على «اُمور».
ويرد عليهما أنّ الطلب أمر حدثي اشتقاقي قابل للتصريف، وما وضع له هوالمادّة(1) السارية في فروعها التي لم تتحصّل بهيئة خاصّة، بل خالية عن جميعالفعليّات والتحصّلات، والموضوع للمعاني الاُخرى هو لفظ «الأمر» جامدالمتحصّل بهيئته الخاصّة، كلفظ الإنسان والحيوان، وعليه فالوضعان لم ينحدرعلى شيء واحد حتّى يجعل من الاشتراك اللفظي، بل على مادّة غير متحصّلةتارةً، وعلى اللفظ الجامد اُخرى.
نعم، لو كان مادّة المشتقّات هي المصدر لكان لفظ «الأمر» مشتركاً بينالطلب وغيره، لكنّه واضح الفساد، لعدم كون المصدر بمادّته وهيئته محفوظاً فيالمشتقّات كما لا يخفى.
ثمّ يرد على قول صاحب الكفاية: «ولا يخفى أنّ عدّ بعضها من معانيه مناشتباه المصداق بالمفهوم»(2) أنّا لو قلنا مكان «جاء زيد لأمر كذا»: جاء زيدلغرض كذا، أو مكان «شغله أمر كذا»: شغله شأن كذا، كان صحيحاً، وهكذالأمر في سائر المعاني، ولا ينافيه استفادة الغرض من اللام أيضاً فيما إذا كانالأمر للغرض، فكيف يمكن ادّعاء استعماله في الموارد المذكورة في مصداقالغرض والشأن وغيرهما من المعاني لا في مفهومها؟! هذا أوّلاً.
وثانياً: لو كان المستعمل فيه هو المصداق وكان معنى قولنا: «جئتك لأمركذا» جئتك لملاقاتك مثلاً، فلو استعمل «الأمر» في الملاقاة بما أنّها مصداق«الغرض» لكان استعماله في مفهوم الغرض صحيحاً بطريق أولى، ولو استعمل
- (1) وهي «ا ـ م ـ ر». م ح ـ ى.
- (2) إنّ المحقّق الخراساني رحمهالله ـ بعد نقل المعاني الّتي ذكروها للأمر ـ قال: ولا يخفى أنّ عدّ بعضها من معانيهمن اشتباه المصداق بالمفهوم، ضرورة أنّ «الأمر» في «جاء زيد لأمر كذا» ما استعمل في معنى الغرض، بلاللاّم قد دلّ على الغرض، نعم، يكون مدخوله مصداقه، فافهم، وهكذا الحال في قوله تعالى: «فَلَمَّا جَاءَأَمْرُنَا» يكون مصداقاً للتعجّب لا مستعملاً في مفهومه، وكذا في الحادثة والشأن... ولا يبعد دعوى كونهحقيقةً في الطلب في الجملة والشيء. م ح ـ ى.
ج2
فيها بما أنّها مصداق «الشيء» لم يكن من اشتباه المصداق بالمفهوم في شيء،ضرورة أنّ اشتباه المصداق بالمفهوم يختصّ بما إذا قيس المصداق إلى مفهومنفسه لا إلى مفهوم آخر، مع أنّ المصداق في المقام أعني «الملاقاة» مصداقللغرض، والمفهوم هو مفهوم الشيء، فأين اشتباه المصداق بالمفهوم؟!
وقس على ما ذكرنا في «الغرض» سائر المعاني.
على أنّه رحمهالله قال بكون «الأمر» حقيقةً في مفهوم الشيء، فكيف حمله في هذهالموارد على إرادة مصداق الشيء لا مفهومه؟!
والحاصل: أنّه لو فرض صحّة الاشتراك اللفظي فلا وجه لحصر «الأمر» فيمعنيين: «الطلب» و«الشيء» وإخراج سائر المعاني عنه بعد استعماله فيها أيضاً.
ثمّ لا يخفى وجود التهافت في كلام المحقّق الخراساني رحمهالله ، حيث اختار ابتداءًكونالأمر مشتركاًلفظيّاً بينالطلب والشيء، ثمّقال بعدبيان معناه الاصطلاحي:
إنّما المهمّ بيان ما هو معناه عرفاً ولغةً(1)، ليحمل عليه فيما إذا ورد بلا قرينة،وقد استعمل في غير واحد من المعاني في الكتاب والسنّة، ولا حجّة على أنّهعلى نحو الاشتراك اللفظي أو المعنوي أو الحقيقة والمجاز، وما ذكر في الترجيحعند تعارض هذه الأحوال لو سلّم ولم يعارض بمثله فلا دليل على الترجيحبه، فلابدّ مع التعارض من الرجوع إلى الأصل في مقام العمل. نعم، لو علمظهوره في أحد معانيه ولو احتمل أنّه كان للانسباق من الإطلاق فليحملعليه وإن لم يعلم أنّه حقيقة فيه بالخصوص أو فيما يعمّه، كما لا يبعد أن يكونكذلك في المعنى(2) الأوّل(3)، إنتهى كلامه.
ومنافاته لما اختاره أوّلاً من الاشتراك اللفظي واضحة.
- (1) وذلك لأنّ خطاب الشرع محمول على المعنى العرفي. م ح ـ ى.