(صفحه160)
وأجاب عنه سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام «أعلى اللّه مقامه» بأنّ وحدةالامتثال وكثرته بوحدة التكليف وكثرته لا بوحدة الطبيعة وكثرتها، ضرورةأنّه لو لا البعث لم يكن معنى لصدق الامتثال وإن أوجد آلاف أفراد منالطبيعة.
وبالجملة: كلّما كان التكليف متعدّداً يتعدّد الامتثال والمخالفة أيضاً، ويترتّبعليه تعدّد استحقاق المثوبة والعقوبة.
وتعدّد التكليف قد يكون بتعدّد الخطاب والمتعلّق، كما في «أقيموا الصلاة»و«آتوا الزكاة» فالتكليف بإقامة الصلاة غير التكليف بإتياء الزكاة، وقد يكونبخطاب واحد متعلّق بعامّ استغراقي، كما إذا قال المولى: «أكرم كلّ عالم» فإنّهينحلّ إلى تكاليف متعدّدة بتعداد أفراد العالم، وقد يكون بتوجيه الخطاب إلىأشخاص متعدّدة، بحيث يعدّ كلّ واحد منهم مكلّفاً مستقلاًّ، كالواجبالكفائي، فإنّ التكليف فيه متعدّد بتعداد المكلّفين، ويؤيّده أنّهم لو تركوهلعوقبوا جميعاً، فلو لم يكن التكليف متعدّداً لما تعدّدت العقوبة.
والتكليف ليس فيما نحن فيه متعدّداً بنحو من هذه الأنحاء الثلاثة.
وبما تقدّم ظهر بطلان قياس المقام بالواجب الكفائي، فإنّ التكليف هناكمتعدّد بتعداد المكلّفين كما عرفت آنفاً، ولكن لو أتى به بعضهم متقدّماً علىالباقين يعدّ هو ممتثلاً، ويسقط تكاليف الباقين، إذ لم يبق مورد لامتثالهم، وأمّلو أتى به عدّة منهم دفعةً يعدّ كلّ واحد منهم ممتثلاً للتكليف المتوجّه إلىنفسه، ويستحقّ كلّ منهم مثوبةً مترتّبةً على امتثاله(1).
هذا حاصل كلام سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام قدسسره ، وهو كلام جيّد.
نقد التفصيل المنسوب إلى المحقّق الخراساني رحمهالله
- (1) تهذيب الاُصول 1: 242.
ج2
وأمّا التفصيل المنسوب إلى صاحب الكفاية فهو أوضح بطلاناً من كلامسيّدنا الاُستاذ البروجردي رحمهالله ، ضرورة أنّ وحدة الامتثال وتعدّده لا يدورانمدار قصد المكلّف، بل يدوران مدار وحدة التكليف وتعدّده، كما عرفت.
والحاصل: أنّ إيجاد أفراد عرضيّة من الطبيعة المأمور بها لا يعدّ إلاّ امتثالواحداً.
نعم، يمكن أن يقال: إنّ لهذا النحو من الامتثال مزيّة على ما يتحقّق بفردواحد، كمزيّة الصلاة في المسجد على الصلاة في البيت مع كون كلّ منهما امتثالواحداً.
هذا كلّه فيما إذا أوجد الأفراد دفعةً.
البحث حول الإتيان بأفراد المأمور به الطوليّة
وأمّا إذا أوجد فرداً من الطبيعة فهل له أن يأتي بفرد آخر بدلاً عن الأوّل،فيتبدّل الامتثال الأوّل بامتثال آخر، أو يأتي به بداعي أن يكون كلا الفردينامتثالاً واحداً، أم لا؟(1)
كلام صاحب الكفاية في المسألة
فصّل المحقّق الخراساني رحمهالله في ذلك بين ما إذا حصل الغرض الأقصىبالامتثال الأوّل، وبين ما إذا لم يحصل بقوله:
والتحقيق أنّ قضيّة الإطلاق إنّما هو جواز الإتيان بها(2) مرّة في ضمن فردأو أفراد... لا جواز الإتيان بها مرّة أو مرّات، فإنّه مع الإتيان بها مرّة لا محالة
- (1) وأمّا جعلهما امتثالين مستقلّين فلا إشكال في منعه. منه مدّ ظلّه.
- (2) أي بالطبيعة المأمور بها. م ح ـ ى.
(صفحه162)
يحصل الامتثال، ويسقط به الأمر فيما إذا كان امثتال الأمر علّة تامّة لحصولالغرض الأقصى(1)، بحيث يحصل بمجرّده، فلا يبقى معه مجال لإتيانه ثانيبداعي امتثال آخر(2)، أو بداعي أن يكون الإتيانان امتثالاً واحداً، لما عرفتمن حصول الموافقة بإتيانها وسقوط الغرض معها وسقوط الأمر بسقوطه، فليبقى مجال لامتثاله أصلاً، وأمّا إذا لم يكن الامتثال علّة تامةً لحصول الغرض،كما إذا أمر بالماء ليشرب أو يتوضّأ، فأتى به ولم يشرب أو لم يتوضّأ فعلاً، فليبعد صحّة تبديل الامتثال بإتيان فرد آخر أحسن منه، بل مطلقاً، كما كان لهذلك(3) قبله على ما يأتي بيانه في الإجزاء(4)، إنتهى كلامه.
نقد كلام المحقّق الخراساني رحمهالله في المقام
وفيه: أنّه خلط بين غرض المولى المترتّب على وجود المأمور به في الخارجمن دون دخل شيء آخر فيه، كتمكّنه من الماء في المثال، وبين غرضه المترتّبعلى فعل نفسه، كرفع العطش أو حصول الطهارة، حيث إنّهما يتوقّفان علىفعل نفسه، وهو الشرب أو التوضّي زائداً على وجود المأمور به، ومن الطبيعيأنّ المكلّف لا يكون مأموراً بإيجادهما، بل هما خارجان عن تحت قدرتهواختياره، فالواجب على المكلّف ليس إلاّ تمكين المولى من الشرب أوالتوضّي، بتهيئة مقدّماتهما له، وهو يحصل بمجرّد الامتثال الأوّل.
وكيف كان، فإن حصل الغرض المترتّب على وجود المأمور به بالامتثال
- (1) كما إذا أمره بعتق رقبة، فأعتق رقبةً، فلا يبقى مجال لأن يعتق رقبةً ثانية بداعي تبديل الامتثال الأوّلبامتثال آخر، أو بداعي جعلهما امتثالاً واحداً، لحصول الغرض بالعتق الأوّل وسقوط الأمر به. منه مدّ ظلّهفي توضيح كلام صاحب الكفاية.
- (2) أي على أن يكون بدلاً من الامتثال الأوّل. م ح ـ ى.
- (3) أي إتيان هذا الفرد الجديد. م ح ـ ى.
ج2
الأوّل وسقط الأمر فلم يعقل الامتثال الثاني إلاّ تشريعاً، وإن لم يحصل وجبالإتيان بفرد آخر ثانياً، وعلى كلا التقديرين فلا معنى لجواز الامتثال الثانيأصلاً.
هذا تمام الكلام في المرّة والتكرار.
(صفحه164)