ثمّ الظاهر أيضاً أنّ المسألة عقليّة، والكلام في استقلال العقل بالملازمةوعدمه، لا لفظيّة كما ربما يظهر من صاحب المعالم، حيث استدلّ على النفي
بانتفاء الدلالات الثلاث، مضافاً إلى أنّه ذكرها(1) في مباحث الألفاظ(2).
إنتهى موضع الحاجة من كلامه.
نكتتان حول ما أفاده قدسسره :
الاُولى: أنّ النزاع إنّما هو في الوجوب الشرعي المولوي المتعلّق بالمقدّمة، لفي لزومها العقلي، سواء كان البحث في نفس وجوبها كما عبّر به كثير منالاُصوليّين، أو في الملازمة كما قال المحقّق الخراساني رحمهالله ، ضرورة أنّ لابدّيّتهالعقليّة أمر متّفق عليه عند الكلّ، فالملازمة وإن كانت عقليّة، إلاّ أنّ طرفيهحكمان شرعيّان مولويّان.
الثانية: يمكن أن يتوهّم أنّ ظاهر قول صاحب الكفاية: «إنّ المهمّ المبحوثعنه في هذه المسألة البحث عن الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدّمته»أنّ وجوب كلّ من المقدّمة وذيها أمر ثابت مفروغ عنه، ونحن نبحث في تحقّقالملازمة العقليّة بين هذين الوجوبين الثابتين.
ولكنّه توهّم باطل، لأنّ مراده رحمهالله أنّ طريق استكشاف وجوب المقدّمةمنحصر في الملازمة العقليّة بين وجوبها ووجوب ذيها، فنبحث هاهنا في أنّهذه الملازمة هل هي موجودة حتّى يستكشف بها وجوب المقدّمة أم لا؟
نقد نظريّة صاحب الكفاية من قبل الإمام الخميني قدسسره
وناقش سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام رحمهالله فيما أفاده المحقّق الخراساني بأنّه إنأراد الملازمة بين الوجوبين الفعليّين ـ كما هو ظاهر كلامه ـ فهو واضحالبطلان، ضرورة أنّا في كثير من الموارد نقطع بعدم وجوب المقدّمة وجوب
- (1) والمحقّق الخراساني رحمهالله أيضاً وإن ذكرها في مباحث الألفاظ، إلاّ أنّ الإشكال لا يتوجّه إليه، لتصريحهعلى كونها مسألة عقليّة لا لفظيّة. منه مدّ ظلّه.
ج2
مولويّاً حال كون ذيها واجباً، كما إذا أمر المولى عبده باشتراء اللحم من دونأن يأمره بدخول السوق، فهل يمكن أن يقال: الأمر به دونها لغو، لا يجبالانبعاث به، فيضرب على الجدار ما لم يكن مقارناً للأمر بها(1)؟!
وأمّا إن أراد أنّ البحث في ثبوت الملازمة بين إرادة المولى المتعلّقة بالبعثإلى ذي المقدّمة وإرادته(2) المتعلّقة بالبعث إلى المقدّمة ففيه أوّلاً: أنّه كيفيتخلّف المراد عن الإرادة فيما إذا بعث إلى ذي المقدّمة دونها.
وثانياً: أنّ المولى قد يكون غافلاً عن مقدّمية المقدّمة حين البعث إلىذيها،فكيف تتحقّق الإرادة المتعلّقة بالبعث إليها حال كونه غافلاً عنها مع أنّ تصوّرالمراد أحد مقدّمات الإرادة؟
كما أنّه إن أراد الملازمة بين الوجوب الفعلي المتعلّق بذي المقدّمة والوجوببالقوّة المتعلّق بالمقدّمة، أو بين الإرادة الفعليّة والإرادة بالقوّة(3)، ففيه أنّالملازمة وإن لم تكن من مقولة الإضافة، إلاّ أنّها مثلها في لزوم كون طرفيهمتكافئين غير مختلفين من حيث القوّة والفعل، ضرورة عدم إمكان تحقّقالوصف فعلاً والموصوف في المستقبل، لكونه من قبيل اتّصاف المعدوم بصفةوجوديّة، وهي الملازمة(4).
هذا حاصل ما أفاده الإمام قدسسره ، وهو كلام صحيح.
- (1) إن قلت: يمكن استكشاف وجوب دخول السوق من وجوب اشتراء اللحم، كما أنّا كثيراً ما نستكشفالحكم الشرعي من طريق الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع.
قلت: قياس المقام على موارد حكم العقل مع الفارق، فإنّا نعلم هناك أنّ للشارع أيضاً حكماً وإن لم يصل إلينا،بخلاف المقام، فإنّ المفروض هاهنا أنّا نقطع بأنّ المولى أمر عبده باشتراء اللحم من دون أن يأمرهبدخول السوق. منه مدّ ظلّه.
- (2) أي الإرادة الفعليّة، وإنّما قال: الإرادة المتعلّقة بالبعث، ولم يقل: المتعلِّقة بالمقدّمة وذيها، لأنّ فعلالمولى إنّما هو البعث إليهما، وأمّا نفسهما فليسا من أفعاله، بل من أفعال العبد كما هو واضح. م ح ـ ى.
- (3) أي الإرادة الفعليّة المتعلّقة بالبعث إلى ذي المقدّمة والإرادة بالقوّة المتعلّقة بالبعث إلى المقدّمة. م ح ـ ى.
- (4) تهذيب الاُصول 1: 281.
(صفحه228)
إن قلت: ما ذكره الإمام رحمهالله ، وإن كان متيناً إلاّ أنّه يدلّ على بطلان الملازمةوعدم ثبوتها، لا على عدم كون النزاع فيها، فلا يصلح أن يكون ردّاً علىالمحقّق الخراساني رحمهالله .
قلت: الملازمة ـ بملاحظة ما أورد عليها الإمام رحمهالله ـ واضحة البطلان،فمراده رحمهالله أنّه لا يليق بحال العلماء والمحقّقين أن ينازعوا في ثبوت الملازمةوعدمه بعد كونها كذلك، سيّما أنّ المشهور ذهبوا إلى وجوب(1) المقدّمة، فهليمكن أن ينسب إليهم أنّهم ذهبوا إلى أمر واضح البطلان؟!
نظريّة الإمام رحمهالله في المقام
ثمّ للإمام قدسسره في تحرير محلّ النزاع كلام يحتاج بيانه إلى مقدّمة:
وهي أنّ الأعمال الصادرة من الإنسان مباشرةً مسبوقة بالإرادة التي أحدمبادئها هو التصديق بالفائدة، ولكن هذه الأفعال لا يلزم أن تكون ذات فائدةفي الواقع أيضاً، إذ ربما كان علم المريد جهلاً مركّباً، كما أنّه قد يتصوّر شيئاً وليرى فيه أيّة فائدة، فيتركه مع كونه مشتملاً عليها في الواقع.
وأيضاً إذا أمر المولى عبده بفعل فقد يخطأ في مقدّماته، إذ قد يرى شيئمقدّمة مع عدم كونه كذلك واقعاً، وقد ينعكس الأمر، فلا يرى ما هو مقدّمةفي الواقع مقدّمة، أو لا يلتفت إليه أصلاً، فحينئذٍ لا يمكن تعلّق إرادته به، لعدمتمكّن الغافل من إرادة المغفول عنه.
إن قلت: الشارع العالم بالغيب والملتفت إلى كلّ شيء بريء عن الغفلةوالخطأ في التشخيص.
قلت: نعم، ولكنّ البحث يعمّ أوامر الموالي العرفيّة أيضاً، ولا يختصّ بأوامر
- (1) وبتعبير آخر: إلى وجود الملازمة. منه مدّ ظلّه.