والحاصل: أنّ ما ذهب إليه المحقّق الخراساني من أنّ القائلين بتعلّق الأوامربالطبائع أرادوا وجود الطبائع لا نفسها حقّ، لكن لا لما ذكره من القاعدةالفلسفيّة المتقدّمة، ولا لما نسب إلى صاحب الفصول من الدلالة الوضعيّةاللفظيّة، بل لأجل الدلالة الالتزاميّة العقليّة والعرفيّة كما تقدّم.
إن قلت: نعم، ولكن يمكن التمسّك بحكم العقل لإثبات المرّة أو التكرار ـ كمتمسّكنا به لإثبات أصل الوجود ـ وإن كان خارجاً عن مورد نزاع الاُصوليّين،لما عرفت من أنّهم يتنازعون في الدلالة الوضعيّة اللفظيّة لا في الدلالةالالتزاميّة العقليّة.
قلت: لا مجال لهذا، فإنّ العقل وإن كان يحكم بكون متعلّق الأمر وجودالطبيعة لا نفسها بالتقريب المتقدّم، إلاّ أنّه لا وجه لأن يحكم بأنّ هذا الوجودوجود واحد أو وجودات متعدّدة كما لا يخفى.
هذا بناءً على ما ذهبنا إليه من ثبوت الوجود بالدلالة الالتزاميّة العقليّةوالعرفيّة.
وأمّا بناءً على ما نسب إلى صاحب الفصول من كونه جزء مدلول الهيئةفيمكن أن يقال: إنّ الوجود الذي هو مدلولها هل هو وجود واحد، أووجودات متعدّدة، أو لا تدلّ على أحدهما، بل على أصل الوجود فقط.
ولكن كونه جزء مدلول الهيئة ممنوع كما عرفت، هذا أوّلاً.
وثانياً: سلّمنا دلالتها على نفس الوجود، ولكن لا يمكن تسليم دلالتها علىقيد الوحدة أو التكرار، فإنّها تستلزم تقييد معنى الهيئة، وهو معنى حرفيملحوظ بلحاظ آلي، وتقييده يستدعي أن يتعلّق به اللحاظ الاستقلالي، وليمكن الجمع بينهما في شيء واحد من جهة واحدة كما عرفت في كلام سيّدنالاُستاذ الأعظم الإمام قدسسره .
والحاصل: أنّه لا مجال للقول بالمرّة أو التكرار في المقام.
هل الإتيان بأفراد دفعيّة امتثال واحد أو متعدّد؟
وعلى ما اخترناه من أنّ الصيغة تدلّ على البعث نحو الماهيّة من دون أنتدلّ على المرّة أو التكرار فلا إشكال في تحقّق الامتثال بإيجاد فرد منها، لأنّالفرد تمام الماهيّة لا بعضها، ولا إشكال أيضاً في تحقّق أصل الامتثال بإيجادأفراد متعدّدة دفعةً. وإنّما الإشكال في أنّها هل تكون امتثالاً واحداً، فليستحقّ إلاّ مثوبة واحدة، أو امتثالات عديدة، فيستحقّ مثوبات بعددها، أو
ج2
هو تابع لقصد الممتثل؟ فيه احتمالات، بل أقوال ثلاثة:
فذهب سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام قدسسره إلى الأوّل(1)، وسيّدنا الاُستاذالبروجردي رحمهالله إلى الثاني(2)، ونسب إلى المحقّق الخراساني رحمهالله أنّه اختار الثالثفي مجلس درسه وقال: إنّ هذا تابع لغرض المكلّف، فإن أراد بإيجاد هذهالأفراد المتعدّدة العرضيّة امتثالاً واحداً يحسب له كذلك، وإن قصد به امتثالاتمتعدّدة يحسب له كذلك أيضاً.
لكن ظاهر الكفاية أنّه امتثال واحد مطلقاً(3)، كما ذهب إليه الإمام رحمهالله .
كلام الاُستاذ البروجردي رحمهالله في المقام
واستدلّ سيّدنا الاُستاذ البروجردي رحمهالله على تعدّد الامتثال بأنّ الطبيعةمتكثّرة بتكثّر الأفراد، فكلّ فرد محقّق للطبيعة، ولمّا كان المطلوب هو الطبيعةبلا تقيّد بالمرّة أو التكرار، فحينئذٍ إذا أتى المكلّف بأفراد متعدّدة فقد أوجدالمطلوب في ضمن كلّ فرد مستقلاًّ، فيكون كلّ امتثالاً برأسه، ونظير ذلكالواجب الكفائي، حيث إنّ الأمر فيه متعلّق بنفس الطبيعة ويكون جميعالمكلّفين مأمورين بإتيانها، فمع إتيان واحد منهم يسقط الوجوب عن الباقي،وأمّا لو أتى به عدّة منهم دفعةً يعدّ كلّ واحد ممتثلاً، ويحسب لكلٍّ امتثالمستقلّ، لا أن يكون فعل الجميع امتثالاً واحداً(4).
هذا حاصل كلامه رحمهالله .
مناقشة الإمام الخميني رحمهالله في كلام السيّد البروجردي قدسسره
- (1) تهذيب الاُصول 1: 241.