ج2
إلىالمصداق بين أن يكون المصداق واحداً أو متعدّداً.
وبالجملة: لو قلنا بسراية الحرمة من العنوان إلى مصداقه المسامحي فلابدّمن القول بفساد الصلاة على كلا القولين، ولو قلنا بعدم السراية فلابدّ منالقول بصحّتها على كلا القولين أيضاً، إذ لا فرق بينهما إلاّ في وحدة المصداقالمسامحي وتعدّده، وهذا لا يكون فارقاً(1).
ما أفاده صاحب الكفاية رحمهالله في المقام
وردّه المحقّق الخراساني رحمهالله بأنّه فارق، لأنّ وحدة المصداق توجب اتّحادالعنوان معه عيناً وخارجاً، فحرمة عدم ترك الصلاة توجب حرمة ما يتّحدمعه خارجاً، وهو فعل الصلاة، بخلاف ما إذا تعدّد المصداق، فإنّه لا يوجبالاتّحاد العيني بين المفهوم والمصداق، بل لا يوجب الملازمة بينهما أيضاً، غايةالأمر أنّ العنوان يقارن تارةً هذا المصداق، واُخرى ذلك المصداق كما مرّ.
وبالجملة: قول المشهور يستلزم الاتّحاد الخارجي بين النقيض المحرّم وهوعدم ترك الصلاة وبين مصداقه، وهو فعل الصلاة، والاتّحاد الخارجي فوقالملازمة، فيوجب سراية الحرمة منه إليه، وإن كانا متغايرين مفهوماً، وأمّقول صاحب الفصول لا يستلزم أكثر من المقارنة بين النقيض المحرّم، وهوعدم ترك الصلاة الموصل، وبين مصداقيه، وهما ترك الصلاة والإزالة معاً،وفعل الصلاة، والمقارنة لاتوجب السراية، لأنّها دون الملازمة، فإذا لم تكنالملازمة موجبة لسراية حكم أحد المتلازمين إلى الملازم الآخر كما عرفت،فالمقارنة التي هي دونها لاتوجب السراية بطريق أولى(2).
- (1) مطارح الأنظار 1: 378.
(صفحه372)
بيان ما هو الحقّ في المقام
وتحقيق المسألة يستدعي بيان أمرين:
الأوّل: أنّهم اختلفوا في معنى النقيض.
فقيل: نقيض كلّ شيء رفعه، فعلى هذا نقيض الوجود هو العدم، ونقيضالعدم عدم العدم، فلا تناقض بين الوجود والعدم، وهذا ما اختاره الشيخالأعظم والمحقّق الخراساني رحمهالله كما عرفت.
وقيل: نقيض كلّ شيء إمّا رفعه أو كونه مرفوعاً به، فعلى هذا نقيضالوجود هو العدم، ونقيض العدم هو الوجود، إذ العدم يرتفع بالوجود، فهممتناقضان.
وقيل: نقيض كلّ شيء هو الذي يمانعه ويعانده بحيث لا يمكن اجتماعهما ولارتفاعهما.
الثاني: أنّ وجوب الشيء هل يقتضي حرمة نقيضه وبالعكس أم لا؟ وعلىالأوّل هل الحكم المتعلّق بالنقيض يختصّ بنفس النقيض فقط من دون أنيتجاوز منه إلى غيره أصلاً، أو يتجاوز إلى ما يتّحد معه عيناً وخارجاً؟ فيالمسألة احتمالات ثلاثة:
والحقّ عدم الاقتضاء، لأنّ نقيض الواجب لو كان حراماً وبالعكسلاستحقّ من ترك الواجب أو فعل الحرام عقوبتين، لمخالفته حكمين إلزاميّين:أحدهما وجوبي، والآخر تحريمي، وهو واضح البطلان.
فتبيّن عدم ترتّب الثمرة المذكورة على قول المشهور وصاحب الفصول،لأنّها كانت مبنيّة على أساسين: 1ـ توقّف فعل الشيء على ترك ضدّه، 2
ج2
استلزام وجوب الشيء لحرمة نقيضه، وقد عرفت عدم الاستلزام، بل الحقّعدم توقّف فعل الشيء على ترك ضدّه أيضاً، فلا تترتّب الثمرة، لبطلان كلالأساسين الذين كانت الثمرة مبتنية عليهما(1).
ولو قلنا باقتضاء وجوب الشيء حرمة نقيضه من دون أن تتجاوز إلىغيره فلا ثمرة بين القولين أيضاً بناءً على الاحتمال الأوّل لمعنى النقيض، لأنّالمحرّم إنّما هو عدم ترك الصلاة على المشهور، وعدم تركها الموصل على نظريّةصاحب الفصول، وأمّا نفس الصلاة فليست محرّمة، فتقع صحيحة على كلالقولين.
وهذا بخلاف الاحتمال الثاني لمعنى النقيض، لأنّه يقتضي فساد الصلاة علىقول المشهور وصحّتها على قول صاحب الفصول، إذ الواجب عند المشهورهو مجرّد ترك الصلاة، ونقيضه فعلها على الاحتمال الثاني لمعنى النقيض، لأنّعدم الصلاة يرتفع بوجودها كما عرفت، ولكنّ الواجب عند صاحب الفصولهو ترك الصلاة الموصل، ولا يمكن أن يكون نقيضه كلّ واحد من فعل الصلاة،وترك الصلاة والإزالة معاً، لامتناع تحقّق نقيضين لشيء واحد، فالنقيض إنّمهو أمر جامع بينهما، ولا تسري الحرمة منه إلى مصداقيه فرضاً.
وأمّا الاحتمال الثالث لمعنى النقيض فمقتضاه عدم ترتّب الثمرة بين القولين،كالاحتمال الأوّل، لفساد العبادة التي يتوقّف على تركها الواجب الأهمّ على كل
- (1) لكن يمكن أن يُقال بترتّب ثمرة اُخرى، وهي أنّ المقدّمة إذا كانت محرّمة في الأصل ومنحصرة تقعواجبة على المشهور فيما إذا كان وجوب ذي المقدّمة أهمّ من حرمة المقدّمة، ولو لم يترتّب عليها ذوالمقدّمة، غاية الأمر أنّه متجرٍّ لو لم يلتفت إلى مقدّميّتها كما تقدّم في بيان الثّمرة بين القول المشهور ومنسب إلى الشيخ رحمهالله .
بخلاف قول صاحب الفصول، فإنّها عليه لا تقع واجبة في صورة عدم ترتّب ذي المقدّمة عليها، فتقعمحرّمة موجبة لاستحقاق فاعلها العقوبة، إلاّ فيما إذا حال بينه وبين الإتيان بذي المقدّمة مانع قهري،كالعجز، فيكون معذوراً في ارتكاب هذا الحرام في هذه الصورة. م ح ـ ى.
(صفحه374)
القولين، أمّا على القول المشهور فلأنّ الواجب عندهم ـ كما مرّ مراراً ـ هو مجرّدترك الصلاة، وفعل الصلاة يكون نقيضاً لتركها بالمعنى الثالث، لأنّهما يتعاندان،بحيث لا يجتمعان ولا يرتفعان، فإذا كان تركها واجباً كان فعلها حراماً موجبلفسادها، وأمّا على قول صاحب الفصول فلأنّ الواجب عنده هو ترك الصلاةالموصل، وهو معاند لكلّ واحد من فعل الصلاة، وترك الصلاة والإزالة معاً،بحيث لا يجتمعان ولا يرتفعان، فلابدّ لنا حينئذٍ من الالتزام بأنّ لترك الصلاةالموصل نقيضين: أحدهما: فعل الصلاة، والآخر: ترك الصلاة والإزالة معاً، فإذكان تركها واجباً كان كلّ واحد من نقيضيه حراماً، فلا تقع الصلاة إلاّ محرّمةفاسدة.
والحاصل: أنّا لو قلنا باقتضاء وجوب الشيء لحرمة نقيضه من دون أنتتجاوز إلى غيره فلا ثمرة بين القولين على الاحتمالين الأوّل والثالث لمعنىالنقيض، لوقوع العبادة على كلا القولين صحيحة بناءً على الاحتمال الأوّل،وفاسدةً بناءً على الاحتمال الثالث، وأمّا على الاحتمال الثاني لمعنى النقيضفتظهر الثمرة بين القولين كما عرفت.
وأمّا على القول باقتضاء وجوب الشيء لحرمة نقيضه وتجاوزها عنه إلى ميتّحد معه فلا ثمرة بين القولين أصلاً، لاقتضاء كلا القولين بطلان الصلاة علىجميع الاحتمالات الثلاثة المتقدّمة في معنى النقيض، غاية الأمر أنّ بطلانها فيبعض الفروض لأجل كونها نفس النقيض، كما لو قلنا بمقالة المشهور وكاننقيض الشيء عبارةً عن رفعه أو كونه مرفوعاً به، أو عبارةً عن تمانعهما بحيثلا يجتمعان ولا يرتفعان، وفي بعض الفروض لأجل كونها متّحدةً معه، كما إذقلنا بمقالة صاحب الفصول، أو قلنا بمقالة المشهور لكنّ النقيض كان عبارةعن خصوص عدم الشيء ورفعه، ضرورة أنّ النقيض وإن كان ذا مصداقين
ج2
على ما ذهب إليه صاحب الفصول: أحدهما فعل الصلاة، والآخر ترك الصلاةوالإزالة كلتيهما، إلاّ أنّه تارةً يتّحد مع هذا المصداق واُخرى مع ذلك المصداقالآخر.
وقول المحقّق الخراساني رحمهالله : إنّ وحدة المصداق توجب الاتّحاد، وأمّا تعدّدهيوجب المقارنة أحياناً لا الاتّحاد(1)، لا يتمّ، إذ لا فرق بينهما إلاّ في أنّ الاتّحاددائمي إذا كان المصداق واحداً، وأحياني ـ بمعنى أنّه تارةً يتّحد مع هذالمصداق، واُخرى مع ذلك المصداق ـ إذا كان متعدّداً.
هذا تمام الكلام في المباحث التمهيديّة لمسألة مقدّمة الواجب.