ج2
الخراساني(1)، إنتهى موضع الحاجة من كلامه.
نقد كلام صاحب الكفاية والإمام رحمهماالله في المقام
أقول: للتكليف معنيان: لأنّه يكون تارةً بمعنى المصدر، وهو إنشاء الحكممن قبل المولى، أعني قوله مثلاً: «أكرم زيداً»، واُخرى بمعنى اسم المصدر، وهوالحكم الفعلي.
وما ذكره صاحب الكفاية وسيّدنا الاُستاذ صحيح بالنسبة إلى الأوّل دونالثاني، لأنّ الشرط وإن كان بوجوده الذهني دخيلاً في إنشاء الحكم دائماً إلأنّه بوجوده الخارجي دخيل في الحكم الفعلي، ألاترى أنّه إذا قيل: «إذا غربتالشمس تجب عليك صلاة المغرب» فما هو دخيل في وجوب الصلاة إنّما هوالغروب الخارجي، وأيضاً إذا قيل: «إن جاءك زيد فأكرمه» فالمجيء الخارجيشرط لفعليّة التكليف على العبد، وأمّا الصورة الحاصلة في ذهن المولى منالغروب أو مجيء زيد فهي شرط الإيجاب والإنشاء، لا شرط فعليّة الوجوب.
وحينئذٍ فلو كان شرط الوجوب متقدِّماً عليه، كما إذا قال: «إن جائكزيد فأكرمه بعده بيوم» فكيف يمكن الجمع بينه وبين القاعدة العقليّةالمتقدِّمة؟
الحقّ المختار في المقام
والحقّ في الجواب ما تقدّم عن المحقّق العراقي رحمهالله من أنّ الأحكامالشرعيّة اُمور اعتباريّة، وكما يمكن للمعتبر أن يجعل الاُمور المقارنةللاعتباريّات شروطاً لها يمكن له أيضاً أن يجعل الاُمور المتقدِّمة أو المتأخِّرة
- (1) تهذيب الاُصول 1: 302.
(صفحه252)
كذلك.
نعم، إسرائه إلى الحقائق التكوينيّة غير صحيح كما عرفت.
وبالجملة: مورد القاعدة هو الاُمور الواقعيّة، ولا ترتبط بالاعتباريّات،فلا يلزم انخرامها بالشروط الشرعيّة المتقدّمة على المشروط أوالمتأخّرة عنه.
إن قلت: المقدّمات الشرعيّة أيضاً مشمولة للقاعدة بناءً على ما ذكرت منرجوعها إلى المقدّمات العقليّة.
قلت: كلاّ، فإنّ معنى رجوعها إليها أنّ الحاكم باستحالة تحقّق المشروطبدون الشرط هو العقل، سواء كانت الشرطيّة مدرَكةً عقلاً أو بيّنها الشارع كمعرفت، وأمّا اعتبار الطهارة مثلاً شرطاً للصلاة فهو بيد الشارع وجعله كمتقدّم، فالشروط الشرعيّة راجعة إلى العقليّة بحسب الكبرى، لا بحسبالصغرى التي هي ملاك كونها اعتباريّة أو حقيقيّة.
ولعلّ منشأ توهّم شمول القاعدة العقليّة الشرائط الشرعيّة كالعلل التكوينيّةهو التعبير عن بعضها بالسبب وعن بعضها الآخر بالشرط وعن بعضهالثالث بالمانع، كالتكوينيّات، حيث إنّه يقال: «عقد النكاح سبب للزوجيّة،والاستطاعة شرط لوجوب الحجّ، والحدث مانع عن الصلاة» ونحوها منالتعبيرات الوارد بعضها في الروايات أيضاً، كما يقال في الحقائق التكوينيّة:«النار سبب للإحراق، ومجاورتها للمادّة المحترقة شرط له، ورطوبة تلك المادّةمانعة عنه».
ولكنّهم غفلوا عن أنّ إطلاق كلّ من السبب والشرط والمانع فيالتكوينيّات إنّما هو بملاك خاصّ به، فالسبب ما يؤثّر في المعلول، والشرطليس مؤثّراً فيه، بل يربط السبب به، والمانع ما يمنع من تأثير السبب في مسبّبه،
ج2
ولأجل هذا لا يصحّ إطلاق كلّ منها مكان الآخر، فلا يقال مثلاً: «عدمالرطوبة شرط للإحراق» لأنّ الشرط كما عرفت يوجد الربط بين المقتضيوالمقتضي لكي يحصل التأثير والتأثّر، والعدم ليس شيئاً حتّى يوجد الربط به،ولا فرق في ذلك بين العدم المطلق والمضاف على ما هو التحقيق، فالرطوبةوجودها مانع عن الإحراق، لا أنّ عدمها شرط له، كما أنّ المجاورة وجودهشرط، لا أنّ عدمها مانع.
لا يقال: نحن نرى أنّ الإحراق كما ينعدم بعدم النار كذلك ينعدم بعدمالمجاورة وبوجود الرطوبة، فنستنتج أنّ النسبة بين هذه الاُمور الثلاثة وبينالإحراق في حدٍّ سواء.
فإنّه يقال: كلاّ، فإنّ الأمر وإن كان بالنسبة إلى عدم المعلول كذلك، أي ليُرى فرق بين هذه الاُمور الثلاثة عند عدم المعلول، إلاّ أنّ الفرق بينها عندوجوده واضح لا يخفى، فإنّك لو قلت: النار شرط للإحراق، أو المجاورة سببله يضحك العقلاء.
والحاصل: أنّ لكلّ من السبب والشرط والمانع ملاكاً خاصّاً فيالتكوينيّات، بخلاف الشرعيّات، فإنّ إطلاق الشرط على مثل الاستطاعةوالبلوغ، والسبب على مثل عقد البيع وزوال الشمس ليس بملاك خاصّ،فيمكن لنا أن نعكس التعبير، بل لعلّ إطلاق السبب على الاستطاعة والبلوغ،والشرط على عقد البيع وزوال الشمس كان أولى من العكس، لأنّالاستطاعة بالنسبة إلى وجوب الحجّ والبلوغ بالنسبة إلى جميع التكاليفكالمؤثّر بالنسبة إلى المتأثِّر في التكوينيّات، وأمّا الملكيّة عقيب عقد البيعفجاعلها هو الشارع والعقلاء، لا أنّ العقد هو موجدها وجاعلها، فدوره دورالشرط لا دور السبب، فلا دليل على بطلان قولنا: «عقد البيع والنكاح شرط
(صفحه254)
لجعل الملكيّة والزوجيّة من قبل الشارع والعقلاء».
ومن هنا يعلم أنّ تسمية هذه الاُمور بالسبب والشرط والمانع في لسانالشارع إنّما هي من باب الاستعارة وتشبيهها بالعلل التكوينيّة من دون أنتكون ملاكاتها فيها.
هذا كلّه في شرائط التكليف.
في شرائط الوضع المتقدِّمة عليه أو المتأخِّرة عنه
ما أفاده صاحب الكفاية في المقام
وأجاب المحقّق الخراساني رحمهالله عن شرائط الوضع أيضاً(1) بعين ما أجاب بهعن شرائط التكليف، فإنّه قال: وكذا الحال في شرائط الوضع مطلقاً، ولو كانمقارناً، فإنّ دخل شيء في الحكم به وصحّة انتزاعه لدى الحاكم به ليس إلاّ مكان بلحاظه يصحّ انتزاعه، وبدونه لا يكاد يصحّ اختراعه عنده، فيكون دخلكلّ من المقارن وغيره بتصوّره ولحاظه، وهو مقارن، فأين انخرام القاعدةالعقليّة في غير المقارن، فتأمّل تعرف(2).
نقد نظريّة المحقّق الخراساني رحمهالله في المقام
ويرد عليه هنا نفس ما أوردناه عليه في شرائط التكليف، فإنّ الشارعحينما يقول: «لو أجاز المالك العقد الفضولي لكان المشتري مالكاً للمبيع منحين العقد» فلابدّ له من تصوّر الإجازة، فتصوّرها دخيل في حكم الشارع
- (1) ومثال شرط الوضع المتأخّر عنه هو الإجازة في العقد الفضولي بناءً على الكشف الحقيقي، حيث إنّالملكيّة متقدّمة على شرطها. منه مدّ ظلّه.
ج2
بالملكيّة من حين العقد، وأمّا نفس الملكيّة فمتوقّفة على الإجازة الخارجيّة، وليكفي في حصولها تصوّر الإجازة كما لا يخفى.
بيان ما هو الحقّ في الجواب عن الإشكال
والجواب الصحيح هاهنا أيضاً نفس الجواب المتقدّم في شرائط التكليف،فإنّ الأحكام الوضعيّة أيضاً اُمور اعتباريّة، فعنانها بيد المعتبر، لهأن يجعل الاُمور المتقدِّمة أو المتأخّرة شروطاً لها، كما أنّ له أن يجعل الاُمورالمقارنة كذلك.
في شرائط المأمور به المتقدّمة عليه أو المتأخّرة عنه
كلام المحقّق الخراساني رحمهالله فيه
وأمّا شرائط المأمور به فأجاب صاحب الكفاية عنها بما تقدّم من المحقّقالعراقي رحمهالله من رجوع الشرطيّة إلى الإضافة وإمكان تحقّقها قبل تحقّق المضافإليه أو بعده، فإليك نصّ كلامه:
وأمّا الثاني(1) فكون شيء شرطاً للمأمور به(2) ليس إلاّ ما يحصل لذاتالمأمور به بالإضافة إليه وجه وعنوان به يكون حسناً أو(3) متعلّقاً للغرض،
- (1) أي شرائط المأمور به. ولا يخفى أنّ قضيّة العبارة جعله ثالثاً، إلاّ أنّه لمّا قاس الوضع على التكليف منغير أفراده بعنوان مستقلّ جعل شرط المأمور به أمراً ثانياً. م ح ـ ى.
- (2) لا يقال: شرط المأمور به يرجع إلى شرط الوضع، لأنّ الأغسال الليليّة مثلاً من شرائط صحّة صومالمستحاضة، ولا ريب في أنّ الصحّة من الأحكام الوضعيّة.
فإنّه يقال: قد عرفت أنّ مقدّمة الصحّة ترجع إلى مقدّمة الوجود، فغسل المستحاضة في الليلة الآتية دخيلفي تحقّق المأمور به، ولو لم تغتسل لما أتت بما وجب عليها أصلاً، لا أنّها أتت بالمأمور به الفاسد، إذ لينقسم المأمور به إلى صحيح وفاسد، فإنّ الفاسد لا يكون متعلّقاً للأمر أصلاً. منه مدّ ظلّه.
- (3) الترديد إنّما هو لأجل الاختلاف الواقع بين العدليّة والأشاعرة، فقوله: «حسناً» ناظر إلى مذهب العدليّةالقائلين بالحسن والقبح العقليّين وأنّ الأمر والنهي تابعان للمصلحة والمفسدة الموجودتين فيمتعلّقيهما، وقوله: «متعلّقاً للغرض» ناظر إلى مذهب الأشاعرة الذين ينكرونهما. منه مدّ ظلّه.