ج2
إحداهما: كون المقتضي ـ بالكسر ـ مغايراً للمقتضى ـ بالفتح ـ ،والاُخرى: كونه علّة له مؤثّراً فيه.
ولايخفى أنّ الاقتضاء في المقام ليس بمعناه الحقيقي؛ لأنّ الإيجاب والتحريمأمران اعتباريّان، فلايكون أحدهما علّة مؤثّرة في الآخر؛ لاختصاص التأثيروالتأثّر بالاُمور الحقيقيّة، فلابدّ من أن يكون استعماله بنحو المجاز، ولا يصحّاستعماله مجازاً إلاّ إذا كان المقتضي مغايراً للمقتضى بعد عدم تحقّق خصوصيّتهالاُخرى أعني التأثير والعلّيّة، فإنّ المجاز ـ بناءً على ما تقدّم من أنّ الحقّ هوالذي اختاره الإمام رحمهالله تبعاً لاُستاذه المحقّق الاصفهاني «صاحب كتاب وقايةالأذهان» رحمهالله ـ عبارة عن استعمال اللفظ في معناه الحقيقي بادّعاء أنّ المورد فردمنه، ولا يصحّ هذا الادّعاء فيما إذا كان المراد فاقداً لجميع خصوصيّاتالموضوع له.
وكذا الحال بناءً على المشهور من كون المجاز استعمال اللفظ في غير ما وضعله، ضرورة أنّهم أيضاً لا يجوّزون استعماله في أيّ شيء ولو لم يكن بينه وبينالمعنى الحقيقي علاقة.
فلمّا لم يكن بين المقتضي والمقتضى في المقام علّيّة ومعلوليّة فلو لم يكونمتغايرين أيضاً لم يكن مصحّح للاستعمال المجازي، لفقدان كلتا الخصوصيّتينالمعتبرتين في المعنى الحقيقي.
فلا يصحّ أن يكون الاقتضاء في عنوان البحث أعمّ من الدلالات الثلاث؛لأنّ في العينيّة والجزئيّة فقدان المغايرة بين المقتضي والمقتضى(1)، فلابدّ من أنيكون مختصّاً بالدلالة الالتزاميّة.
- (1) أمّا عدم المغايرة في فرض كون النهي عن الضدّ عين الأمر بالشيء فواضح، وأمّا في فرض كونه جزءًمنه فلعدم كفاية المغايرة بنحو الكلّيّة والجزئيّة في صدق الاقتضاء. م ح ـ ى.
(صفحه410)
والقول بالعينيّة والجزئيّة مع قطع النظر عن عنوان «الاقتضاء» أيضاً واضحالبطلان، فإنّ تغاير مفهوم وجوب إزالة النجاسة عن المسجد مع مفهوم حرمةالصلاة أمرٌ بديهي، وكذا تغايره مع مفهوم حرمة ترك الإزالة، ضرورة أنّه ليخطر بالبال عند سماع «أزل النجاسة عن المسجد» حرمة الصلاة، ولا حرمةترك الإزالة، فالقول بأنّ الأمر بالشيء عين النهي عن ضدّه الخاصّ أو العامّضروري البطلان، وكذا القول بأنّ النهي عن الضدّ الخاصّ جزء من الأمربالشيء، لوضوح أنّ حرمة الصلاة ليست بعض مفهوم وجوب إزالة النجاسةعن المسجد، وأمّا النهي عن الضدّ العامّ فهو وإن كان جزءاً من الأمر بالشيءبناءً على كون الوجوب مركّباً من طلب الفعل والمنع من الترك، إلاّ أنّه خلافالتحقيق، فإنّك قد عرفت أنّ الوجوب أمر بسيط، وهو البعث والتحريكالاعتباري(1)، على أنّه وإن كان يصحّح الجزئيّة بالنسبة إلى النهي عن الضدّالعامّ، إلاّ أنّه لا يصحّحها مطلقاً، حتّى بالنسبة إلى النهي عن الضدّ الخاصّ.
فلابدّ من تخصيص النزاع بصورة الالتزام، لأنّ تعميمه بحيث يشملالمطابقة والتضمّن، يستلزم كون النزاع في أمر ضروري البطلان، وهو لا يليقبحال العلماء المحقّقين.
ولو أبيت إلاّ من التعميم بغمض العين عن وضوح بطلان المطابقة والتضمّنفلابدّ من تبديل كلمة «الاقتضاء» في عنوان البحث بكلمة «الدلالة» ونحوها،بأن يقال: «الأمر بالشيء هل يدلّ على النهي عن ضدّه أم لا؟» لما عرفت منعدم إمكان تصحيح كلمة «الاقتضاء» بالنسبة إلى العينيّة والجزئيّة ولو بنحوالمجازيّة، بخلاف كلمة «الدلالة» التي تعمّ الدلالات الثلاث.
- (1) لا يخفى أنّ هذا يدلّ على أصل بطلان القول بالجزئيّة بالنسبة إلى الضدّ العامّ، لا على وضوح بطلانه، كمهو المدّعى. م ح ـ ى.
ج2
بل لابدّ من تبديل «الاقتضاء» بمثل «الكشف» أو «الدلالة» أو«الاستلزام» حتّى في الالتزام، لأنّ استعمال كلمة «يقتضي» وإن كان صحيحفيه بنحو المجازيّة، إلاّ أنّ هذا البحث يشتمل على مطالب علميّة كثيرة دقيقة،ويترتّب عليه ثمرات كثيرة فقهيّة، ولا يناسب تفهيم هذه المسألة بعنوانمجازي، كما لا يجوز استعمال الصيغ المتضمّنة للألفاظ المجازيّة في المعاملات التيمنها النكاح، لأهمّيّتها، فلابدّ من أن يقال في عنوان البحث «الأمر بالشيء هليستلزم النهي عن ضدّه؟» ونحو ذلك، كي يكون استعمال الألفاظ بنحو الحقيقةفي هذه المسألة.
إن قلت: يمكن أن يراد من كلمة «يقتضي» أيضاً معناه الحقيقي، لتحقّقالخصوصيّتين المعتبرتين في معناه في المقام، أمّا المغايرة بين المقتضي والمقتضىـ وهما الأمر بالشيء والنهي عن ضدّه ـ فظاهرة على الالتزام، وأمّا تأثيرالمقتضي في المقتضى فيمكن القول بتحقّقه أيضاً في المقام؛ لأنّ عدم الضدّ مقدّمةلفعل المأمور به بناءً على الاقتضاء(1)، فوجوبه معلول لوجوبه بناءً على القولبالملازمة في باب مقدّمة الواجب، فالبحث يرجع إلى أنّ وجوب الشيء هليكون علّة لوجوب ترك ضدّه، فيحرم فعله أم لا(2)؟ فلا إشكال في استعمالكلمة «يقتضي» وإرادة معناه الحقيقي في المقام.
قلت: قد عرفت في مبحث المقدّمة فساد القول بمعلوليّة وجوبها منوجوب ذيها وترشّحه منه.
- (1) فانّ المقدّميّة اساس دليل القائلين بالاقتضاء كما سيأتي. م ح ـ ى.
- (2) سيأتي أنّه لابدّ للقائل بالاقتضاء في الضدّ الخاصّ من ثلاثة اُمور: 1ـ أنّ ترك الضدّ مقدّمة لفعل ضدّه،2ـ أنّ الملازمة متحقّقة بين وجوب ذي المقدّمة ووجوبها، 3ـ أنّ وجوب الشيء مستلزم لحرمة نقيضه،فترك الصلاة مثلاً مقدّمة لإزالة النجاسة عن المسجد، فهو واجب غيري، كما أنّ الإزالة واجبة نفسيّة،ففعل الصلاة حرام غيري، لاستلزام وجوب الترك لحرمة نقيضه وهو الفعل، ولابدّ للقائل بعدم الاقتضاءمن إنكار هذه الاُمور الثلاثة أو بعضها. منه مدّ ظلّه.
(صفحه412)
في البحث عن أدلّة القول بالاقتضاء
البحث حول أدلّة القول بالاقتضاء
تمسّك القائلون بالاقتضاء بوجهين:
الوجه الأوّل: طريقة المقدّميّة
وهي أنّ ترك الضدّ مقدّمة لفعل المأمور به(1)، فهو واجب، لوجوب مقدّمةالواجب(2)، ونقيض هذا الترك ـ وهو فعل الضدّ ـ حرام، لأجل استلزاموجوب الشيء لحرمة نقيضه.
واستدلّوا لإثبات كون ترك أحد الضدّين مقدّمة لفعل الضدّ الآخر بوجودالتعاند والتمانع بينهما، فوجود كلّ منهما متوقّف على عدم الآخر توقّف الشيءعلى عدم مانعه.
إشكال صاحب الكفاية رحمهالله على ما أفاده القائل بالاقتضاء
- (1) اختلفوا في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
أحدها: مقدّميّة عدم الضدّ لوجود الضدّ الآخر مطلقاً،
الثاني: عدم مقدميّته له كذلك،
الثالث: التفصيل بين ما إذا كان موجوداً حين تحقّق الضدّ الآخر وبين ما إذا لم يكن موجوداً حينئذٍ، فعدمهمقدّمة في الأوّل دون الثاني، فلو كنت مشتغلاً بالصلاة مثلاً فتركها مقدّمة للإزالة، وإلاّ فلا. منه مدّ ظلّه.
- (2) لا يخفى عليك فساد هذا الأمر بناءً على ما اخترناه في باب مقدّمة الواجب من عدم الملازمة بين وجوبالشيء ووجوب مقدّمته. منه مدّ ظلّه.
ج2
وناقش فيه المحقّق الخراساني رحمهالله بأنّ المعاندة والمنافرة بين الشيئين لاتقتضيإلاّ عدم اجتماعهما في التحقّق، وحيث لا منافاة أصلاً بين أحد العينين وما هونقيض الآخر وبديله، بل بينهما كمال الملائمة كان أحد العينين مع نقيض الآخروما هو بديله في مرتبة واحدة(1)، من دون أن يكون في البين ما يقتضي تقدّمأحدهما على الآخر كما لا يخفى(2)، إنتهى.
البحث حول ما أفاده المحقّق الخراساني رحمهالله في المقام
ونوقش فيه بأنّ كمال الملائمة لا ينافي التقدّم والتأخّر، فإنّ بين عدم العلّةوعدم المعلول كمال الملائمة، مع أنّ عدمها متقدّم على عدمه رتبةً، لا لأجلعلّيّة عدم العلّة لعدم المعلول، فإنّ القول بعلّيّته له مبنيّ على المسامحة، ومرجعهإلى تحقّق العلّيّة بين وجوديهما، بل لأجل كون النقيضين في مرتبة واحدة كماعترف به المحقّق الخراساني رحمهالله أيضاً، توضيحه: أنّ وجود العلّة متقدّم رتبةًعلى وجود المعلول بلا إشكال، فعدمها أيضاً متقدّم على عدمه؛ لأنّ العدمنقيض الوجود، فعدم كلّ منهما في مرتبة وجوده بمقتضى ما تقدّم من كونالنقيضين في مرتبة واحدة، فتقدّم رتبة العلّة على رتبة المعلول يقتضي تقدّمعدمها على عدمه رتبةً مع تحقّق كمال الملائمة بينهما.
ولكنّ المحقّق الخراساني رحمهالله أكمل كلامه المتقدّم بوجه آخر، وهو قوله: فكمأنّ قضيّة المنافاة بين المتناقضين لا تقتضي تقدّم ارتفاع أحدهما في ثبوتالآخر كذلك في المتضادّين(3)، إنتهى.
وأوضحه تلميذه المحقّق القوچاني في حاشيته على الكفاية بكلام يرجع إلى
- (1) مع أنّ المقدّمة لابدّ من أن تكون متقدّمة على ذيها رتبةً. م ح ـ ى.