في مسألة الضدّ
الثالث: في بيان المراد من كلمتي «الاقتضاء»
و«الضدّ» في المقام
ذهب المحقّق النائيني رحمهالله تبعاً لاُستاذه صاحب الكفاية رحمهالله إلى أنّ الاقتضاء فيالعنوان أعمّ من كونه على نحو العينيّة، أو التضمّن، أو الالتزام؛ لأنّ لكلّ وجهبل قائلاً، كما أنّ المراد من الضدّ ليس خصوص الأمر الوجودي، وإن كانالظاهر منه ذلك، بل المراد منه مطلق المعاند الشامل للنقيض وللأمرالوجودي(1).
نقد كلام المحقّقين النائيني والخراساني رحمهماالله
ويرد على المحقّق النائيني رحمهالله أنّ هذا ينافي ما تقدّم منه في المقدّمة الثانية منكون المسألة عقليّة، ضرورة أنّ الدلالات الثلاث من شؤون اللفظ لا العقل.
وهاهنا إشكال آخر يرد عليه وعلى صاحب الكفاية كليهما، وهو أنّالاقتضاء عبارة عن تأثير شيء في شيء آخر وكونه سبباً له، ففي معناهالحقيقي خصوصيّتان:
- (1) كفاية الاُصول: 160، وفوائد الاُصول 1 و 2: 301.
ج2
إحداهما: كون المقتضي ـ بالكسر ـ مغايراً للمقتضى ـ بالفتح ـ ،والاُخرى: كونه علّة له مؤثّراً فيه.
ولايخفى أنّ الاقتضاء في المقام ليس بمعناه الحقيقي؛ لأنّ الإيجاب والتحريمأمران اعتباريّان، فلايكون أحدهما علّة مؤثّرة في الآخر؛ لاختصاص التأثيروالتأثّر بالاُمور الحقيقيّة، فلابدّ من أن يكون استعماله بنحو المجاز، ولا يصحّاستعماله مجازاً إلاّ إذا كان المقتضي مغايراً للمقتضى بعد عدم تحقّق خصوصيّتهالاُخرى أعني التأثير والعلّيّة، فإنّ المجاز ـ بناءً على ما تقدّم من أنّ الحقّ هوالذي اختاره الإمام رحمهالله تبعاً لاُستاذه المحقّق الاصفهاني «صاحب كتاب وقايةالأذهان» رحمهالله ـ عبارة عن استعمال اللفظ في معناه الحقيقي بادّعاء أنّ المورد فردمنه، ولا يصحّ هذا الادّعاء فيما إذا كان المراد فاقداً لجميع خصوصيّاتالموضوع له.
وكذا الحال بناءً على المشهور من كون المجاز استعمال اللفظ في غير ما وضعله، ضرورة أنّهم أيضاً لا يجوّزون استعماله في أيّ شيء ولو لم يكن بينه وبينالمعنى الحقيقي علاقة.
فلمّا لم يكن بين المقتضي والمقتضى في المقام علّيّة ومعلوليّة فلو لم يكونمتغايرين أيضاً لم يكن مصحّح للاستعمال المجازي، لفقدان كلتا الخصوصيّتينالمعتبرتين في المعنى الحقيقي.
فلا يصحّ أن يكون الاقتضاء في عنوان البحث أعمّ من الدلالات الثلاث؛لأنّ في العينيّة والجزئيّة فقدان المغايرة بين المقتضي والمقتضى(1)، فلابدّ من أنيكون مختصّاً بالدلالة الالتزاميّة.
- (1) أمّا عدم المغايرة في فرض كون النهي عن الضدّ عين الأمر بالشيء فواضح، وأمّا في فرض كونه جزءًمنه فلعدم كفاية المغايرة بنحو الكلّيّة والجزئيّة في صدق الاقتضاء. م ح ـ ى.