(صفحه416)
بشيء بدون الملاك، فهو يحكم بتقدّم العلّة على المعلول رتبةً بملاك أنّهتفيضه وتوجده، وبتأخّر المعلول عن العلّة كذلك بملاك أنّ وجوده نشمنها، وباتّحاد رتبة المعلولين لعلّة واحدة بملاك عدم كون أحدهما أنقص منالآخر في المعلوليّة للعلّة المشتركة، وملاك الاتّحاد الرتبي لا يوجد فيالضدّين(1).
إن قلت: يكفي الاتّحاد الزماني في إثبات الاتّحاد الرتبي.
قلت: كلاّ، فإنّ العلّة والمعلول متّحدان زماناً، مختلفان رتبةً، فالاتّحادالزماني لا يدلّ على تحقّق الاتّحاد الرتبي أيضاً.
وأمّا ثالثها: فبأنّه لو سلّم كون النقيضين والضدّين في رتبة واحدة، فلإنكارلزوم كون أحد العينين في رتبة نقيض الآخر مجال واسع، لعدم البرهان على أنّالرتب العقليّة حكمها حكم الزمان في الخارج(2)، لو لم نقل بأنّ البرهان قائمعلى خلافه، لأنّ للرتب العقليّة ملاكات خاصّة، ربما يكون الملاك موجوداً فيالشيء دون متّحده في الرتبة، ألاترى أنّ ملازم العلّة لا يكون مقدّماً علىالمعلول رتبةً، لفقدان ملاك التقدّم فيه، وهو كون وجوب الشيء من وجوبهووجوده من وجوده(3)،(4).
- (1) كما لا يوجد ملاك التقدّم والتأخّر الرتبيّين بينهما أيضاً. م ح ـ ى.
- (2) حيث إنّا بعد علمنا بأنّ زيداً موجود في زمن عمرو وعمراً موجود في زمن بكر نعلم وجداناً بأنّ زيدموجود في زمن بكر. م ح ـ ى.
- (3) لا يقال: يمكن إقامة البرهان في المقام، وهو أنّ عدم أحد الضدّين في مرتبة وجوده، ووجوده في مرتبةالضدّ الآخر، فعدم أحد الضدّين في مرتبة الضدّ الآخر.
فإنّه يقال: هذا وإن كان بصورة قياس الشكل الأوّل بالنظر السطحي، إلاّ أنّ واقعه مغالطة، كمغالطة قولنبالفارسيّة: «ديوار موش دارد، وموش گوش دارد، پس ديوار گوش دارد»، ولابدّ من تشكيل القياس فيالمقام بهذه الكيفيّة: «عدم أحد الضدّين في مرتبة وجود ذلك الضدّ، وكلّ شيء في مرتبة وجود ذلكالضدّ في مرتبة الضدّ الآخر» وفي ضمن مثال واضح «عدم الصلاة في رتبة وجود الصلاة، وكلّ شيء فيرتبة وجود الصلاة في رتبة وجود الإزالة»، والكبرى في هذا القياس كاذبة. م ح ـ ى.
- (4) تهذيب الاُصول 1: 415.
ج2
كلام الإمام الخميني رحمهالله في المقام
وللإمام قدسسره تحقيق في المسألة يقتضي بطلان القولين، أعني القول بمقدّميّة عدمأحد الضدّين للضدّ الآخر، والقول باتّحادهما رتبةً، وهو أنّه لابدّ في كلّ قضيّةحمليّة موجبة من وجود الموضوع في الخارج إذا كان الحمل بلحاظ وجودهالخارجي، مثل «الجدار أبيض» وفي الذهن إذا كان بلحاظ وجوده الذهني،نحو «الإنسان كلّي»، ولو لم يكن الحمل بهذين اللحاظين فلابدّ من ثبوتالموضوع وتقرّره في نفس الأمر، وهو وعاء أوسع من الخارج والذهن، نحو«الإنسان ماهيّة من الماهيّات» فإنّ الجدار الموجود في الخارج متّصف بأنّهأبيض، والإنسان المتحقّق في الذهن متّصف بأنّه كلّي، والإنسان المتقرّر فينفس الأمر متّصف بأنّه ماهيّة.
والدليل على لزوم ثبوت الموضوع في الموجبات الحمليّة هو القاعدةالفرعيّة، أعني «ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له».
إن قلت: لا إشكال في أنّ الحمل في قولنا: «اجتماع النقيضين محال»و«شريك الباري ممتنع» إنّما هو بلحاظ وجود الموضوع خارجاً مع أنّه ليسبموجود في الخارج.
قلت: هذا النوع من القضايا وإن كانت موجبة ظاهراً إلاّ أنّهفي الحقيقة سالبة محصّلة مفادها «لا يكاد يمكن تحقّق اجتماع النقيضين وشريكالباري في الخارج»، والسالبة المحصّلة تصدق بانتفاء الموضوع أيضكما عرفت.
فعلى هذا لا مجال للقول بأنّ عدم أحد الضدّين مقدّمة للضدّ الآخر، أو
(صفحه418)
متّحد معه رتبةً، لأنّ العدم بطلان محض لا ثبوت له أصلاً، فكيف يمكن حملالمقدّميّة أو الاتّحاد في الرتبة عليه مع أنّ «ثبوت شيء لشيء فرع ثبوتالمثبت له».
إن قلت: فكيف أثبتوا في الفلسفة التأثير والتأثّر للعدم حيث قالوا: «عدمالعلّة علّة لعدم المعلول»؟
قلت: هذه القضيّة في الواقع تأكيد لقولهم: «وجود العلّة علّة لوجودالمعلول»، والمراد به أنّ ارتباط المعلول بالعلّة في غاية الشدّة بحيث لو انتفتالعلّة انتفى المعلول، لا أنّ لعدم العلّة ثبوتاً يؤثّر به في عدم المعلول فيصير هوأيضاً أمراً ثابتاً.
كيف وهم قالوا: «إنّ العدم بطلان محض لا ثبوت ولا شيئيّة له أصلاً»(1).
هذا حاصل كلام الإمام الخميني رحمهالله في المسألة.
ما أفاده المحقّق الاصفهاني رحمهالله في المقام
وللمحقّق الكبير، الاُصولي المتبحّر ـ الذي كان ماهراً في الفلسفة أيضاً الشيخ محمّد حسين الاصفهاني رحمهالله كلام يناقض كلام الإمام رحمهالله .
وهو أنّ التقدّم على قسمين: 1ـ علّي، 2ـ طبعي(2)، فالتقدّم العلّي وصفلوجوب الوجود لا لنفس الوجود، فإنّ العلّة ليست متقدّمة على المعلول، بلوجوبها متقدّم على وجوبه، أمّا التقدّم الطبعي فهو وصف للوجود، وهو علىأربعة أقسام: لأنّ المتقدّم إمّا مقوّم للمتأخّر، كما إذا كان جزئه، أو مقتضيهوفاعله، كالنار المقتضية للإحراق، أو متمّم(3) لفاعليّة الفاعل، كمحاذاة المادّة
- (1) تهذيب الاُصول 1: 417.
- (2) قال سيّدنا الحكيم رحمهالله ـ في حقائق الاُصول 1: 310 ـ : التقدّم الطبعي في الاصطلاح تقدّم العلّة الناقصةعلى المعلول، وأمّا تقدّم العلّة التامّة فهو التقدّم بالعلّيّة. م ح ـ ى.
- (3) ويعبّر عنه بالشرط. م ح ـ ى.
ج2
المحترقة مع النار، فإنّها متمّمة لتأثير النار في الإحراق، أو مكمّل(1) لقابليّةالقابل، كعدم الرطوبة في المادّة المحترقة، فإنّه مكمّل لقابليّتها للاحتراق، وكعدمالسواد في الجسم المكمّل لقابليّته لعروض البياض عليه.
فما ذكره المحقّق الخراساني رحمهالله من أنّه «لو اقتضى التضادّ توقّف وجود الشيءعلى عدم ضدّه توقّف الشيء على عدم مانعه لاقتضى توقّف عدم الضدّ علىوجود الشيء توقّف عدم الشيء على مانعه(2)، بداهة ثبوت المانعيّة في الطرفينوكون المطاردة من الجانبين، وهو دور واضح»(3). فاسد، لأنّ وجود أحدالضدّين يتوقّف على عدم الضدّ الآخر، لما عرفت من أنّ عدم الضدّ مكمّللقابليّة المحلّ لعروض الضدّ الآخر عليه، فهو ـ أعني عدم الضدّ ـ متقدّم علىوجود الضدّ الآخر، لكونه مكمّلاً لقابليّة القابل، بخلاف العكس، فإنّ عدمالضدّ لا يتوقّف على وجود الضدّ الآخر، لعدم كون وجود الضدّ متقدّماً علىعدم ضدّه بأيّ قسم من الأقسام الأربعة المتقدّمة من أقسام التقدّم الطبعي.
لا يقال: ليس لعدم الضدّ واقعيّة وثبوت حتّى يتوقّف عليه وجود الضدّالآخر.
فإنّه يقال: عدم الضدّ من قبيل عدم الملكة، وله نحو من الواقعيّة والثبوت،توضيحه: أنّ للجسم القابل للبياض مثلاً ثلاث واقعيّات: إحداها: محسوسة،وهي نفس وجود الجسم، والثانية: غير محسوسة، وهي قابليّته لعروضالبياض عليه، والثالثة: أيضاً غير محسوسة، وهي كون الجسم بحيث لا يكون
- (1) ويعبّر عنه بعدم المانع. م ح ـ ى.
- (2) فإنّ عدم الشيء تارةً يستند إلى عدم مقتضيه، واُخرى إلى عدم شرطه، وثالثةً إلى وجود مانعه، فعدمالشيء يتوقّف أحياناً على وجود ضدّه توقّف عدم الشيء على وجود مانعه. منه مدّ ظلّه توضيحاً لكلامصاحب الكفاية رحمهالله .
(صفحه420)
معروضاً للسواد، وهو متمّم لقابليّته لعروض البياض عليه، وله ثبوتوواقعيّة، لكونه من قبيل عدم الملكة، وإن كان أمراً غير محسوس ومشاهد(1).
هذا حاصل كلام المحقّق الاصفهاني رحمهالله .
بيان الحقّ في المسألة
أقول: كون الجسم واستعداده لعروض البياض عليه أمرين واقعيّين مسلّملا بحث فيه، إنّما الكلام في الأمر الثالث الذي ادّعى واقعيّته أيضاً، وهو كونالجسم بحيث لا يكون معروضاً للسواد، فإنّه إن أراد به الإيجاب العدولي فهوخارج عن محلّ الكلام، وإن أراد به السلب التحصيلي فلا نسلّم كونه أمرواقعيّاً، كيف؟ وهم قالوا بمحوضة العدم في البطلان واللاشيئيّة.
ولا فرق فيه بين العدم المطلق والمضاف إلى الملكات أو أقسام الوجود.
فالحقّ ما ذهب إليه الإمام رحمهالله من عدم ثبوت للعدم كي يحكم على عدمأحد الضدّين بأنّه مقدّمة للضدّ الآخر أو متّحد معه رتبةً.
على(2) أنّك قد عرفت فيالمبحث السابق أنّ مقدّمة الواجب ليست بواجبة،فلو سلّم مقدّميّة عدم أحد الضدّين للضدّ الآخر فلا دليل على وجوبه.
ولو فرض وجوب المقدّمة أيضاً فالكلام إنّما هو في اقتضاء وجوب الشيءلحرمة نقيضه الذي يعبّر عنه هنا بالضدّ العامّ، فلو سلّم كون عدم الصلاةمقدّمة للإزالة، وسلّم أيضاً كونه واجباً غيريّاً لأجل المقدّميّة، لا تثبت حرمةالصلاة بعدُ، بل يحتاج ثبوتها إلى إثبات حرمة نقيض الواجب، ليكون فعل
- (1) نهاية الدراية 2: 182.
- (2) هذا شروع في إنكار المقدّمة الثانية لدليل القائلين بالاقتضاء فيالضدّ الخاصّ، فإنّ دليلهم ـ كما تقدّمتالإشارة إليه ـ كان مركّباً من ثلاث مقدّمات: الاُولى: أنّ عدم أحد الضدّين مقدّمة للضدّ الآخر، وقد عرفتبطلانه، الثانية: أنّ مقدّمة الواجب واجبة، وقد عرفت أيضاً بطلانه فيالمبحث السابق، الثالثة: أنّ نقيضالواجب حرام، وشرع الاُستاذ«مدّ ظلّه» في ردّه بقوله: «ولو فرض وجوب المقدّمة إلخ». م ح ـ ى.