(صفحه414)
مقدّمات ثلاث:
الاُولى: أنّ النقيضين في رتبة واحدة، بمعنى أنّ الوجود في ظرف معيّن منالزمان أو في مرتبة من مراتب الواقع ليس نقيضه إلاّ العدم في ذلك الزمان أوتلك المرتبة، إذ لا تعاند في غير هذا الوجه، إذ عدم زيد في الغد لا يعاندوجوده في اليوم، وعدم المعلول في رتبة العلّة لا يباين وجوده في مرتبة نفسه،وبعبارة اُخرى: ليس نقيض الوجود في زمان أو رتبة، العدم مطلقاً، بل نقيضههو العدم البدلي، أي العدم الذي يقوم مقام الوجود بدلاً عنه لولاه، وهو العدمالمقيّد بكونه في زمان الوجود ورتبته.
الثانية: أنّ الضدّين أيضاً في مرتبة واحدة وفي زمان واحد، لأجل البيانالمتقدّم في النقيضين، مثلاً لو فرضنا تحقّق أحد الضدّين كالبياض في ظرف منالزمان فضدّه هو السواد في تلك القطعة من الزمان؛ لعدم المنافاة لو تحقّقا فيقطعتين، ضرورة أنّ الجدار مثلاً يمكن أن يكون أبيض في اليوم ويصير أسودغداً، فالبينونة الحقيقيّة بين الضدّين لا تتحقّق إلاّ بالمطاردة، وهي تتوقّف علىاتّحادهما زماناً ورتبةً، وببيان آخر: إنّ مناط امتناع اجتماع الضدّين هو لزوماجتماع النقيضين الذي هو اُمّ القضايا، ومناط الامتناع فيه إنّما يكون مع وحدةالرتبة كما تقدّم، فكذلك في اجتماع الضدّين.
الثالثة: أنّا نستنتج من هاتين المقدّمتين أنّ أحد الضدّين مع نقيض الآخرفي رتبة واحدة، توضيح ذلك: أنّه علم أنّ البياض مع نقيضه وهو عدم البياضفي رتبة واحدة، وعلم أيضاً أنّ البياض مع السواد واقعان في مرتبة واحدة،فيستنتج أنّ نقيض البياض متّحد مع السواد رتبة.
فنقول في المقام:
عدم الصلاة يكون في رتبة وجودها، لما سبق في المقدّمة الاُولى من وحدة
ج2
رتبة النقيضين، ووجود الصلاة يكون في رتبة وجود الإزالة، لما تقدّم فيالمقدّمة الثانية من اتّحاد رتبة الضدّين، فعدم الصلاة يكون في رتبة وجودالإزالة، فكيف يكون مقدّمة لها مع أنّ شيئاً لا يكاد يكون مقدّمة لشيء آخرإلاّ إذا كان متقدّماً عليه رتبةً، ضرورة تقدّم رتبة العلّة على رتبة المعلول، سواءكانت علّة تامّة أو جزءً لها.
إشكال الإمام الخميني رحمهالله على هذا الدليل
وناقش سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام رحمهالله في جميع هذه الاُمور الثلاثة:
أمّا أوّلها: فبمنع كون النقيضين في رتبة واحدة، لأنّ وجود المعلول في رتبةعلّته ليس نقيضه كون عدمه في رتبتها، إذ لا واقعيّة للأعدام حتّى تشغل مرتبةمن مراتب الواقع، بل نقيضه سلب وجود المعلول في هذه المرتبة، على أنتكون الرتبة قيداً للمسلوب لا للسلب. وبالجملة: إنّ نقيض كلّ موجود فيأيّ مرتبة أو زمان هو عدم الموجود الواقع في هذه الرتبة أو ذلك الزمان، فإذكذب كون المعلول في رتبة علّته صدق عدم كونه في رتبتها، لا كون عدمه فيرتبتها، فإنّه أيضاً غير صادق.
فتلخّص أنّ نقيض كون المعلول في رتبة العلّة عدم كونه في رتبتها، لا كونالعدم في رتبتها حتّى يقال: إنّ النقيضين في رتبة واحدة.
وأمّا ثانيها: فبأنّ الضدّين وإن كانا لا يجتمعان في زمان واحد، إلأنّه لا دليل على اتّحادهما بحسب الرتبة(1) أيضاً؛ لأنّ الرتبة ليستأمراً محسوساً وجدانيّاً كالزمان، بل أمرٌ عقلي، والعقل لا يحكم
- (1) ولابدّ للمحقّق الخراساني والقوچاني رحمهماالله من إثبات اتّحادهما رتبةً للوصول إلى المقصود وهو نفيمقدّميّة عدم أحدهما للآخر، لأنّ عدم أحدهما من قبيل عدم المانع كما جاء في دليل القائل بالاقتضاء،وعدم المانع جزء للعلّة التامّة، وتقدّم العلّة على المعلول إنّما هو بحسب الرتبة لا الزمان. م ح ـ ى.
(صفحه416)
بشيء بدون الملاك، فهو يحكم بتقدّم العلّة على المعلول رتبةً بملاك أنّهتفيضه وتوجده، وبتأخّر المعلول عن العلّة كذلك بملاك أنّ وجوده نشمنها، وباتّحاد رتبة المعلولين لعلّة واحدة بملاك عدم كون أحدهما أنقص منالآخر في المعلوليّة للعلّة المشتركة، وملاك الاتّحاد الرتبي لا يوجد فيالضدّين(1).
إن قلت: يكفي الاتّحاد الزماني في إثبات الاتّحاد الرتبي.
قلت: كلاّ، فإنّ العلّة والمعلول متّحدان زماناً، مختلفان رتبةً، فالاتّحادالزماني لا يدلّ على تحقّق الاتّحاد الرتبي أيضاً.
وأمّا ثالثها: فبأنّه لو سلّم كون النقيضين والضدّين في رتبة واحدة، فلإنكارلزوم كون أحد العينين في رتبة نقيض الآخر مجال واسع، لعدم البرهان على أنّالرتب العقليّة حكمها حكم الزمان في الخارج(2)، لو لم نقل بأنّ البرهان قائمعلى خلافه، لأنّ للرتب العقليّة ملاكات خاصّة، ربما يكون الملاك موجوداً فيالشيء دون متّحده في الرتبة، ألاترى أنّ ملازم العلّة لا يكون مقدّماً علىالمعلول رتبةً، لفقدان ملاك التقدّم فيه، وهو كون وجوب الشيء من وجوبهووجوده من وجوده(3)،(4).
- (1) كما لا يوجد ملاك التقدّم والتأخّر الرتبيّين بينهما أيضاً. م ح ـ ى.
- (2) حيث إنّا بعد علمنا بأنّ زيداً موجود في زمن عمرو وعمراً موجود في زمن بكر نعلم وجداناً بأنّ زيدموجود في زمن بكر. م ح ـ ى.
- (3) لا يقال: يمكن إقامة البرهان في المقام، وهو أنّ عدم أحد الضدّين في مرتبة وجوده، ووجوده في مرتبةالضدّ الآخر، فعدم أحد الضدّين في مرتبة الضدّ الآخر.
فإنّه يقال: هذا وإن كان بصورة قياس الشكل الأوّل بالنظر السطحي، إلاّ أنّ واقعه مغالطة، كمغالطة قولنبالفارسيّة: «ديوار موش دارد، وموش گوش دارد، پس ديوار گوش دارد»، ولابدّ من تشكيل القياس فيالمقام بهذه الكيفيّة: «عدم أحد الضدّين في مرتبة وجود ذلك الضدّ، وكلّ شيء في مرتبة وجود ذلكالضدّ في مرتبة الضدّ الآخر» وفي ضمن مثال واضح «عدم الصلاة في رتبة وجود الصلاة، وكلّ شيء فيرتبة وجود الصلاة في رتبة وجود الإزالة»، والكبرى في هذا القياس كاذبة. م ح ـ ى.
- (4) تهذيب الاُصول 1: 415.
ج2
كلام الإمام الخميني رحمهالله في المقام
وللإمام قدسسره تحقيق في المسألة يقتضي بطلان القولين، أعني القول بمقدّميّة عدمأحد الضدّين للضدّ الآخر، والقول باتّحادهما رتبةً، وهو أنّه لابدّ في كلّ قضيّةحمليّة موجبة من وجود الموضوع في الخارج إذا كان الحمل بلحاظ وجودهالخارجي، مثل «الجدار أبيض» وفي الذهن إذا كان بلحاظ وجوده الذهني،نحو «الإنسان كلّي»، ولو لم يكن الحمل بهذين اللحاظين فلابدّ من ثبوتالموضوع وتقرّره في نفس الأمر، وهو وعاء أوسع من الخارج والذهن، نحو«الإنسان ماهيّة من الماهيّات» فإنّ الجدار الموجود في الخارج متّصف بأنّهأبيض، والإنسان المتحقّق في الذهن متّصف بأنّه كلّي، والإنسان المتقرّر فينفس الأمر متّصف بأنّه ماهيّة.
والدليل على لزوم ثبوت الموضوع في الموجبات الحمليّة هو القاعدةالفرعيّة، أعني «ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له».
إن قلت: لا إشكال في أنّ الحمل في قولنا: «اجتماع النقيضين محال»و«شريك الباري ممتنع» إنّما هو بلحاظ وجود الموضوع خارجاً مع أنّه ليسبموجود في الخارج.
قلت: هذا النوع من القضايا وإن كانت موجبة ظاهراً إلاّ أنّهفي الحقيقة سالبة محصّلة مفادها «لا يكاد يمكن تحقّق اجتماع النقيضين وشريكالباري في الخارج»، والسالبة المحصّلة تصدق بانتفاء الموضوع أيضكما عرفت.
فعلى هذا لا مجال للقول بأنّ عدم أحد الضدّين مقدّمة للضدّ الآخر، أو
(صفحه418)
متّحد معه رتبةً، لأنّ العدم بطلان محض لا ثبوت له أصلاً، فكيف يمكن حملالمقدّميّة أو الاتّحاد في الرتبة عليه مع أنّ «ثبوت شيء لشيء فرع ثبوتالمثبت له».
إن قلت: فكيف أثبتوا في الفلسفة التأثير والتأثّر للعدم حيث قالوا: «عدمالعلّة علّة لعدم المعلول»؟
قلت: هذه القضيّة في الواقع تأكيد لقولهم: «وجود العلّة علّة لوجودالمعلول»، والمراد به أنّ ارتباط المعلول بالعلّة في غاية الشدّة بحيث لو انتفتالعلّة انتفى المعلول، لا أنّ لعدم العلّة ثبوتاً يؤثّر به في عدم المعلول فيصير هوأيضاً أمراً ثابتاً.
كيف وهم قالوا: «إنّ العدم بطلان محض لا ثبوت ولا شيئيّة له أصلاً»(1).
هذا حاصل كلام الإمام الخميني رحمهالله في المسألة.
ما أفاده المحقّق الاصفهاني رحمهالله في المقام
وللمحقّق الكبير، الاُصولي المتبحّر ـ الذي كان ماهراً في الفلسفة أيضاً الشيخ محمّد حسين الاصفهاني رحمهالله كلام يناقض كلام الإمام رحمهالله .
وهو أنّ التقدّم على قسمين: 1ـ علّي، 2ـ طبعي(2)، فالتقدّم العلّي وصفلوجوب الوجود لا لنفس الوجود، فإنّ العلّة ليست متقدّمة على المعلول، بلوجوبها متقدّم على وجوبه، أمّا التقدّم الطبعي فهو وصف للوجود، وهو علىأربعة أقسام: لأنّ المتقدّم إمّا مقوّم للمتأخّر، كما إذا كان جزئه، أو مقتضيهوفاعله، كالنار المقتضية للإحراق، أو متمّم(3) لفاعليّة الفاعل، كمحاذاة المادّة
- (1) تهذيب الاُصول 1: 417.
- (2) قال سيّدنا الحكيم رحمهالله ـ في حقائق الاُصول 1: 310 ـ : التقدّم الطبعي في الاصطلاح تقدّم العلّة الناقصةعلى المعلول، وأمّا تقدّم العلّة التامّة فهو التقدّم بالعلّيّة. م ح ـ ى.
- (3) ويعبّر عنه بالشرط. م ح ـ ى.