وبعبارة اُخرى: إنّ الذي ندركه بالوجدان هو تقدّم الجزء الأوّل من الزمانبالذات على الجزء الثاني، وتأخّر الجزء الثاني أيضاً بالذات على الجزء الأوّل،وهما ليسا بمتضايفين، ولا من موارد القاعدة الفرعيّة، واللذان هما من مصاديقالمتضايفين ومن موارد القاعدة هما المتقدّم والمتأخّر بوصف كونهما متقدّمومتأخّراً، وفيهما ليس اتّصاف الأوّل بالتقدّم متقدّماً على اتّصاف الثانيبالتأخّر لا زماناً ولا رتبةً(1).
ويتأيّد هذا بأنّ تقدّم رتبة العلّة على رتبة المعلول أيضاً مربوط بذاتيهما،يعني ذات العلّة متقدّمة على ذات المعلول، وهما ليسا من المتضايفين، وأمّالعلّة بوصف كونها علّة، والمعلول بوصف كونه معلولاً ليس بينهما تقدّموتأخّر لا زماناً ولا رتبةً، وهما اللذان من المتضايفين.
ويدلّ عليه أيضاً تقسيم أهل المعقول التقابل إلى أربعة أقسام: «التضايف،التضادّ، التناقض، العدم والملكة» مع أنّ نفس التقابل من مصاديق التضايف،فكيف جعل المقسم مصداقاً لأحد أقسامه؟ وكذلك كلّ من التضادّ والتناقضمن مصاديقه، فكيف جعل الشيء مصداقاً لقسيمه أوّلاً، وكيف يتحقّقالتضايف بوجود أحد المتضايفين وعدم الآخر ثانياً؟
توضيح ذلك: أنّ بين السواد والبياض مثلاً تضادّاً، فلا يمكن أن يتحقّق فيموضوع واحد إلاّ أحدهما، فكيف يمكن القول بأنّ التضادّ من مقولة الإضافةمع أنّ أحد طرفيه موجود والآخر معدوم، والمتضايفان متكافئان وجودوعدماً وقوّةً وفعلاً؟
وحلّه أنّ المتقابلين وإن كانا بحسب ذاتهما ينقسمان إلى الأقسام الأربعةالمذكورة، إلاّ أنّهما بحسب اتّصافهما بوصف التقابل يندرجان تحت المتضايفين،والمتضادّان والمتناقضان أيضاً كذلك، فإنّهما بحسب ذاتهما يندرجان تحتالتضادّ والتناقض وبحسب وصفهما يندرجان تحت التضايف.
فلا يلزم شيء من المحاذير المذكورة من دخول المقسم في قسمه وكونالشيء مصداقاً لقسيمه وتحقّق التضايف بوجود أحد المتضايفين.
والجزء المتقدّم من الزمان أيضاً بذاته متقدّم على الجزء المتأخّر،والمتضايفان هما المتقدّم والمتأخّر بوصف كونهما كذلك.
والزمانيّات أيضاً هكذا(1)، وإن كان بينهما فرق من وجهين: 1ـ أنّ التقدّموالتأخّر في الزمان بالأصالة وفيها بتبع الزمان، 2ـ أنّه يطلق على الجزء الأوّلمن الزمان أنّه متقدّم في ظرف وجوده قبل تحقّق الجزء الثاني، لأنّه محقّقالوقوع، فيقال: «اليوم متقدّم على الغد» بخلاف الزمانيّات، فلا يقال: «قيام زيدفي اليوم متقدّم على قيام عمرو في الغد» لأنّ الأمر الزماني المتأخّر ليس أمرمحقّق الوقوع، بل يمكن أن يتحقّق، فيصدق على الزماني الذي تحقّق في الزمنالأوّل عنوان المتقدّم، ويمكن أن لا يتحقّق فلا يصدق عليه هذا العنوان، فلابدّمن أن ننتظر الجزء الثاني من الزمان، فإن تحقّق الزماني الثاني فيه نكشف أنّالزماني الأوّل كان في ظرف وجوده متقدِّماً عليه، وإلاّ فلا.
- (1) أي التقدّم والتأخّر فيها أيضاً بحسب الذات. م ح ـ ى.
(صفحه260)
إذا عرفت هذا فنقول في حلّ إشكال شرط الوضع المتأخّر عنه كالإجازةالمتأخّرة عن عقد الفضولي، وشرط المأمور به المتأخّر عنه كأغسالالمستحاضة في الليل الآتي المعتبرة في صحّة صومها الماضي:
شرطيّة هذه الاُمور ترجع إلى أنّ الشرط هو تقدّم العقد ذاتاً على الإجازةوتقدّم الصوم ذاتاً على الغسل، وهذا من قبيل الشرط المقارن لا المتأخّر، لأنّالإجازة والغسل كاشفان عن كون عقد الفضولي في ظرف وجوده متقدِّماً علىالإجازة ذاتاً، والصوم متقدّماً على الغسل كذلك.
لا يقال: هذه اُمور عقليّة لا يفهمها العرف.
فإنّه يقال: نعم، ولكن إشكال انخرام القاعدة العقليّة بهذه الاُمور الشرعيّةأيضاً أمر عقلي، فلابدّ من حلّه عقلاً، وأمّا العرف فكما لا يفهمون هذا الجوابالعقلي فهم لا يفهمون أيضاً تلك القاعدة العقليّة وانخرامها بهذه الاُمورالشرعيّة(1).
هذا حاصل ما أجاب به الإمام رحمهالله عن إشكال شرائط الوضع والمأمور بهالمتأخّرة عنهما.
وهو كلام دقيق متين من الجهة العلميّة، ولكن قد عرفت أنّ تلك القاعدةالعقليّة لا ترتبط بالاُمور الاعتباريّة كالأحكام الوضعيّة والتكليفيّة والشروطالشرعيّة بناءً على ما هو الحقّ من كون شرطيّتها اعتباريّة.
نعم، بناءً على كون شرطيّتها أمراً واقعيّاً نجيب عن الإشكال الوارد فيشروط المأمور به بما ذكره الإمام قدسسره ولكنّه مجرّد فرض.
كلام المحقّق النائيني رحمهالله في الشّرط المتأخّر
- (1) تهذيب الاُصول 1: 303.