(صفحه106)
التي من جملتها حالة الشكّ في حكمه الواقعي، والغاية تدلّ على استمرار الحكمالواقعي والظاهري المستفادين من المغيّى ما لم يعلم بطروّ ضدّه أو نقيضه، وهوالاستصحاب، فالغاية قيد للحكم لا للموضوع(1).
فهذه الأخبار ـ على ما في الحاشية ـ متعرّضة لثلاثة أحكام: حكم واقعي،وحكمين ظاهريّين.
كلام صاحب الفصول في مدلول هذه الأحاديث
ومنها: ما ذهب إليه صاحب الفصول رحمهالله ، وهو أنّ هذه الروايات تدلّ علىحكمين ظاهريّين فقط: أحدهما: قاعدة الطهارة والحلّيّة، والثاني:استصحابهما، ولا ارتباط لها بالحكم الواقعي أصلاً(2).
ووجهه يظهر ممّا تقدّم من كلام المحقّق الخراساني المتقدِّم آنفاً.
ومنها: احتمال آخر في مقابل المشهور، وهو أنّ الغاية وإن كانت قيدللموضوع، إلاّ أنّ هذه الأخبار مع ذلك تدلّ على خصوص الاستصحاب، لغير، فإنّ معناها: أنّ «كلّ شيء كان ثابت الطهارة طهارته مستمرّة حتّى يعلمأنّه قذر»، وهكذا أخبار الحلّ، وهذا ينطبق على الاستصحاب، لا على الحكمالواقعي، ولا على قاعدة الطهارة والحلّيّة.
إيراد الإمام الخميني«مدّ ظلّه» على صاحب الكفاية رحمهالله
وناقش سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه» في كلام المحقّق الخراساني رحمهالله بوجوه، حيث قال:
- (1) حاشية كتاب فرائد الاُصول: 185 ـ 186.
- (2) راجع الفصول الغرويّة: 373.
ج6
وفيما أفاده نظر:
أمّا أوّلاً: فلأنّ الطهارة والحلّيّة الواقعيّتين ليستا من الأحكام المجعولةالشرعيّة، للزوم إمكان كون شيء بحسب الواقع لا طاهراً ولا نجساً، ولحلالاً ولا حراماً، لأنّ النجاسة والحرمة مجعولتان بلا إشكال وكلام، فلوفرض جعل النجاسة والحرمة لأشياء خاصّة وجعل الطهارة والحلّيّة لأشياءاُخر خاصّة يلزم أن تكون الأشياء الغير المتعلّقة للجعلين لا طاهراً ولا نجساً،ولا حلالاً ولا حراماً، وهذا واضح البطلان في ارتكاز المتشرّعة.
مضافاً إلى أنّ الأعيان الخارجيّة على قسمين: أحدهما: ما يستقذرهالعرف، والثاني: ما لا يستقذره، وإنّما يستقذر الثاني بملاقاته للأوّل وتلوّثه به،والتطهير عرفاً عبارة عن إزالة التلوّث بالغسل وإرجاع الشيء إلى حالتهالأصليّة الغير المستقذرة، لا إيجاد شيء زائد على ذاته فيه يكون طهارةً،والظاهر أنّ نظر الشرع كالعرف في ذلك، إلاّ في إلحاق بعض الاُمور الغيرالمستقذرة(1) عرفاً بالنجاسات، وإخراج بعض المستقذرات العرفيّة(2) عنها.
وكذا الحلّيّة لم تكن مجعولة، فإنّ الشيء إذا لم يشتمل على المفسدة الأكيدةيكون حلالاً وإن لم يشتمل على مصلحة، فلا تكون الطهارة والحلّيّة منالمجعولات الواقعيّة.
نعم، الطهارة والحلّيّة الظاهريّتان مجعولتان.
فحينئذٍ نقول: إنّ قوله: «كلّ شيء حلال» أو «طاهر» لو حمل علىالواقعيّتين منهما يكون إخباراً عن ذات الأشياء، لا إنشاء الطهارة والحلّيّة،فالجمع بين القاعدة والحكم الواقعي يلزم منه الجمع بين الإخبار والإنشاء في
- (1) كالكافر. منه مدّ ظلّه.
- (2) كماء الأنف والفم. منه مدّ ظلّه.
(صفحه108)
جملة واحدة، وهو غير ممكن(1)، إنتهى الوجه الأوّل.
نقد ما أفاده الإمام «مدّ ظلّه» ردّاً لكلام المحقّق الخراساني رحمهالله
وفيه نظر؛ لأنّ قوله عليهالسلام : «كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر» و«كلّ شيءهو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام» عامّ يشمل جميع الأشياء، وما دلّ علىنجاسة البول وسائر النجاسات مخصّص له، وهكذا ما دلّ على حرمة الخمروسائر المحرّمات، فكلّ شيء من الأشياء إمّا أن يكون من مصاديق المخصّص،فكان نجساً أو حراماً، وإمّا أن يكون ممّا بقي تحت العامّ بعد التخصيص، فكانطاهراً أو حلالاً، فلا نجد مورداً لم يجعل الشارع له الطهارة ولا النجاسة، أو لميجعل له الحلّيّة ولا الحرمة، فلا يلزم أن يكون شيء لا طاهراً ولا نجساً أو لحلالاً ولا حراماً لو قلنا بكون الطهارة والحلّيّة الواقعيّتين من الأحكامالمجعولة الشرعيّة كالنجاسة والحرمة، فلو اُريد الحكم الواقعي والظاهري معلا يلزم منه الجمع بين الإخبار والإنشاء في جملة واحدة، لأنّ حملها علىالطهارة والحلّيّة الواقعيّتين يكون إنشاءً كحملها على الظاهريّتين منهما، فلا يردهذا الإشكال على المحقّق الخراساني رحمهالله .
سائر الوجوه التي أوردها الإمام على الآخوند
ثمّ قال «مدَّ ظلّه»:
وأمّا ثانياً(2): فلأنّ معنى جعل الطهارة والحلّيّة الظاهريّتين هو الحكم بالبناءالعملي عليهما حتّى يعلم خلافهما، ومعنى جعل الواقعيّتين منهما هو إنشاء ذاتهما،
- (1) الرسائل، مبحث الاستصحاب: 112.
- (2) هذا الإشكال متين وارد على ما في الحاشية. منه مدّ ظلّه.
ج6
لا البناء عليهما، والجمع بين هذين الجعلين ممّا لا يمكن(1).
وأمّا ثالثاً(2): فلأنّ الحكم الظاهري مجعول للمشكوك(3) بما أنّه مشكوك،والحكم الواقعي مجعول للذات مع قطع النظر عن الحكم الواقعي، ولا يمكن(4)الجعل بين هذين اللحاظين المتنافيين.
وأمّا رابعاً: فلأنّ في قاعدة الطهارة والحلّيّة يكون الحكم للمشكوك فيه، فلمحالة تكون غايتهما العلم بالقذارة والحرمة(5)، فجعل الغاية للحكم المغيّىبالغاية ذاتاً ممّا لا يمكن.
اللّهُمَّ إلاّ أن يقال: إنّ الغاية إنّما تكون للطهارة والحلّيّة الواقعيّتين لأجلالقرينة العقليّة، وهي عدم إمكان جعل الغاية للحكم الظاهري، فيكون المعنىأنّ الطهارة والحلّيّة الواقعيّتين مستمرّتان إلى أن يعلم خلافهما.
لكن جعل الغاية للطهارة والحلّيّة الواقعيّتين لازمه استمرار الواقعيّتين منهمفي زمن الشكّ، لا الظاهريّتين، ويرجع حينئذٍ إلى تخصيص أدلّة النجاساتوالمحرّمات الواقعيّة، فتكون النجاسات والمحرّمات في صورة الشكّ فيهمطاهرة وحلالاً واقعاً، وهو كما ترى باطل لو لم يكن ممتنعاً(6)، إنتهى.
نقد ما أفاده الإمام«مدّ ظلّه» في الوجه الأخير
وهذا الإشكال عجيب من سيّدنا الاُستاذ«مدّ ظلّه» فإنّه قال بعده بظهور
- (1) وجه عدم الإمكان عدم الجامع بينهما. منه مدّ ظلّه.
- (2) هذا الإشكال ممّا أورده المحقّق النائيني أيضاً على المحقّق الخراساني مع زيادة توضيح. منه مدّ ظلّه.
- (3) أي ما شكّ في حكمه الواقعي. م ح ـ ى.
- (4) لأنّ الحكم الظاهري متأخّر عن الواقعي بمرتبتين. منه مدّ ظلّه.
- (5) فكلّ من الطهارة والحلّيّة الظاهريّة حكم مغيّى بالغاية ذاتاً، فلا يمكن جعل الغاية لهما ثانياً بقوله: «حتّىتعلم أنّه قذر» أو «حتّى تعلم أنّه حرام». منه مدّ ظلّه توضيحاً لكلام الإمام«مدّ ظلّه».
- (6) الرسائل، مبحث الاستصحاب: 113.
(صفحه110)
الروايات في قاعدة الحلّ والطهارة(1)، فكيف يمكن القول بظهور الروايات فيالقاعدتين بعد الالتزام بامتناع جعل الغاية غاية للحكم الظاهري؟! وهل هذإلاّ كرٌّ على ما فرّ؟
وحلّه أنّ الحكم الظاهري يستفاد من الغاية، إذ لو قال: «كلّ شيء نظيف»من دون ذكر الغاية لكان ظاهراً في جعل الحكم الواقعي، فذكرها لا يكونمضرّاً بإرادة الحكم الظاهري من الروايات، بل هو لازم.
إشكال المحقّق النائيني على ما في الحاشية
وأورد المحقّق النائيني رحمهالله على ما ذهب إليه المحقّق الخراساني في الحاشيةبإشكالات:
الأوّل: هو الإشكال الثالث المتقدّم من سيّدنا الاُستاذ«مدّ ظلّه»، فلا نعيده(2).
- (2) ولا بأس بنقل كلامه رحمهالله ، فإنّه مشتمل على توضيحات مفيدة في المقام، فقال: إنّ المراد من «الشيء» فيقوله عليهالسلام : «كلّ شيء إلخ» إمّا أن يكون هو ذات الشيء المعروض للحكم الواقعي الأوّلي، سواء كان منالأفعال أو من الموضوعات الخارجيّة، كالقيام والقعود والإنسان والحيوان والنبات وغير ذلك منمتعلّقات التكاليف وموضوعاتها، وإمّا أن يكون هو «الشيء» بوصف كونه مشكوك الحلّيّة أو الطهارة.
فإن كان المراد منه ذات الشيء بعنوانه الأوّلي، فحمل قوله عليهالسلام : «حلال» أو «طاهر» عليه إنّما هو لبيانحكمه الواقعي، فيكون مفاده حينئذٍ: إنّ كلّ موجود في العالم يكون محكوماً بالحلّيّة والطهارة واقعاً،غايته أنّه يكون من العمومات المخصّصة، كقوله تعالى: «واُحلّ لكم ما في الأرض جميعاً».
وإن كان المراد منه الذات بوصف كونها مشكوكة الطهارة والحلّيّة، فحمل قوله عليهالسلام : «حلال» أو «طاهر»عليه إنّما هو لبيان حكمه الظاهري، ولا يمكن حينئذٍ أن يكون المراد من المحمول الحلّيّة والطهارةالواقعيّة، فإنّ موضوعات الأحكام الواقعيّة إنّما هي ذوات الأشياء المرسلة، ولا يعقل تقييد موضوعالحكم الواقعي بكونه مشكوك الحكم، فالشيء المقيّد بكونه مشكوك الطهارة والحلّيّة لا يمكن أن يحملعليه إلاّ الطهارة والحلّيّة الظاهريّة، كما أنّ الشيء المرسل الغير المقيّد بذلك لا يمكن أن يحمل عليه إلالطهارة والحلّيّة الواقعيّة، فإنّ للشكّ دخلاً في موضوع الحكم الظاهري مطلقاً.
فالموضوع في قوله عليهالسلام : «كلّ شيء لك طاهر» أو «حلال» إمّا أن يكون هو الشيء المرسل، ويلزمه أنيكون المحمول حكماً واقعيّاً، وإمّا أن يكون هو الشيء المشكوك حلّيّته أو طهارته، ويلزمه أن يكونالمحمول حكماً ظاهريّاً، ولا يمكن أن يكون المراد منه الأعمّ من المرسل والمشكوك، كما لا يمكن أنيكون المراد من المحمول الأعمّ من الواقعي والظاهري، فإنّ الشيء المشكوك متأخّر رتبةً عن الشيءالمرسل، كما أنّ الحكم الظاهري متأخّر في الرتبة عن الحكم الواقعي، فكلّ من موضوع الحكم الظاهريوحكمه في طول موضوع الحكم الواقعي وحكمه، ولا يمكن جمعهما في اللحاظ والاستعمال، وذلككلّه واضح ممّا لا ينبغي إطالة الكلام فيه، إنتهى موضع الحاجة من كلامه. فوائد الاُصول 4: 367. م ح ـ ى.