(صفحه374)
القولين، أمّا على القول المشهور فلأنّ الواجب عندهم ـ كما مرّ مراراً ـ هو مجرّدترك الصلاة، وفعل الصلاة يكون نقيضاً لتركها بالمعنى الثالث، لأنّهما يتعاندان،بحيث لا يجتمعان ولا يرتفعان، فإذا كان تركها واجباً كان فعلها حراماً موجبلفسادها، وأمّا على قول صاحب الفصول فلأنّ الواجب عنده هو ترك الصلاةالموصل، وهو معاند لكلّ واحد من فعل الصلاة، وترك الصلاة والإزالة معاً،بحيث لا يجتمعان ولا يرتفعان، فلابدّ لنا حينئذٍ من الالتزام بأنّ لترك الصلاةالموصل نقيضين: أحدهما: فعل الصلاة، والآخر: ترك الصلاة والإزالة معاً، فإذكان تركها واجباً كان كلّ واحد من نقيضيه حراماً، فلا تقع الصلاة إلاّ محرّمةفاسدة.
والحاصل: أنّا لو قلنا باقتضاء وجوب الشيء لحرمة نقيضه من دون أنتتجاوز إلى غيره فلا ثمرة بين القولين على الاحتمالين الأوّل والثالث لمعنىالنقيض، لوقوع العبادة على كلا القولين صحيحة بناءً على الاحتمال الأوّل،وفاسدةً بناءً على الاحتمال الثالث، وأمّا على الاحتمال الثاني لمعنى النقيضفتظهر الثمرة بين القولين كما عرفت.
وأمّا على القول باقتضاء وجوب الشيء لحرمة نقيضه وتجاوزها عنه إلى ميتّحد معه فلا ثمرة بين القولين أصلاً، لاقتضاء كلا القولين بطلان الصلاة علىجميع الاحتمالات الثلاثة المتقدّمة في معنى النقيض، غاية الأمر أنّ بطلانها فيبعض الفروض لأجل كونها نفس النقيض، كما لو قلنا بمقالة المشهور وكاننقيض الشيء عبارةً عن رفعه أو كونه مرفوعاً به، أو عبارةً عن تمانعهما بحيثلا يجتمعان ولا يرتفعان، وفي بعض الفروض لأجل كونها متّحدةً معه، كما إذقلنا بمقالة صاحب الفصول، أو قلنا بمقالة المشهور لكنّ النقيض كان عبارةعن خصوص عدم الشيء ورفعه، ضرورة أنّ النقيض وإن كان ذا مصداقين
ج2
على ما ذهب إليه صاحب الفصول: أحدهما فعل الصلاة، والآخر ترك الصلاةوالإزالة كلتيهما، إلاّ أنّه تارةً يتّحد مع هذا المصداق واُخرى مع ذلك المصداقالآخر.
وقول المحقّق الخراساني رحمهالله : إنّ وحدة المصداق توجب الاتّحاد، وأمّا تعدّدهيوجب المقارنة أحياناً لا الاتّحاد(1)، لا يتمّ، إذ لا فرق بينهما إلاّ في أنّ الاتّحاددائمي إذا كان المصداق واحداً، وأحياني ـ بمعنى أنّه تارةً يتّحد مع هذالمصداق، واُخرى مع ذلك المصداق ـ إذا كان متعدّداً.
هذا تمام الكلام في المباحث التمهيديّة لمسألة مقدّمة الواجب.
(صفحه376)
ج2
في ثمرة البحث عن مقدّمة الواجب
البحث في بيان ثمرة القول بالملازمة وعدمه
نظريّة صاحب الكفاية في المسألة
الحقّ ما ذهب إليه المحقّق الخراساني رحمهالله من أنّ الثمرة في المسألة الاُصوليّةليست إلاّ أن تكون نتيجتها صالحة للوقوع في طريق الاجتهاد واستنباطحكم فرعي، فلو قلنا هاهنا بالملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدّمته،فإنّه بضميمة مقدّمة كون شيء مقدّمة لواجب نستنتج في الفقه أنّه واجبشرعي، فنقول مثلاً: الوضوء مقدّمة الواجب، ومقدّمة الواجب واجبة(1)شرعاً، فالوضوء واجب شرعاً، ولو قلنا بعدمها نستنتج في الفقه عدم كونذلك الشيء واجباً شرعيّاً.
فالثمرة بين القولين إنّما هو استنباط وجوب كلّ واحدة من المقدّمات شرعواستنباط عدمه(2).
فلا نحتاج إلى تكلّف جعل الثمرة تحقّق الوفاء بالنذر وعدمه بإتيان مقدّمةواجب عند نذر الواجب، أو حصول الفسق وعدمه بترك مقدّمتين من
- (1) بحكم العقل الذي يحكم بالملازمة بين الوجوب الشرعي المتعلّق بذي المقدّمة والوجوب الشرعيالمتعلّق بالمقدّمة. م ح ـ ى.
(صفحه378)
مقدّمات الواجب، لصدق الإصرار على الحرام بذلك على القول بالملازمة،وعدمه على القول بعدمها، أو حرمة أخذ الاُجرة على المقدّمة وعدمها.
على أنّك قد عرفت أنّ الثمرة لابدّ من أن تكون استنباط حكم شرعيمولوي كلّي، وهذه الاُمور الثلاثة كلّها أحكام عقليّة لا شرعيّة، ضرورة أنّكلّ واحد من وجوب المقدّمة ووجوب الوفاء بالنذر وإن كان حكماً شرعيّاً،إلاّ أنّ حصول الوفاء بالنذر بإتيان المقدّمة ممّا حكم به العقل كما لا يخفى.
وكذلك الأمر في مسألتي تحقّق الفسق وحرمة أخذ الاُجرة، لأنّ الحكمالشرعي في المسألة الاُولى إنّما هو وجوب المقدّمة والحكم بفسق من أصرّ(1)على الصغيرة، وفي الثانية وجوبها وحرمة أخذ الاُجرة على الواجب، وأمّحصول الفسق بترك مقدّمتين من مقدّمات الواجب، وحرمة أخذ الاُجرة علىالمقدّمات فهما ممّا حكم به العقل، ولذا يتفرّع هذه الاُمور على وجوب المقدّمةبفاء التفريع، فيقال: مقدّمة الواجب واجبة شرعاً، فيحصل الوفاء بالإتيان بهعند نذر الواجب، ويتحقّق الفسق بترك اثنتين منها، ويحرم أخذ الاُجرة عليها.
وبالجملة: ثمرة هذه المسألة هي استنباط حكم كلّ مقدّمة من مقدّماتالواجب في الفقه.
بيان مناقشة في ترتّب الثمرة المذكورة
واُورد عليها أنّها ليست ثمرةً عمليّة، لأنّ العقل يحكم بلزوم الإتيان بالمقدّمةلأجل ذيها حتّى عند القائلين بعدم الملازمة، فلابدّ لنا من الإتيان بها، سواءقلنا بوجوبها الشرعي أم لا.
- (1) واختلفوا في أنّ الإصرار هل لا يتحقّق إلاّ بارتكاب محرّمين، أو يتحقّق بحرام واحد مع العزم على حرامآخر أيضاً، أو بل يتحقّق بحرام واحد مع عدم التوبة ولو لم يعزم على ارتكاب آخر. منه مدّ ظلّه.