ج2
تعلّق بعض الأمر بنفس الركوع لكن في ظرف كونه توأماً مع سائر الأجزاء،كذلك موضوع بعض الأمر المتعلّق بكلّ مقدّمة أيضاً ليس ذات تلك المقدّمةمطلقاً ولا بشرط انضمام سائر المقدّمات إليها، بل الموضوع ذات المقدّمة لكنفي ظرف الإيصال، أي الحصّة من المقدّمة التوأمة مع وجود سائر المقدّماتالملازمة لترتّب ذيها عليها(1).
نقد ما أفاده المحقّق الحائري رحمهالله في المقام
ويرد على المحقّق الحائري رحمهالله أنّ الواجب في مقام الثبوت ـ الذي نحن فيه إمّا نفس المقدّمة، وهو ما ذهب إليه المشهور، أو المقدّمة المتقيّدة بالإيصال،وهو ظاهر كلام صاحب الفصول الذي كان مورداً للإشكالات الخمسةالمتقدّمة مع قطع النظر عمّا قدّمناه من الأجوبة، وليس لنا في مقام الثبوت(2)أمر ثالث برزخ بين المقدّمة المطلقة والمقيّدة بقيد الإيصال باسم المقدّمة بلحاظحال الإيصال.
وبعبارة اُخرى: إنّ الآمر ـ بعد أن تصوّر المقدّمة، سواء تصوّرها وحدها أوبلحاظ حال الإيصال ـ إمّا يأمر العبد بنفس المقدّمة أو بالمقدّمة الموصلة، ولثالث في البين.
نقد كلام المحقّق العراقي رحمهالله في المقام
ويرد على المحقّق العراقي رحمهالله أنّ بين قوله: «إنّ الواجب هو المقدّمة في ظرفالإيصال بنحو القضيّة الحينيّة» وقوله: «إنّ الواجب هو الحصّة من المقدّمة
- (1) نهاية الأفكار 1 و 2: 340.
- (2) وأمّا في مقام الإثبات فتارةً يثبت لنا تعلّق إرادة المولى بالمطلق، واُخرى بالمقيّد، وثالثةً كان مراده مهملأو مجملاً، بخلاف مقام الثبوت، فإنّه لا يخلو عن الاحتمالين الأوّلين أبداً. منه مدّ ظلّه.
(صفحه366)
التوأمة مع سائر المقدّمات الملازمة لوجود ذيها» تهافتاً، ضرورة أنّ القضيّةالحينيّة لا يستفاد منها أكثر من العنوان المشير كما قال، فعلى هذا لا دخل لقيدالإيصال في موضوع الوجوب الغيري كما قال أيضاً، ولكن قوله: «إنّ الواجبهو الحصّة إلخ» ينادي بخلافه، ضرورة أنّ التحصّص لا يمكن إلاّ بتقييدالمطلق، ألا ترى أنّ تحصّص الرقبة بحصّتين لا يمكن إلاّ بتقييدها تارةً بالإيمانواُخرى بالكفر، فعبارته هذه عبارة اُخرى عن القول بالمقدّمة الموصلة بالمعنىالذي هو ظاهر الفصول، فما ذكره المحقّق العراقي رحمهالله ليس إلاّ تعويضاً للاسم، إذلا فرق في الواقع بين المقدّمة الموصلة، التي ذكرها صاحب الفصول رحمهالله ، وبينالحصّة من المقدّمة التوأمة مع سائر المقدّمات، التي ذكرها المحقّق العراقي رحمهالله .
وبالأخرة قد عرفت عند المناقشة في كلام المحقّق الحائري رحمهالله أنّ الواجب فيالواقع إمّا نفس المقدّمة، أو المقدّمة المقيّدة بالإيصال، ولا يمكن أن يكون مهملأو مجملاً، فإنّ الإهمال والإجمال مربوط بمقام الإثبات وعالم البيان، ولا يرتبطبمرحلة الثبوت، فإن أراد المحقّق العراقي رحمهالله بالحصّة التوأمة، المقدّمة المقيّدة ـ كميناسبها نفس التعبير بالحصّة ـ فهذا يرجع إلى مقالة صاحب الفصول، وإنأراد بها مطلق المقدّمة فهذا يرجع إلى كلام المشهور، ولا يمكن لنا تصوّر شيءثالث بحسب مقام الثبوت الذي نبحث فيه فعلاً.
والحاصل: أنّه لا إشكال ثبوتاً فيما ذهب إليه صاحب الفصول رحمهالله بعدمعرفت من عدم ورود الإشكالات الخمسة المتقدّمة عليه.
البحث حول المقدّمة الموصلة بحسب مقام الإثبات
بقي القول في مقام الإثبات وأنّ الأدلّة المذكورة في كلام صاحب الفصولهل هي تامّة أم لا؟
ج2
فنقول: عمدتها قوله: إنّ المطلوب بالمقدّمة مجرّد التوصّل بها إلى الواجبوحصوله، فلا جرم يكون التوصّل بها إليه وحصوله معتبراً في مطلوبيّتها، فلتكون مطلوبة إذا انفكّت عنه، وصريح الوجدان قاضٍ بأنّ من يريد شيئاً لمجرّدحصول شيء آخر لا يريده إذا وقع مجرّداً عنه، ويلزم منه أن يكون وقوعهعلى وجه المطلوب منوطاً بحصوله(1).
هذا ما نقله عنه المحقّق الخراساني رحمهالله في الكفاية، ثمّ ناقش فيه بوجهين:
1ـ أنّ الغرض من إيجاب المقدّمة إنّما هو التمكّن من حصول ذيها لا نفسحصوله وترتّبه عليها، لأنّه غير معقول، لاستلزامه اختصاص الوجوبالغيري بالعلّة التامّة في خصوص الواجبات التوليديّة كما تقدّم(2).
هذا حاصل ما أفاده في الوجه الأوّل.
ويرد عليه ما عرفت من أنّ صاحب الفصول لا يريد بالإيصال الإيصالالتكويني القهري كما زعم صاحب الكفاية، بل الإيصال بواسطة الإرادة وضمّسائر المقدّمات إليها، بحيث يكون قيد الإيصال أيضاً لازم التحصيل مثل نفسالمقدّمة.
2ـ سلّمنا أنّ الغرض من إيجابها ترتّب ذي المقدّمة عليها، لكنّه لا يقتضيأن يكون ترتّبه عليها مأخوذاً بنحو القيديّة، بحيث لو لم يترتّب عليها لأجلمانع لم تتّصف المقدّمة بالوجوب، كيف، وهذا يستلزم أن يكون ذو المقدّمةأيضاً واجباً بالوجوب الغيري مثل ذات المقدّمة، لكون وجوده حينئذٍ منقيود المقدّمة الموصلة ومقدّمةً لوقوعها(3)، مع أنّه ليس لنا شيء فوق ذيالمقدّمة كي يكون واجباً بالوجوب الغيري لأجل ذلك الشيء.
- (3) كما تقدّم توضيحه في ص370.
(صفحه368)
وبالجملة: سلّمنا أنّ غاية إيجاب المقدّمة إنّما هي الوصول إلى ذيها، إلاّ أنّالواجب إنّما هو نفس المقدّمة من دون أن تكون هذه الغاية دخيلةً فيه،وصاحب الفصول رحمهالله خلط بين الجهة التعليليّة والتقييديّة، فزعم أنّ الغايةمأخوذة بنحو القيديّة، مع أنّها علّة غائيّة، فهي توجب تعلّق الحكم بذيالغاية من دون أن تكون نفسها دخيلةً في المتعلّق(1).
وهذا حاصل الوجه الثاني الذي أفاده المحقّق الخراساني مناقشةً لما استدلّبه صاحب الفصول لإثبات تعلّق الوجوب بالمقدّمة الموصلة.
نقد كلام صاحب الكفاية وبيان الحقّ في المسألة
وفيه: أنّ الحقّ ما ذهب إليه سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام قدسسره من أنّ الجهاتالتعليليّة وإن لم تكن دخيلة في متعلّقات الأحكام العرفيّة، إلاّ أنّها ترجع إلىالجهات التقييديّة في الأحكام العقليّة التي منها ما نحن فيه(2)، حيث إنّ البحثفي الملازمة العقليّة كما تقدّم، ففي المقام لها دخل في متعلّق الوجوب الغيري،مثل الجهات التقييديّة.
وبعبارة اُخرى: إمّا أن لا يكون لترتّب ذي المقدّمة عليها دخل في تعلّقالوجوب الغيري بها أصلاً، لا علّةً ولا قيداً، أو يكون قيداً لها، وليس في البينبرزخ بينهما، بأن يكون له دخل ولا يكون قيداً، كما عرفت في مناقشة كلامالمحقّقين الحائري والعراقي رحمهماالله .
والحاصل: أنّ الحقّ هو القول بوجوب المقدّمة الموصلة، بناءً على الملازمةبينه وبين وجوب ذيها.
- (2) تهذيب الاُصول 1: 379.
ج2
نعم، الكلام في تحقّق الملازمة، كما سيأتي.
بيان الثمرة بين كلام المشهور وصاحب الفصول
بقي هنا شيء، وهو بيان الثمرة المترتّبة بين قولي المشهور وصاحبالفصول.
وقيل: هي صحّة العبادة التي يتوقّف على تركها فعل الواجب وعدمها بناءًعلى كون ترك الضدّ ممّا يتوقّف عليه فعل ضدّه، فلو اشتغل بالصلاة في سعةوقتها تاركاً لإزالة النجاسة عن المسجد التي هي أهمّ، نظراً إلى فوريّةوجوبها، فالصلاة تقع صحيحة على قول صاحب الفصول وفاسدةً على القولالمشهور، أمّا فسادها على القول المشهور فلأنّ تركها واجب، لكونه مقدّمةللواجب فرضاً، فيحرم فعلها بناءً على أنّ وجوب كلّ شيء يستلزم حرمةنقيضه وبالعكس، فتقع فاسدةً، لأنّ النهي عن العبادات يقتضي فسادها وعدمكونها مقرّبة إلى المولى، وأمّا صحّتها على نظريّة صاحب الفصول فلأنّالواجب ليس ترك الصلاة مطلقاً، بل تركها الموصل إلى الإزالة، ونقيضه المحرّمإنّما هو عدم الترك الموصل، وله مصداقان: أحدهما: ترك الصلاة والإزالةكلتيهما، والثاني: فعل الصلاة الذي يجامع قهراً ترك الإزالة.
إن قلت: هذان المصداقان وإن لم يكن كلّ منهما نقيضاً للترك الموصل، إذليس لشيء واحد إلاّ نقيض واحد، وهو في المقام عدم الترك الموصل كما قلت،فكلّ من هذين الأمرين مصداق للنقيض لا نفسه، إلاّ أنّ الحرمة تسري منالنقيض إلى مصداقيه، فيصير فعل الصلاة المستلزم لترك الإزالة أيضاً حراماً،فتقع فاسدةً على قول صاحب الفصول أيضاً.
قلت: كلاّ، فإنّ حكم الشيء لا يسري إلى ملازمه فضلاً عن مقارنه أحياناً،