(صفحه386)
التفت إليها، بحيث ربما يجعلها في قالب الطلب مثله، ويقول مولويّاً: «ادخلالسوق واشتر اللحم» مثلاً، بداهة أنّ الطلب المنشأ بخطاب «ادخل» مثلالمنشأ بخطاب «اشتر» في كونه بعثاً مولويّاً(1)، وأنّه حيث تعلّقت إرادته بإيجادعبده الاشتراء ترشّحت منها إرادة اُخرى بدخول السوق بعد الالتفات إليهوأنّه يكون مقدّمة له كما لا يخفى.
ويؤيّده الوجدان، بل يكون من أوضح البرهان وجود الأوامر الغيريّة فيالشرعيّات والعرفيّات، لوضوح أنّه لا يكاد يتعلّق بمقدّمة أمر غيري إلاّ إذكان فيها مناطه، وإذا كان فيها كان في مثلها، فيصحّ تعلّقه به أيضاً، لتحقّقملاكه ومناطه(2)، إنتهى كلامه رحمهالله .
نقد ما استدلّ به صاحب الكفاية رحمهالله لإثبات الملازمة
وفيه: منع شهادة الوجدان على الملازمة.
وأمّا جعل المقدّمات في قالب الطلب، بأن يقال: «ادخل السوق واشتراللحم» فالأمر المتعلّق بها في العرفيّات وإن كان مولويّاً، لعدم جهل العبدبمقدّميّة دخول السوق لاشتراء اللحم كي يكون إرشاداً إليها، إلاّ أنّه يدلّ علىإمكان تعلّق الأمر المولوي بجميع المقدّمات أو بعضها، لا على لزومه الذييدّعيه القائل بالملازمة.
والأوامر الغيريّة في الشرعيّات إرشاديّة، فلا تأييد فيها للوجدان، توضيحذلك: أنّ النواهي المتعلّقة بالمعاملات مثل «لا تبع ما ليس عندك» و«نهى النبيّعن بيع الغرر»(3) إرشاد إلى فسادها، كما قال المحقّق الخراساني رحمهالله (4)، وليست
- (1) لعدم جهل العبد بكون الاشتراء متوقّفاً على دخول السوق كي يكون أمر المولى به إرشاداً إلى مقدّميّته.منه مدّ ظلّه في توضيح كلام صاحب الكفاية رحمهالله .
- (3) في وسائل الشيعة 17: 448، كتاب التجارة، الباب 40 من أبواب آداب التجارة، الحديث 3 هكذا: «نهىرسول اللّه صلىاللهعليهوآله عن بيع المضطرّ وعن بيع الغرر». م ح ـ ى.
ج2
بأحكام تكليفيّة مولويّة، والأوامر والنواهي المتعلّقة بالعبادات على قسمين:
1ـ ما يتعلّق بمجموع العبادة، كـ «أَقِيمُوا الصَّلاَةَ»(1) و«دعي الصلاة أيّاماقرائك»(2) وهو مولوي تكليفي يفيد الوجوب والحرمة.
2ـ ما يتعلّق بخصوصيّة من خصوصيّاتها، مثل «لا تصلّ في وبر ما لا يؤكللحمه»(3) و«لا تصلّ في النجس» و«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِفَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَىالْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌمِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طَيِّبفَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ»(4).
والظاهر أنّ هذا القسم من الأوامر والنواهي إرشاد إلى الشرطيّة والمانعيّة،والشرائط والموانع الشرعيّة ليست معلومة عند المكلّف كالتكوينيّة لكي ليصحّ تعلّق الأمر والنهي الإرشاديّين بها.
على أنّ عدم ظهورها في المولويّة يكفي في إنكار الملازمة وإن لم تكنظاهرة في الإرشاديّة، لأنّ إقامة الدليل على مدّعي الملازمة، وأمّا منكرهفيكفيه عدم قيام دليل عليها.
والحاصل: أنّ الوجدان كالتبادر أمر قائم بالنفس لا يمكن إثباته أو نفيهبدليل. نعم، يمكن تأييده أحياناً ببعض الاُمور، ونحن ننكر شهادة الوجدان
- (3) الكافي 3: 88 ، كتاب الحيض، باب جامع في الحائض والمستحاضة، الحديث 1.
- (4) في وسائل الشيعة 4: 347، كتاب الصلاة، الباب 2 من أبواب لباب المصلّي، الحديث 7 هكذا: «لا تجوزالصلاة في شعر ووبر ما لا يؤكل لحمه». م ح ـ ى.
(صفحه388)
على الملازمة، وقد عرفت عدم تماميّة الأمرين الذين تمسّك بهما المحقّقالخراساني رحمهالله لتأييده.
الثاني: استدلّ بعضهم لإثبات الملازمة بأنّ الإرادة التشريعيّة تابعة للإرادةالتكوينيّة، ولأجل ذلك لا يمكن تعلّق الإرادة التشريعيّة باجتماع الضدّين أوالنقيضين كما لا يمكن تعلّق الإرادة التكوينيّة باجتماعهما.
والفاعل المريد شيئاً في التكوين تتعلّق إرادته بإيجاد مقدّماته، ولازم ذلكأنّ الإرادة الآمريّة المتعلّقة بفعل تستلزم إرادة اُخرى متعلّقة بمقدّماته.
وفيه: أنّ البرهان لم يقم على التطابق بين التشريع والتكوين لو لم نقلبقيامه على خلافه، وتوضيح الفرق بينهما: أنّ تعلّق الإرادة بالمقدّمات منالفاعل المريد إنّما هو لأجل أنّه يرى أنّ الوصول إلى المقصد وإلى الغايةالمطلوبة لا يحصل إلاّ بإيجاد مقدّماته، فلا محالة يريده مستقلاًّ بعد تماميّةمقدّماته، وأمّا الآمر فالذي يلزم عليه هو البعث نحو المطلوب وإظهار متعلّقت به إرادته ببيان وافٍ، بحيث يمكن الاحتجاج به على العبد ويقف العبدبه على مراده حتّى يمتثله، وأمّا إرادة المقدّمات فلا موجب لها بعد حكم العقلبلزوم إتيانها.
والحاصل: أنّ الفرق بين الفاعل والآمر أنّه لا مناص في الأوّل عن تعدّدالإرادة، لأنّ المفروض أنّه المباشر للأعمال برمّتها، فلا محالة تتعلّق الإرادة بكلّما يوجده بنفسه، وأمّا الآمر فيكفي في حصول غرضه بيان ما هو الموضوعلأمره وبعثه، بأن يأمر به ويبعث نحوه، والمفروض أنّ مقدّمات المطلوب غيرخفيّ على المأمور، وعقله يرشده إلى لزوم إتيانها، فحينئذٍ لأيّ ملاك تنقدحإرادة اُخرى متعلّقة بالبعث إلى المقدّمات؟
على أنّ إرادة البعث لابدّ لها من مبادٍ موجودة في نفس المولى الباعث،
ج2
ومنها التصديق بفائدة المراد، وهو موجود في إرادة البعث إلى ذي المقدّمة، لأنّفائدة البعث إليه هي التوصّل إلى المبعوث إليه، وأمّا البعث إلى المقدّمات فلفائدة فيه بعد حكم العقل بلزوم إتيانها، فلا تتوفّر مبادئ إرادته.
والحاصل: أنّ تعلّق الإرادة التشريعيّة المولويّة بالمقدّمة بعد لابدّيّتها العقليّةلغو لا يصدر من الحكيم.
إن قلت: فكيف انقدحت الإرادة التشريعيّة المولويّة بدخول السوق فيقول المولى: «ادخل السوق واشتر اللحم»؟
قلت: قولنا بكون الأمر في المثال مولويّاً إنّما هو بلحاظ وحدة السياق،حيث إنّ الأمر باشتراء اللحم يكون مولويّاً قطعاً، وإلاّ فالأمر بدخول السوقمع قطع النظر عن السياق إرشادي.
إن قلت: كونه إرشاديّاً أيضاً يستلزم اللغويّة كما أشرت إليه، لأنّ العبد عالمبكون دخول السوق مقدّمة لاشتراء اللحم، فما معنى الإرشاد إلى المعلوم؟!
قلت: الإرشاد إلى حكم العقل تارةً يكون لأجل جهل المخاطب بموضوعحكم العقل، واُخرى لأجل التذكّر، والأمر بدخول السوق في المثال المتقدّممن هذا القبيل.
ما أفاده الحسن البصري لإثبات الملازمة
الثالث: استدلّ أبو الحسن البصري على الملازمة بما هو كالأصل لغيره ممّذكره الأفاضل من الاستدلالات كما قال صاحب الكفاية.
وهو أنّه لو لم يجب المقدّمة لجاز تركها، وحينئذٍ فإن بقي الواجب علىوجوبه يلزم التكليف بما لا يطاق، وإلاّ خرج الواجب المطلق عن كونه واجبمطلقاً، فيكون الوضوء مثلاً كالوقت في كونه شرطاً لوجوب الصلاة
(صفحه390)
ووجودها كليهما(1).
ولابدّ لنا قبل المناقشة فيه من ذكر إصلاحين له ـ تبعاً للمحقّقالخراساني رحمهالله ـ لكي لا يكون بديهي البطلان:
1ـ أنّه لابدّ من أن يراد بقوله: «لجاز تركها» في الشرطيّة الاُولى عدم المنعالشرعي، لا الإباحة ولا الجواز بالمعنى الأعمّ، وإلاّ كانت الملازمة واضحةالبطلان، ضرورة أنّ عدم وجوب شيء لا يستلزم إباحته الشرعيّة، إذ يمكنأن يكون حينئذٍ محكوماً بحكم آخر غيرهما، أو لا يكون فيه حكم شرعيأصلاً، ولا يستلزم أيضاً جواز تركها بالمعنى الأعمّ، ضرورة أنّ الجواز بالمعنىالأعمّ إذا تعلّق بالفعل يكون أعمّ من الوجوب والندب والإباحة والكراهة،وإذا تعلّق بتركه يكون أعمّ من الحرمة والندب والإباحة والكراهة، مع أنّالمقدّمة يمكن أن تكون خالية من جميع الأحكام الشرعيّة التكليفيّة، فإنّ أحدالمتلازمين مثلاً لو كان واجباً لا يستلزم أن يكون ملازمه الآخر أيضاً كذلكأو محكوماً بحكم آخر. نعم، لا يمكن أن يكون حراماً، لأنّه تكليف بما ليطاق، وأمّا خلوّه عن جميع الأحكام فلا منع فيه.
فعلى هذا يمكن أن تكون المقدّمة مع كونها غير واجبة خاليةً عن سائرالأحكام الشرعيّة أيضاً.
والحاصل: أنّ المراد بجواز الترك في الشرطيّة الاُولى عدم المنع الشرعي.
2ـ أنّه لابدّ من أن يراد بقوله: «حينئذٍ» حين إذ تركت المقدّمة عن جواز،لا حين جاز تركها، وإلاّ فبمجرّد الجواز بدون الترك لا يكاد يتوهّم صدقالقضيّة الشرطيّة الثانية، ضرورة أنّ وجوب شيء لا يستلزم التكليف بما ليطاق بمجرّد جواز ترك مقدّمتها، بل المستلزم لذلك إنّما هو نفس تركها، حيث