ج2
إلىإيجابه والباعث على طلبه، وليس الغرض من المقدّمة إلاّ حصول التمكّن منذي المقدّمة، ضرورة أنّه لا يكاد يكون الغرض إلاّ ما يترتّب عليه من فائدتهوأثره، ولا يترتّب على المقدّمة إلاّ ذلك، ولا تفاوت فيه بين ما يترتّب عليهالواجب وما لا يترتّب عليه أصلاً، لأنّ التمكّن من ذي المقدّمة يترتّب عليها لمحالة في كلتا الصورتين كما لا يخفى، وأمّا ترتّب الواجب فلا يعقل أن يكونالغرض الداعي إلى إيجابها والباعث على طلبها، لأنّه ليس بأثر كلّ واحدة منالمقدّمات، بل أثر جميعها الذي نعبّر عنه بالعلّة التامّة، ضرورة أنّ العلّة التامّةموصلة إلى المعلول، لا كلّ واحد من أجزائها، فالقول بالمقدّمة الموصلةيستلزم أن يكون لنا وجوب غيري واحد فقط متعلّق بالعلّة التامّة التي هيمجموعة المقدّمات، وأمّا كلّ واحدة منها فليست واجبة بالوجوب الغيري،لعدم كونها موصلة، بل يستلزم إنكار وجوب المقدّمة إلاّ خصوص العلّةالتامّة في خصوص الواجبات التوليديّة، لأنّ الواجبات التوليديّة هي التيتترتّب على مجموعة المقدّمات قهراً، سواء أرادها المكلّف أم لا، كترتيبالإحراق على النار قهراً بعد تحقّق المقدّمات، وأمّا الواجبات غير التسبيبيّةكالكون على السطح فلا تترتّب على مقدّماتها إلاّ بعد إرادة المكلّف إيّاها، ألترى أنّ الكون على السطح لا يترتّب على نصب السلّم إلاّ فيما إذا أراده العبد.
والحاصل: أنّ القول بالمقدّمة الموصلة يستلزم تخصيص الوجوب الغيريبالعلّة التامّة في خصوص الواجبات التوليديّة.
فإن قلت: ما من واجب إلاّ وله علّة تامّة، ضرورة استحالة وجود الممكنبدونها، فالتخصيص بالواجبات التوليديّة بلا مخصّص.
قلت: نعم، وإن استحال صدور الممكن بلا علّة، إلاّ أنّ الإرادة من متمّماتالعلّة التامّة في الواجبات غير التسبيبيّة، فلا يمكن أن تتّصف بالوجوب، لعدم
(صفحه362)
كون الإرادة التي هي مكمّلة لها أمراً اختياريّاً، وإلاّ لتسلسل كما هو واضح لمنتأمّل(1).
هذا حاصل كلام المحقّق الخراساني رحمهالله في الوجه الأوّل.
وفيه: أنّ صاحب الفصول لا يقول باختصاص الوجوب الغيري بما يترتّبعليه الواجب قهراً، فإنّ مراده من المقدّمة الموصلة ما يكون موصلاً إلى ذيالمقدّمة ولو مع الوسائط، وكلّ واحدة من المقدّمات موصلة إلى ذيها بواسطةانضمام سائر المقدّمات إليها في الواجبات التسبيبيّة، وبواسطة انضمامها وانضمامالإرادة في غيرها، فبعد تحقّق ذي المقدّمة نستكشف أنّ كلّ واحدة منالمقدّمات كانت واجبة بالوجوب الغيري، سواء كانت علّة تامّة أو ناقصة،كان ذو المقدّمة من الواجبات التوليديّة أو غيرها.
الثاني: أنّه(2) لو كان معتبراً فيه الترتّب لما كان الطلب يسقط بمجرّد الإتيانبها من دون انتظار لترتّب الواجب عليها، بحيث لا يبقى في البين إلاّ طلبهوإيجابه، كما إذا لم يكن هذه بمقدّمة أو كانت حاصلة من الأوّل قبل إيجابه، معأنّ الطلب لا يكاد يسقط إلاّ بالموافقة أو بالعصيان والمخالفة أو بارتفاعموضوع التكليف، كما في سقوط الأمر بالكفن أو الدفن بسبب غرق الميّتأحياناً أو حرقه، ولا يكون الإتيان بها بالضرورة من هذه الاُمور غيرالموافقة(3)، إنتهى.
وفيه: أنّا لا نسلّم ما جعله مفروغاً عنه من سقوط الوجوب الغيري بمجرّد
- (2) هذا الإشكال مع قطع النظر عن الإشكال الأوّل، وإلاّ فمع اختصاص الوجوب الغيري بالعلّة التامّة فيخصوص الواجبات التوليديّة فلا مجال لذكر هذا الإشكال الثاني، ضرورة أنّ ترتّب الواجب التوليديعلى علّته التامّة قهري ليس فيه حالة انتظار كما تقدّم، فكأنّه قال: سلّمنا أنّ جميع المقدّمات متّصفةبالوجوب الغيري، إلاّ أنّه لو كان معتبراً فيه الترتّب إلخ. منه مدّ ظلّه.
ج2
الإتيان بالمقدّمة من غير انتظار لترتّب الواجب عليها، بل لابدّ من الانتظار،فإنّ العبد بعد الإتيان بها لا يخلو إمّا يأتي بذي المقدّمة أيضاً أم لا، فعلى الأوّلنستكشف أنّ المقدّمة المأتيّ بها كانت واجبة وسقطت لأجل الموافقة، وعلىالثاني نستكشف أنّها لم تكن واجبة بالوجوب الغيري، لعدم كونها موصلة،فلا تصل النوبة إلى أن نتسائل عن أنّ الوجوب الغيري المتعلّق بها هل سقطأم لا، وما وجه سقوطه على الأوّل؟ فإنّ الوجوب لم يتعلّق بها، بل بالمقدّمةالموصلة(1).
ويمكن إرجاع هذين الوجهين المذكورين في الكفاية ردّاً على صاحبالفصول إلى مقام الثبوت، بأنّ كلامه رحمهالله مستلزم لأمر ممتنع، وهو اختصاصالوجوب الغيري بالعلّة التامّة في خصوص الواجبات التوليديّة، ولا يمكنالقول بتضيّق دائرة الوجوب الغيري في هذا الحدّ المفرط.
وهكذا الأمر في الوجه الثاني.
وكيف كان، فجميع الإشكالات التي أوردوها على صاحب الفصول كانتخمسة كما عرفتها مع أجوبتها.
وقام بعض الأكابر بتوجيه كلام صاحب الفصول رحمهالله كي يبتعد من مجالجميع هذه الإشكالات.
كلام المحقّق الحائري رحمهالله توجيهاً لما أفاده صاحب الفصول
فقال المحقّق الحائري مؤسِّس الحوزة العلميّة بقم المقدّسة رحمهالله : إنّ الواجبذات المقدّمة، ولكن بلحاظ حال الإيصال، توضيحه: أنّ إرادة المولى لم تتعلّقبكلّ مقدّمة حال كونها منقطعةً عن سائر المقدّمات، لعدم كونها ذات أثر في
- (1) والوجوب المتعلّق بالمقدّمة الموصلة لا يسقط قبل تمام الوقت ويسقط بالعصيان بعده. م ح ـ ى.
(صفحه364)
هذا الحال، بل تعلّقت بها بلحاظ قياسها إلى سائر المقدّمات وارتباطها بها،لترتّب الأثر على مجموعتها، وهو تحقّق ذي المقدّمة عقيبها، فالواجب ليسذات المقدّمة مطلقاً ولو في حال انقطاعها عن سائر المقدّمات، لعدم ترتّبالأثر عليها في هذا اللحاظ حتّى تتعلّق بها الإرادة، ولا متقيّدة بالإيصال لكييرد عليه الإشكالات المتقدِّمة، بل الواجب ذاتها بلحاظ حال الإيصالوترتّب ذيها عليها(1).
هذا حاصل كلام المحقّق الحائري رحمهالله .
كلام المحقّق العراقي رحمهالله في توجيه مقالة صاحب الفصول
ونظيره ما أفاده المحقّق العراقي رحمهالله حيث قال ما حاصله: إنّ الواجب هوالمقدّمة في ظرف الإيصال بنحو القضيّة الحينيّة، لا مقيّدةً به بنحو القضيّةالشرطيّة، والفرق بينهما أنّه لا دخل للإيصال في الموضوع على الأوّل، وإنّما هوعنوان مشير فقط، بخلاف الثاني، لاقتضاء القضيّة الشرطيّة كون الشرطدخيلاً في الموضوع.
وبالجملة: إنّ الواجب هو المقدّمة في ظرف الإيصال، أي الحصّة من المقدّمةالتوأمة مع وجود سائر المقدّمات الملازمة لوجود ذيها، توضيح ذلك: أنّ لنوجوباً غيريّاً واحداً منبسطاً على جميع المقدّمات، كانبساط الوجوب النفسيالمتعلّق بالمركّب على جميع أجزائه، مثل وجوب الصلاة المنبسط على أجزائها،فكما أنّ الركوع مثلاً واجب لأجل بعض الأمر المتعلّق بالمركّب كذلك كلّواحدة من المقدّمات واجبة ببعض الأمر المتعلّق بجميعها، وكما أنّ الركوعالذي تعلّق به بعض الأمر ليس مطلقاً، ولا مقيّداً بانضمام سائر الأجزاء إليه، بل
ج2
تعلّق بعض الأمر بنفس الركوع لكن في ظرف كونه توأماً مع سائر الأجزاء،كذلك موضوع بعض الأمر المتعلّق بكلّ مقدّمة أيضاً ليس ذات تلك المقدّمةمطلقاً ولا بشرط انضمام سائر المقدّمات إليها، بل الموضوع ذات المقدّمة لكنفي ظرف الإيصال، أي الحصّة من المقدّمة التوأمة مع وجود سائر المقدّماتالملازمة لترتّب ذيها عليها(1).
نقد ما أفاده المحقّق الحائري رحمهالله في المقام
ويرد على المحقّق الحائري رحمهالله أنّ الواجب في مقام الثبوت ـ الذي نحن فيه إمّا نفس المقدّمة، وهو ما ذهب إليه المشهور، أو المقدّمة المتقيّدة بالإيصال،وهو ظاهر كلام صاحب الفصول الذي كان مورداً للإشكالات الخمسةالمتقدّمة مع قطع النظر عمّا قدّمناه من الأجوبة، وليس لنا في مقام الثبوت(2)أمر ثالث برزخ بين المقدّمة المطلقة والمقيّدة بقيد الإيصال باسم المقدّمة بلحاظحال الإيصال.
وبعبارة اُخرى: إنّ الآمر ـ بعد أن تصوّر المقدّمة، سواء تصوّرها وحدها أوبلحاظ حال الإيصال ـ إمّا يأمر العبد بنفس المقدّمة أو بالمقدّمة الموصلة، ولثالث في البين.
نقد كلام المحقّق العراقي رحمهالله في المقام
ويرد على المحقّق العراقي رحمهالله أنّ بين قوله: «إنّ الواجب هو المقدّمة في ظرفالإيصال بنحو القضيّة الحينيّة» وقوله: «إنّ الواجب هو الحصّة من المقدّمة
- (1) نهاية الأفكار 1 و 2: 340.
- (2) وأمّا في مقام الإثبات فتارةً يثبت لنا تعلّق إرادة المولى بالمطلق، واُخرى بالمقيّد، وثالثةً كان مراده مهملأو مجملاً، بخلاف مقام الثبوت، فإنّه لا يخلو عن الاحتمالين الأوّلين أبداً. منه مدّ ظلّه.