ج2
الشارع المقدّس، وإن كان غرضنا منه استخدام نتيجته في الأوامر الشرعيّةالصادرة من اللّه تعالى أو المعصومين عليهمالسلام .
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الإمام رحمهالله ذهب إلى أنّ النزاع في الملازمة بينالإرادة الفعليّة المتعلّقة بالبعث إلى ذي المقدّمة والإرادة الفعليّة المتعلّقة بالبعثإلى ما يراه المولى مقدّمة.
وعلى هذا لا يضرّ الخطأ في التشخيص ولا عدم الالتفات إلىالمقدّمة الواقعيّة، لأنّ طرف الملازمة في جانب المقدّمة إنّما هو الإرادةالمتعلّقة بالبعث إلى ما يراه مقدّمة، لا الإرادة المتعلّقة بالبعث إلى المقدّمةالواقعيّة.
هذا من ناحية المولى.
وأمّا من ناحية العبد فيجب عليه الإتيان بالمقدّمة الواقعيّة وإن لم يرهالمولى مقدّمة أو غفل عنها أصلاً، لوجوب تحصيل الغرض عليه، ولا يمكنتحصيله إلاّ بها، كما أنّه لا يجب عليه الإتيان بما لا دخل له في المأمور به واقعاً،وإن رآه المولى دخيلاً، لأنّ وجوبه غيري لأجل تحصيل المأمور به، فلا يكونواجباً إذا لم يكن دخيلاً فيه واقعاً(1).
هذا حاصل كلام الإمام رحمهالله ، وتلقّيناه بالقبول في الدورة السابقة.
نقد ما أفاده قدسسره في المقام
لكن يمكن أن يناقش فيه بأنّ المولى لو أمر عبده باشتراء اللحم ولم يأمرهبدخول السوق مثلاً مع كونه ملتفتاً إلى كونه مقدّمة له، فإن قيل: الأمرباشتراء اللحم ناقص ولغو لا أثر له أصلاً فهو خلاف الوجدان والاستعمالات
- (1) تهذيب الاُصول 1: 281.
(صفحه230)
العرفيّة، فإنّ الموالي كثيراً ما يأمرون عبيدهم بذي المقدّمة من دون أنيأمروهم بالمقدّمة، مع التفاتهم إلى مقدّميّتها، وإن قيل: ذلك الأمر صحيح يجبعلى العبد الانبعاث بسببه فنقول: كيف أثّرت الإرادة التي في جانب ذيالمقدّمة في المراد، فتحقّق البعث إليه، بخلاف التي في جانب المقدّمة، حيث لميصدر منه البعث إلى ما رآه مقدّمة مع تعلّق إرادته به؟!
على أنّه لا وجه للعدول من التعبير بالملازمة بين الوجوبين إلى التعبيربالملازمة بين الإرادتين.
بيان ما هو الحقّ في تحرير محلّ النزاع
فالحقّ أن يُقال: إنّ النزاع إنّما هو في ثبوت الملازمة بين وجوب ذي المقدّمةووجوب ما يراه المولى مقدّمة.
لا يقال: لو كان ما يراه مقدّمة واجباً لأمر به، وقد لا يأمر به، كما عرفت.
فإنّه يقال: الواجب على قسمين كما سيأتي: 1ـ أصلي، 2ـ تبعي، ضرورة أنّكلّ شيء بعث إليه المولى في كلامه فهو واجب أصلي، وكلّ شيء لم يبعث إليهمع كونه واجباً عنده، لأجل الملازمة بين وجوبه ووجوب شيء آخر، فهوواجب تبعي، والوجوب الأصلي يتعلّق بالمقدّمة وذيها، والتّبعي لا يتعلّق إلبالمقدّمة، فلو قال المولى: «ادخل السوق واشتر اللحم» فكلاهما واجبانأصليان، لكنّ الأوّل غيري والثاني نفسي، ولو قال: «اشتر اللحم» من دون أنيأمره بدخول السوق نفهم من طريق الملازمة أنّه أيضاً واجب بوجوب تبعي.
والحاصل: أنّ النزاع في المقام إنّما هو في الملازمة بين وجوب ذي المقدّمةووجوب ما يراه المولى مقدّمة.
في كون المسألة عقليّة اُصوليّة
ج2
ولا ريب في كونها مسألة عقليّة إذا قلنا باختصاص الدلالة اللفظيّةبالمطابقة والتضمّن، وخروج الالتزام عنها كما هو الحقّ(1)، وأمّا لو قلنبشمولها إيّاه أيضاً فما نحن فيه مسألة لفظيّة بناءً على ما ذهبنا إليه من أنّ طرفيالملازمة هما الوجوب لا الإرادة، ضرورة أنّ وجوب ذي المقدّمة مدلول للفظالذي هو هيئة «افعل»، وهو الملزوم، ووجوب المقدّمة لازمه بمقتضى الملازمةالواقعة بينهما، وأمّا بناءً على ما ذهب إليه الإمام قدسسره من أنّ طرفيها الإرادةفالمسألة عقليّة محضة، ضرورة أنّ الإرادة التي في جانب ذي المقدّمة ليستمدلولة للفظ حتّى يكون لازمها وهو الإرادة التي في جانب المقدّمة مدلولهالالتزامي.
نعم، اللفظ ـ وهو الأمر المتعلّق بذي المقدّمة ـ كاشف عن الإرادة المتعلّقةبالبعث إليه، لكن لا من جهة كونه دالاًّ عليها بالدلالة اللفظيّة، بل من جهةكونه فعلاً اختياريّاً، والأفعال الاختياريّة كلّها مسبوقة بالإرادة.
ولا ريب أيضاً في كون المسألة اُصوليّة بناءً على ما هو الحقّ من كونالبحث في الملازمة العقليّة، كما أنّها فقهيّة لو كان النزاع في وجوب المقدّمة.
وأمّا القول بأنّها من المسائل الكلاميّة، بتقريب كونها بحثاً عقليّاً فمردود ليصغى إليه، إذ المباحث الكلاميّة وإن كانت عقليّة، إلاّ أنّ كلّ بحث عقلي ليسداخلاً في علم الكلام، فبينهما عموم وخصوص مطلق.
كما أنّ القول بكونها من المبادئ الأحكاميّة أيضاً مردود، ضرورة أنّنبحث في المبادئ الأحكاميّة عن عوارض الأحكام وحالاتها بعد الفراغ من
- (1) ضرورة أنّ اللفظ لا يوجب إلاّ تصوّر معناه الذي هو الملزوم، وأمّا تصوّر اللازم فهو ناشٍ عن تصوّرالملزوم، فهو أمر عقلي غير مربوط باللفظ أصلاً، والشاهد على ذلك أنّا لو تصوّرنا الملزوم من دونسماع لفظه ينتقل الذهن إلى اللازم أيضاً، فحينما نسمع اللفظ أيضاً غاية ما يوجبه هو تصوّر الملزوم، وأمّتصوّر اللازم فلا يرتبط به أصلاً، بل بتصوّر مدلوله الذي هو الملزوم. منه مدّ ظلّه.
(صفحه232)
ثبوتها، كالبحث عن معنى الوجوب والحرمة، وعن كونهما متضادّين، والمقامليس كذلك، فإنّا نبحث هنا في ثبوت الملازمة وعدمه، ليتبيّن أنّ المقدّمةواجبة شرعاً أم لا؟
ج2
في المقدّمة الداخليّة والخارجيّة
الأمر الثاني: في تقسيمات المقدّمة
المقدّمة الداخليّة والخارجيّة
منها: تقسيمها إلى الداخليّة، وهي الأجزاء المأخوذة في الماهيّة المأمور بها،والخارجيّة، وهي الاُمور الخارجة عن ماهيّته ممّا لا يكاد يوجد بدونه.
واُورد على كون الأجزاء مقدّمة له أوّلاً: بأنّ مقدّمة الشيء لابدّ من أنتكون مغايرة له مع أنّ الأجزاء نفس المأمور به، لا غيره، وثانياً: بأنّها لابدّمن أن تكون مقدّمة عليه تقدّماً زمانيّاً كما يظهر من اسمها، مع أنّ الأجزاءليست كذلك.
نظريّة صاحب الكفاية حول المقدّمات الداخليّة
وأجاب المحقّق الخراساني رحمهالله عن الأوّل بأنّ التغاير الاعتباري يكفي هاهنا،وهو موجود، ضرورة أنّ المقدّمة هي كلّ جزء وحده، أي بلا شرط الاجتماع،وذا المقدّمة هو الأجزاء بشرط الاجتماع(1)، فكلّ من الركوع والسجود وفاتحة
- (1) قال المحقّق الخراساني رحمهالله في مقام الجواب عن الإشكال الأوّل: «والحلّ أنّ المقدّمة هي نفس الأجزاءبالأسر، وذو المقدّمة هو الأجزاء بشرط الاجتماع، فيحصل المغايرة بينهما».
ولا يخفى أنّه أراد من كلمة «بالأسر» مانعبّر عنه بالعامّ الاستغراقي، لا المجموعي، فمراده أنّ كلّ واحد منالأجزاء مقدّمة، لا أنّ مجموع الأجزاء مقدّمة واحدة، كما لا يخفى. منه مدّ ظلّه.