(صفحه480)
الزيادة، وأمّا المأخوذ بشرط لا فالتخيير بينه وبين الأكثر من قبيل التخييربين المتباينين، لعدم تحقّق الأقلّ كذلك في ضمن الأكثر.
برهان القائل بالامتناع
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ بعضهم ذهب إلى عدم إمكانه، بدعوى أنّه معتحقّق الأقلّ في الخارج وحصوله يحصل الغرض، فإذن يكون الأمر بالأكثرلغواً، فلا يصدر من الحكيم، سواء كان تدريجي الوجود(1)، كالتخيير بين قراءةالتسبيحات مرّة واحدة أو ثلاث مرّات، أو دفعي الوجود، كالتخيير بينترسيم خطّ طوله شبر واحد أو شبران دفعةً، بأن يلطّخ مثلاً حدّ مسطرةبالحبر ويضربها دفعة على القرطاس.
والتحقيق يقتضي أن نبحث في كلّ من التدريجيّات والدفعيّات على حدة.
القول في التدريجيّات
كلام صاحب الكفاية فيه
ذهب المحقّق الخراساني رحمهالله إلى إمكان التخيير بين الأقلّ والأكثر حتّى فيالتدريجيّات، وأجاب عن الدليل المتقدّم في كلام القائل بالاستحالة بأنّ المحصّلللغرض فيما إذا وجد الأكثر هو الأكثر لا الأقلّ الذي في ضمنه، بمعنى أنّه يكونلجميع أجزائه حينئذٍ دخل في حصوله، وإن كان الأقلّ لو لم يكن في ضمنهكان وافياً به أيضاً.
وبالجملة: لا يكاد يترتّب الغرض على الأقلّ في ضمن الأكثر، وإنّما يترتّب
- (1) والاستحالة فيه أوضح من دفعي الوجود. منه مدّ ظلّه.
ج2
عليه بشرط عدم الانضمام، ومعه كان مترتّباً على الأكثر بالتمام، فكما يمكنالتخيير بين المتباينين يمكن أيضاً بين الأقلّ والأكثر(1).
هذا ملخّص كلام المحقّق الخراساني رحمهالله .
ما أفاده الاُستاذ البروجردي رحمهالله في المقام
وقام بتوضيح هذا الجواب سيّدنا الاُستاذ آية اللّه البروجردي رحمهالله بشكلبرهاني أدقّ، وهو أنّ الأقلّ والأكثر تحت طبيعة واحدة مشكّكة، ويكون مبه الاشتراك بين الأفراد عين ما به الامتياز(2)، كالخطّ القصير والطويل، وليتعيّن الخطّ للفرديّة إلاّ إذا انقطع سيره، إذ ما دام مستمرّاً متدرّجاً سيّالاً لتعيّن له، بل كأنّه بعدُ مبهم قابل لكلّ تعيّن، فمحصّل الغرض إذا كان فرداً منطبيعة الخطّ لا يصير الفرد القصير فرداً لها إلاّ مع محدوديّته وعدم انضمام الزائدإليه، فالفردان مع تفاوتهما بالأقلّيّة والأكثريّة لا يكونان محصّلين للغرض إلإذا تحقّقا بتحقّق الفرديّة، وهو متقوّم بالمحدوديّة.
وبعبارة اُخرى: الأحكام وإن تعلّقت بالطبائع في مقام التقنين، إلاّ أنّامتثالها لا يتحقّق إلاّ بالوجودات الخارجيّة، فإذا كان المأمور به الخطّ الذيطوله شبر أو شبران ورسّم المكلّف خطّاً بطول شبرين فهو بتمامه وجود واحدلطبيعة الخطّ المأمور بها لا وجودان.
هذا حاصل ما أفاده سيّدنا الاُستاذ البروجردي رحمهالله في حلّ الشبهة المتقدّمةفي كلام القائل بالاستحالة.
نقد كلام العلمين المحقّق الخراساني والسيّد البروجردي رحمهماالله
- (2) ما به الامتياز بين أفراد الكلّيّات المشكّكة عين ما به الاشتراك، سواء كان التفاوت بينهما بحسب الكيف،كالتشكيك في الشدّة والضعف، أو بحسب الكمّ، كالتفاوت بالزيادة والنقصان. منه مدّ ظلّه.
(صفحه482)
ويرد على كليهما أنّ في كلامهما خلطاً بين اللابشرطيّة والبشرط لائيّة، فإنّالأقلّ إذا اُخذ لا بشرط ـ كما هو محلّ الكلام ـ فهو متحقّق في ضمن الأكثرومحصّل للغرض، فلايكون الزائد دخيلاً في حصول الغرض كي يكون الأكثرمأموراً به. وبعبارة اُخرى: إذا أخذ العبد بترسيم الخطّ فحينما وصل إلى شبريصدق عليه أنّه فرد لطبيعة الخطّ المأمور بها، ولا يضرّه استدامة الترسيم إلىشبرين وإلاّ لم يكن الأقلّ مأخوذاً لا بشرط.
نعم، لو اُخذ الأقلّ بشرط لا بالنسبة إلى الزيادة فلا يكاد يكون محصّلللغرض إلاّ إذا كان موجوداً مستقلاًّ، لعدم إمكان تحقّق الأقلّ بشرط عدمانضمام الزائد إليه في ضمن الأكثر.
وبالجملة: لو كان الأقلّ بشرط لا طرفاً للواجب التخييري فلايحصلالغرض إلاّ بالأكثر أو بالأقلّ الذي لم تنضمّ إليه زيادة، دون الأقلّ الذي هو فيضمن الأكثر، لعدم كونه مصداقاً للأقلّ بشرط لا الذي تعلّق الأمر به فرضاً،فالتخيير بين الأقلّ والأكثر وإن كان ممكناً في هذا الفرض، إلاّ أنّه خارج عنمحلّ النزاع، لما عرفت من رجوعه إلى التخيير بين المتباينين.
فالمختار أنّ التخيير بين الأقلّ والأكثر ممتنع في التدريجيّات.
القول في الدفعيّات
وأمّا الدفعيّات فإن كان هنا غرض واحد يحصل بكلّ واحد منهما فلا يعقلالتخيير بينهما، لأنّ الغرض إذا كان يحصل بنفس الأقلّ بلا شرط، يكونالتكليف بالزيادة من قبيل الإلزام بما لا يلزم، فيكون تعلّق الإرادة والبعثإليها لغواً ممتنعاً على الحكيم.
وإن كان لكلّ منهما غرض غير ما للآخر، فإن كان بين الغرضين تضادّ في
ج2
الوجود ولايمكن اجتماعهما، فلا يعقل التخيير أيضاً، لأنّ الأقلّ بلا شرطموجود في ضمن الأكثر، فإذا وجدا دفعةً بإيجاد الأكثر لا يمكن القول بحصولكلا الغرضين، لمكان التضادّ المفروض، ولا بحصول الغرض المترتّب على الأقلّفقط، أو الأكثر كذلك، لأنّه من قبيل الترجيح بلا مرجّح، ولا بعدم حصولأيٍّ منهما، لأنّه بديهي الفساد، ولا يتصوّر فرض خامس، فيستحيل التخيير فيهذه الصورة أيضاً.
وأمّا إذا كان الغرضان قابلين للاجتماع، ولكن لا يكلّف العبد بالجمع بينهما،وبعبارة اُخرى: لزوم تحصيل كلّ منهما مشروط بعدم حصول الآخر قبله،فالتخيير بينهما ممكن، لأنّ الجمع بين الغرضين وإن لم يكن لازماً إلاّ أنّه ليسممنوعاً أيضاً، وحيث إنّ الأقلّ محصّل لأحد الغرضين والأكثر للغرض الآخرفإذا أوجد العبد الأكثر وجد محصّل الغرضين وكان للمولى أن يختار ما يشاء.
نتيجة البحث
والحاصل: أنّ التخيير بين الأقلّ والأكثر ممكن في الدفعيّات في خصوصما إذا كان للمولى غرضان قابلان للاجتماع وكان لزوم تحصيل كلّ منهما مقيّدبعدم حصول الآخر قبله، بخلاف التدريجيّات أو ما إذا كان له غرض واحد أوغرضان متضادّان.
نعم، فيما إذا كان التخيير مستحيلاً يمكن أن يكون الأقلّ واجباً تعيينيّاً ومزاد عليه مستحبّاً أو مباحاً، كأن يكون التسبيحات الأربعة واجبةً مرّةواحدة، ومستحبّة مرّتين اُخريين.
هذا تمام الكلام في الواجب التخييري، والحمد للّه ربّ العالمين(1).
- (1) بعد ما وصل شيخنا الاُستاذ المحاضر ««مدّ ظلّه»» إلى هذا الموضع من بحثه الشريف ابتليت الاُمّةالإسلاميّة بمصيبة ارتحال الاُصولي الفقيه، المحقّق الفاضل النّبيه آية اللّه السيّد أبي القاسم الموسويالخوئي قدسسره ، عظّم اللّه اُجورنا واُجور جميع المسلمين بهذه الحادثة المولمة التي وقعت في17/5/1371ش، 8 صفر 1413ق. م ح ـ ى.
(صفحه484)