نعم، لو كان مادّة المشتقّات هي المصدر لكان لفظ «الأمر» مشتركاً بينالطلب وغيره، لكنّه واضح الفساد، لعدم كون المصدر بمادّته وهيئته محفوظاً فيالمشتقّات كما لا يخفى.
ثمّ يرد على قول صاحب الكفاية: «ولا يخفى أنّ عدّ بعضها من معانيه مناشتباه المصداق بالمفهوم»(2) أنّا لو قلنا مكان «جاء زيد لأمر كذا»: جاء زيدلغرض كذا، أو مكان «شغله أمر كذا»: شغله شأن كذا، كان صحيحاً، وهكذالأمر في سائر المعاني، ولا ينافيه استفادة الغرض من اللام أيضاً فيما إذا كانالأمر للغرض، فكيف يمكن ادّعاء استعماله في الموارد المذكورة في مصداقالغرض والشأن وغيرهما من المعاني لا في مفهومها؟! هذا أوّلاً.
وثانياً: لو كان المستعمل فيه هو المصداق وكان معنى قولنا: «جئتك لأمركذا» جئتك لملاقاتك مثلاً، فلو استعمل «الأمر» في الملاقاة بما أنّها مصداق«الغرض» لكان استعماله في مفهوم الغرض صحيحاً بطريق أولى، ولو استعمل
فيها بما أنّها مصداق «الشيء» لم يكن من اشتباه المصداق بالمفهوم في شيء،ضرورة أنّ اشتباه المصداق بالمفهوم يختصّ بما إذا قيس المصداق إلى مفهومنفسه لا إلى مفهوم آخر، مع أنّ المصداق في المقام أعني «الملاقاة» مصداقللغرض، والمفهوم هو مفهوم الشيء، فأين اشتباه المصداق بالمفهوم؟!
وقس على ما ذكرنا في «الغرض» سائر المعاني.
على أنّه رحمهالله قال بكون «الأمر» حقيقةً في مفهوم الشيء، فكيف حمله في هذهالموارد على إرادة مصداق الشيء لا مفهومه؟!
والحاصل: أنّه لو فرض صحّة الاشتراك اللفظي فلا وجه لحصر «الأمر» فيمعنيين: «الطلب» و«الشيء» وإخراج سائر المعاني عنه بعد استعماله فيها أيضاً.
ثمّ لا يخفى وجود التهافت في كلام المحقّق الخراساني رحمهالله ، حيث اختار ابتداءًكونالأمر مشتركاًلفظيّاً بينالطلب والشيء، ثمّقال بعدبيان معناه الاصطلاحي:
إنّما المهمّ بيان ما هو معناه عرفاً ولغةً(1)، ليحمل عليه فيما إذا ورد بلا قرينة،وقد استعمل في غير واحد من المعاني في الكتاب والسنّة، ولا حجّة على أنّهعلى نحو الاشتراك اللفظي أو المعنوي أو الحقيقة والمجاز، وما ذكر في الترجيحعند تعارض هذه الأحوال لو سلّم ولم يعارض بمثله فلا دليل على الترجيحبه، فلابدّ مع التعارض من الرجوع إلى الأصل في مقام العمل. نعم، لو علمظهوره في أحد معانيه ولو احتمل أنّه كان للانسباق من الإطلاق فليحملعليه وإن لم يعلم أنّه حقيقة فيه بالخصوص أو فيما يعمّه، كما لا يبعد أن يكونكذلك في المعنى(2) الأوّل(3)، إنتهى كلامه.
ومنافاته لما اختاره أوّلاً من الاشتراك اللفظي واضحة.
- (1) وذلك لأنّ خطاب الشرع محمول على المعنى العرفي. م ح ـ ى.
(صفحه10)
كلام المحقّق النائيني رحمهالله في المقام ونقده
وذهب المحقّق النائيني رحمهالله إلى كون «الأمر» مشتركاً معنويّاً، والجامعالموضوع له هو «الواقعة التي لها أهمّيّة في الجملة» وهذا المعنى تعمّ المعنىالاشتقاقي وغيره، فإنّ كلاًّ منها واقعة ذات أهمّيّة في الجملة(1).
وفيه أوّلاً: أنّ ظاهر كلامه أنّ هذا المعنى جامع حقيقي ذاتي(2) بين معانيالأمر، ولابدّ في الجامع الذاتي من اشتراك المعاني في الجنس(3)، ولا جنس فيالمقام، فإنّ الجنس إمّا أن يكون حدثيّاً أو غيره، فعلى الأوّل لا يشمل المعانيغير الحدثيّة، وعلى الثاني لا يعمّ المعنى الحدثي، فأين الجنس الجامع بينهما؟!
نعم، عنوان «الشيء» يعمّهما، لكنّه جامع عرضيّ لا ذاتي.
وثانياً: أنّ «الأمر» بالمعنى الحدثي الاشتقاقي يجمع على أوامر، وبالمعانيالاُخرى على اُمور، ولا يعقل أن يكون للفظ واحد ذي معنى واحد عامّجمعان اختصّ كلّ منهما بنوع واحد من ذلك المعنى العامّ.
وبالجملة: لو كان الأمر مشتركاً معنويّاً لم يكن له جمعان مختلفان من حيثاللفظ والمعنى كليهما. سلّمنا كونه مشتركاً معنويّاً، لكن ما ذكره من المعنى ليصلح للجامعيّة، إذ لو كان عنوان الأهمّيّة ولو في الجملة دخيلةً في معنى الأمرلم يصحّ تقسيم الأمر إلى قسمين: مهمّ وغير مهمّ.
إذا عرفت المناقشة في الاشتراك اللفظي والمعنوي فهل يوجد طريق ينحلّبه الإشكال؟
- (1) أجود التقريرات 1: 131.
- (2) الجامع ثلاثة: 1ـ ذاتي ماهوي، كالحيوان بالنسبة إلى أنواعه والإنسان بالنسبة إلى أفراده، 2ـ عرضي عامّ أوخاصّ كالماشي والضاحك، 3ـ انتزاعي اعتباري كالكائن في هذا المجلس، فإنّه يعمّ كلّ واحد منّا.منه مدّ ظلّه.
- (3) فإن كانت مشتركة في الفصل أيضاً كان جامعاً ذاتيّاً كاملاً. منه مدّ ظلّه.