمهالله أيضاً على صاحب المعالم رحمهالله بأنّ وجوب شيء لا يمكن أن
يكون مشروطاً بإرادة نفس ذلك الشيء، وما ذهب إليه صاحب المعالم مناشتراط وجوب المقدّمة بإرادة ذيها مستلزم لاشتراط وجوبها بإرادة نفسها.
أمّا الأوّل: فلأنّ وجوب الصلاة مثلاً لو كان مشروطاً بإرادتها لاستلزم أنيكون الأمر بها لغواً، ضرورة أنّ المكلّف لو لم يردها فلا وجوب ولا صلاة،وإن أرادها كان تحقّقها مستنداً إلى الإرادة المتعلّقة بها لا إلى وجوبها، فلا أثرلوجوب الصلاة في تحقّقها مع أنّه عبارة عن البعث والتحريك الاعتبارينحوها.
إن قلت: الإرادة وإن كانت مؤثّرةً في تحقّق الصلاة إلاّ أنّ الوجوب أيضمؤثّر، فكلّ منهما جزء السبب المؤثّر، فليس الوجوب لغواً.
قلت: كلاّ، فإنّ الوجوب متأخّر رتبةً عن الإرادة، لاشتراطه بها، فالإرادةتؤثّر في وجود الصلاة في الرتبة المتقدّمة على الوجوب، فلو كان هو أيضمؤثّراً وداعياً إليها لكان من قبيل تحصيل الحاصل، وهو مستحيل علىالحكيم.
وأمّا الثاني: فلأنّ إرادة ذي المقدّمة لا تكاد تنفكّ عن إرادتها(1)، فإنّ كلّمن أراد الكون على السطح وعلم توقّفه على نصب السلّم يريد نصب السلّمأيضاً، فحيث إنّ الإرادة المتعلّقة بذي المقدّمة مستلزمة للإرادة المتعلّقة بها،فاشتراط وجوبها بإرادته مستلزم لاشتراط وجوبها بإرادة نفسها، وهومستحيل كما عرفت(2).
هذا حاصل كلام الشيخ في مناقشة كلام صاحب المعالم.
وفيه: أنّ المقام ليس من قبيل اشتراط وجوب شيء بإرادة نفس ذلك
- (1) بمعنى أنّ إرادة ذي المقدّمة مستلزمة لإرادتها، دون العكس. م ح ـ ى.
- (2) مطارح الأنظار 1: 353.
ج2
الشيء، لأنّ إرادة المقدّمة كما تكون لازمة لإرادة ذيها، كذلك وجوبها يكونمشروطاً بإرادته على فرض ما نسب إلى المعالم، فكأنّ المولى قال: «إن أردتالصلاة يجب عليك الوضوء»، فإرادة الصلاة مستلزمة لإرادة الوضوء، وشرطلوجوبه، فكلاهما أعني إرادة الوضوء ووجوبه في رتبة واحدة، لكون كلّ منهممتأخّراً عن إرادة الصلاة برتبة، فلا ضير في أن يؤثّر كلّ منهما في تحقّقالوضوء، لأنّ المحال إنّما هو أمر المولى بشيء بعد تعلّق إرادة العبد به، لكونهكتحصيل الحاصل المستحيل على الحكيم، بخلاف ما إذا أمر به مقارناً لإرادةالعبد إيّاه، فيكون كلّ واحد من أمر المولى وإرادة العبد مؤثّراً في تحقّقه مندون أن يستلزم اللغويّة.
فالحقّ في جواب صاحب المعالم ما تقدّم من كلام المحقّق الخراساني رحمهالله ، فإنّهكلام متين، سواء أراد صاحب المعالم القضيّة الشرطيّة كما نسبت إليه أو الحينيّةكما هي ظاهرة من كلامه.
البحث حول اعتبار قصد التوصّل في وجوب المقدّمة
وممّا نسبه المحقّق الخراساني رحمهالله إلى الشيخ الأعظم رحمهالله في تقريراته أنّه ذهبإلى أنّ الواجب إنّما هو المقدّمة التي يقصد بها التوصّل إلى ذي المقدّمة، فنصبالسلّم مثلاً إن كان بداعي التوصّل به إلى الكون على السطح يتّصف بصفةالوجوب الغيري، وإلاّ فلا، وإن ترتّب عليه الكون على السطح(1).
لكنّ المتأمّل في كلام الشيخ رحمهالله في تقريرات بحثه المسمّاة بـ «مطارح الأنظار»يفهم أنّ هذه النسبة ليست صحيحة، لأنّ حاصل كلامه أنّ المقدّمة لا تتّصفبالعباديّة إلاّ إذا اُتي بها بداعي أمرها الغيري(2)، وبعبارة اُخرى: إلاّ إذا اُتي به
- (2) سواء كانت العباديّة دخيلة في المقدّميّة، كالطهارات الثلاث، أم لا، كتطهير الثوب والبدن وسائر الاُمورالتوصّليّة التي جعلت مقدّمة للصلاة، ضرورة أنّ قصد القربة وإن لم يعتبر في التوصّليّات، إلاّ أنّه يوجبعباديّتها. منه مدّ ظلّه في توضيح كلام الشيخ رحمهالله .