ج2
حكم اللّه به، نظير أوامر الفقيه في الأحكام الشرعيّة بالنسبة إلى مقلّديه.
أمّا القسم الأوّل: فهو وإن كان ظاهراً في الوجوب كما فصّلناه، ولكنّه نادرجدّاً بالنسبة إلى القسم الثاني، الذي هو العمدة في أوامرهم ونواهيهم عليهمالسلام ، وهومحلّ الابتلاء أيضاً.
وأمّا القسم الثاني: فلمّا لم يكن صدورها عنهم لاعمال المولويّة، بل كانلغرضالإرشاد إلى ما حكم اللّه به على عباده كانت في الوجوب والندب تابعةًللمرشد إليه، أعني ما حكم اللّه بها، وليس لاستظهار الوجوب أو الندب منهذا السنخ من الأوامر وجه، لعدم كون الطلب فيها مولويّاً، فتأمّل جيّداً(1).
إنتهى كلامه رحمهالله .
نقد نظريّة السيّد البروجردي رحمهالله حول أوامر النبيّ والأئمّة عليهمالسلام
وفيه: أنّه لا إشكال في كون القسم الأوّل أوامرهم المولويّة، وأمّالقسم الثاني فلا يرتبط بهم عليهمالسلام أصلاً، حتّى بنحو الإرشاد، بل هي أوامر اللّهتعالى حقيقةً وأنّهم عليهمالسلام بصدد بيانها، وكذلك أوامر الفقيه بالنسبة إلىمقلّديه(2)، فما صدر عنهم عليهمالسلام من الأوامر في مقام بيان الحكم أوامر مولويّةصادرة عن اللّه عزّ وجلّ ببيانهم عليهمالسلام ، فإنّهم حينما يقولون مثلاً: «صلّوا» يكونبمعنى أنّ اللّه سبحانه يقول: «صلّوا».
ويؤيّده أنّ أحدهم عليهمالسلام لو سئل عن علّة أمره الذي يكون من قبيل القسمالأوّل لم يُجب بعدم صدور الأمر عنه، بخلاف ما إذا سئل عن سبب القسمالثاني من أوامره، فلو سئل أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام عن أنّك لِمَ أمرتنا بقتال
- (2) والفرق بين الفقيه والمعصومين عليهمالسلام أنّهم قاطعون بأحكام اللّه تعالى، والفقيه لا يقدر غالباً إلاّ علىتحصيل الظنّ بها، فأوامرهم أوامر اللّه تعالى قطعاً، وأوامر الفقيه أوامره سبحانه ظنّاً. منه مدّ ظلّه.
(صفحه78)
الخوارج لم يجب بأنّي لم آمركم، بل أجاب بأنّ في قتالهم مصلحة الإسلاموحفظ بيضته، أو نحو هذا الجواب، وأمّا لو سئل مثلاً عن أنّك لِمَ أمرتنا بصلاةالجمعة لأجاب بأنّي لم آمركم بها، بل اللّه تعالى أمركم بإتيانها، وهذا ما يشهدعليه الوجدان السليم.
والعجب من سيّدنا البروجردي رحمهالله حيث علّل في مقدّمة كتاب «جامعأحاديث الشيعة» حجّيّة قول الأئمّة عليهمالسلام حتّى بالنسبة إلى أهل السنّة بما وردعن الصادقين عليهماالسلام بأنّ كلّما حدّثاه فهو عن آبائهما عليهمالسلام عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله عنجبرئيل عليهالسلام عن اللّه عزّوجلّ(1).
فمع ذلك كيف جعل الأوامر الصادرة عنهم عليهمالسلام في مقام بيان الأحكامأوامرهم، مع أنّ مقتضى هذه الروايات أنّ كلامهم كلام اللّه عزّوجلّ حقيقةً،كما أنّ كلام الرواة عند نقل الحديث كلامهم عليهمالسلام واقعاً، فكما أنّ زرارة مثلاً إذقال: «سمعت أبا عبداللّه عليهالسلام يقول: صلِّ صلاة الجمعة» يكون ناقلاً للأمر لآمراً، فكذلك النبيّ والأئمّة عليهمالسلام حينما يبيّنون أحكام اللّه تعالى ويبلّغونها إلىالعباد ليس لهم أمر أصلاً، ولو إرشاداً، بل كلامهم عليهمالسلام صرف بيان أحكامهتعالى، إمّا بنحو النقل والرواية بحذف سلسلة السند، أو من عندهم بدونالنقل، لأجل إحاطتهم العلميّة بجميع أوامره ونواهيه سبحانه.
فهذا النوع من أوامرهم عليهمالسلام أوامر اللّه تعالى المولويّة، والاُستاذ المحقّقالبروجردي رحمهالله أيضاً معترف بظهور الأوامر المولويّة في الوجوب.
والحاصل: أنّ صيغ الأمر والجمل الخبريّة المستعملة في مقام الإنشاءظاهرتان في الوجوب، حتّى فيما إذا استعملتا في كلامهم عليهمالسلام لبيان حكم اللّه عزّوجلّ(2).
- (1) جامع أحاديث الشيعة 1: 181 و 182، باب حجّيّة فتوى الأئمّة عليهمالسلام ، الحديث 3 و 7.
ج2
- (1) ولو لم تكن ظاهرة في الوجوب فيما إذا صدرت عنهم عليهمالسلام لبيان الحكم كما قاله آية اللّه البروجردي رحمهالله لاختلّ نظام الفقه الإسلامي جدّاً، ولكنّه رحمهالله أيضاً مع ذهابه إلى هذا القول في الاُصول تمسّك في أبوابالفقه لإثبات الوجوب بما استعمل في كلامهم عليهمالسلام لبيان الحكم من صيغ الأمر والجمل الخبريّةالمستعملة في مقام الإنشاء. منه مدّ ظلّه.
(صفحه80)
في التعبّدي والتوصّلي
المبحث الرابع: في التعبّدي والتوصّلي
هذا هو العنوان المذكر في كلمات الاُصوليّين، وظاهره أمران: أحدهما: أنّتقسيم الواجب بهذا اللحاظ ثنائي، والثاني: أنّ طرفي التقسيم هما عنوانالتعبّدي والتوصّلي، والحقّ أنّه لا يصحّ الجمع بينهما.
توضيح ذلك: أنّ التعبّدي من العبادة، وهي لغةً عمل خاصّ صادر منالعبد بقصد التقرّب إلى المعبود، سواء كان المعبود المتقرّب إليه هو اللّه تباركوتعالى، أو الصنم، فإنّ عبادة الصنم أيضاً مصداق حقيقي للعبادة لغةً، ولذا تعدّشركاً، ولكن ليس كلّ عمل صادر بقصد التقرّب إلى اللّه تعالى أو إلى غيرهعبادة، ألا ترى أنّ إطاعة الولد لوالده أوالعبد لمولاه لا تعدّ عبادة لهما، وإنصدرت بقصد التقرّب إليهما، وكذا إنقاذ الغريق وغسل الثوب النجس ليسعبادة وإن قصد المنقذ والغاسل امتثال أمر اللّه تعالى، نعم، يترتّب حينئذٍ عليهمالثواب، وكذلك الأمر في بعض الواجبات المشروطة بقصد القربة، كالزكاةوالخمس، إذ لا يصدق على المشتغل بأدائهما أنّه مشتغل بالعبادة.
فعلى هذا يعلم أنّ للعبادة مضافاً إلى اشتراطها بقصد القربة خصوصيّةاُخرى بها تمتاز عن سائر الواجبات المشروطة به.
والحقّ أنّ العبادات لا تعرف إلاّ من طريق الأدلّة الشرعيّة، وليستعباديّتها ذاتيّة.
ج2
واستدلّ من خالفنا في ذلك بأنّ السجود بين يدي الغير عبادة ذاتاً، فليتوقّف عباديّته على بيان الشارع.
وفيه: أنّه لو كان عبادة ذاتاً لكان سجود الملائكة لآدم عليهالسلام عبادةً له، فكانشركاً، فكيف أمرهم اللّه سبحانه به؟ مع أنّه قال: «إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَبِهِ»(1).
لا يقال: لعلّ هذه الآية خصّصت بما يستفاد من أمره تعالى الملائكةبالسجود لآدم عليهالسلام ، فكان حاصلها أنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به إلاّ ما كانبأمره تعالى.
فإنّه يقال: لسان الآية آبٍ عن التخصيص، فلا عبادة لغير اللّه إلاّ أنّها شركمحرّم.
فلابدّ من القول بعدم كون سجودهم له عليهالسلام عبادة، فلا يكون عباديّته ذاتيّة،فطريق معرفة العبادات ينحصر في بيان الشارع.
وبالجملة: إنّ الواجبات التقرّبيّة على قسمين: تعبّدي، كالصلاة والصيام،وغير تعبّدي، كالخمس والزكاة.
فتقسيم الواجب إلى التعبّدي والتوصّلي يوجب خروج بعض الواجباتعنه، فلابدّ إمّا من إبدال التعبّدي بالتقرّبي، أو من جعل التقسيم ثلاثيّاً، بأننقول: الواجب إمّا تعبّدي أو تقرّبي أو توصلّي، ونريد بالتقرّبي ـ بقرينة مقابلتهبالتعبّدي ـ خصوص غير العبادات من الواجبات التقرّبيّة، وأمّا جعل التقسيمثنائيّاً مع كون طرفيه عنواني التعبّدي والتوصّلي ـ كما فعله المشهور ـ فغيرصحيح كما تقدّم.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ هاهنا مسائل كلّها مهمّة مستحقّة للبحث عنه