ج6
بحسب الزمان، وقد خصّص تارةً بخيار المجلس، واُخرى بخيار الغبن، فإذشككنا في بقاء خيار المجلس بعد الافتراق(1)، فلابدّ من الرجوع إلى عموم«أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ».
لأنّ خيار المجلس كان ثابتا من أوّل البيع، وأمّا إذا شككنا في بقاء خيارالغبن(2) فلا يجوز فيه الرجوع إلى العموم إذا علمنا بالغبن بعد يوم مثلاً وقلنبكون مبدأ الخيار زمان الالتفات إليه؛ لأنّ البيع كان لازما بحكم العامّ قبلالالتفات إلى الغبن، فانقطع استمراره بمجرّد الالتفات، فهاهنا يجرياستصحاب الخيار، ولا يجوز التمسّك بالعامّ.
الثانية: ما إذا كان العموم استغراقيّا واُخذ الزمان في الخاصّ قيدا، فالمرجعهو العامّ بلا كلام، ولا يجري استصحاب حكم الخاصّ وإن فرضنا عدم جوازالتمسّك بالعامّ، وذلك لتغاير القضيّة المتيقّنة مع المشكوكة، فإنّ القضيّة المتيقّنةهي عدم وجوب إكرام زيد يوم الجمعة، والمشكوكة هي عدمه يوم السبت.
الثالثة: ما إذا كان العامّ مجموعيّا واُخذ الزمان في الخاصّ قيدا، فلا موردللاستصحاب، ولا مجال أيضاً للتمسّك بالعامّ، فلابدّ من الرجوع إلى سائرالاُصول، ففي المثال يجري أصالة البراءة من وجوب الإكرام يوم السبت.
الرابعة: ما إذا كان العامّ استغراقيّا واُخذ الزمان في الخاصّ ظرفا، فلابدّ منالتمسّك بالعامّ، ولكنّه لو فرض عدم دلالة العامّ لكان الاستصحاب مرجعا(3).
هذا حاصل كلام المحقّق الخراساني رحمهالله .
- (1) هذا مع قطع النظر عن النصّ الدالّ على لزوم البيع بعد الافتراق، وهو قوله عليهالسلام : «فإذا افترقا وجب البيع».وسائل الشيعة 18: 6، كتاب التجارة، الباب 1 من أبواب الخيار، الحديث 4. م ح ـ ى.
- (2) وذلك مثل أن يقع البيع ثمّ علم بالغبن بعد يوم، لكنّه لم يفسخ فورا، ثمّ شكّ في بقاء الخيار، لاحتمالكونه فوريّا. م ح ـ ى.
(صفحه310)
نظريّة الإمام الخميني«مدّ ظلّه» في المسألة
وذهب سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه» إلى أنّ المرجع هو العامّ في جميعالصور، وذكر لتقريب مرامه اُمورا:
الأوّل: أنّه يتصوّر ورود العامّ على أنحاء ثلاثة:
أ ـ أن يلاحظ المتكلّم الأزمنة بنحو الاستغراق.
ب ـ أن يلاحظها بنحو العامّ المجموعي.
ج ـ أن يلاحظ الزمان مستمرّا(1)، كقوله: «أوفوا بالعقود مستمرّا أو دائما»لا بمعنى وجوب الوفاء في كلّ يوم مستقلاًّ، ولا بنحو العامّ المجموعي، حتّى لوفرض عدم الوفاء في زمان سقط التكليف بعده، بل بنحو يكون المطلوبوجوبه مستمرّا، بحيث لو وفى المكلّف إلى آخر الأبد يكون مطيعا إطاعةواحدة(2)، ولو تخلّف في بعض الأوقات تكون البقيّة مطلوبة(3) لا بطلبمستقلّ، بل بالطلب الأوّل.
وكذلك لو قال المولى: «لا تهن زيدا» فترك العبد إهانته مطلقاً، كان مطيعله إطاعة واحدة، ولو أهانه يوما عصاه، ولكن تكون إهانته محرّمة عليه بعدهأيضاً، لا بنحو المطلوبيّة المتكثّرة المستقلّة، بل بنحو استمرار المطلوبيّة.
الثاني: أنّ العموم الاستمراري قد يستفاد من أداة العموم، نحو «أكرم كلّعالم دائما» وقيد يستفاد من الإطلاق، كقوله تعالى: «أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ».
الثالث: أنّ العموم الأزماني متفرّع على العموم الأفرادي، فإنّ قولنا: «أكرم
- (1) أراد الإمام«مدّ ظلّه» بالاستمرار غير ما أراد به المحقّق الخراساني رحمهالله ، فإنّه أراد منه العموم المجموعي،لكنّ الإمام«مدّ ظلّه» أراد منه قسما ثالثا من العموم لا يكون استغراقيّا ولا مجموعيّا. م ح ـ ى.
- (2) وهذا دليل على عدم كونه عامّا استغراقيّا. م ح ـ ى.
- (3) وهذا دليل على عدم كونه عامّا مجموعيّا، وإلاّ سقط التكليف بمجرّد التخلّف في زمان. م ح ـ ى.
ج6
العلماء كلّ يوم» ينحلّ إلى قضيّتين:
إحداهما: «يجب إكرام العلماء» وهي مفاد العموم الأفرادي، الثانية:«وجوب إكرام العلماء ثابت في كلّ يوم» وهي مفاد العموم الأزماني، وتفرّعهعلى الاُولى واضح، لكونها بمنزلة الكبرى، والاُولى بمنزلة الصغرى، وبعبارةاُخرى: الحكم المتعلّق بالعموم الأفرادي موضوع للعموم الأزماني، فهذا فرع،وذلك أصل، أي كما أنّ الموضوع متقدّم رتبةً على الحكم، فكذلك العمومالأفرادي متقدّم على الأزماني.
الرابع: أنّ لازم تفرّع العموم الأزماني على الأفرادي أنّ التخصيص الواردعلى كلّ منهما لا يرتبط بالآخر، فإذا قال: «أكرم العلماء في كلّ يوم» ثم قال:«لا تكرم زيدا العالم» فالتخصيص مربوط بالعامّ الأفرادي فقط، وأمّا العمومالأزماني فإنّه وإن لم يشمل زيدا إلاّ أنّه خارج عنه موضوعا، فلا يرتبطالتخصيص به.
ولو قال عقيب قوله: «أكرم العلماء في كلّ يوم»: «لا تكرم زيدا يومالجمعة» فالتخصيص مربوط بالعامّ الأزماني فقط.
لا يقال(1): ظاهر هذا المخصّص أنّه مخصّص لكلا العمومين، لاشتماله علىزيد كما أنّه مشتمل على يوم الجمعة.
فإنّه يقال: لو كان كذلك لكان «لا تكرم العلماء يوم الجمعة» مضادّللعموم الأفرادي، لعدم إمكان كونه مخصّصا كما هو واضح، ولا يمكن الالتزامبمضادّته له(2).
هذا حاصل ما ذكره الإمام«مدّ ظلّه» مقدّمةً.
- (1) هذا الإشكال والجواب لا يكون موجودا في كلام الإمام«مدّ ظلّه» إلاّ أنّ الاُستاذ«مدّ ظلّه» ذكره توضيحلكلام الإمام. م ح ـ ى.
- (2) الرسائل، مبحث الاستصحاب: 205.
(صفحه312)
ثمّ قال:
إذا عرفت ما ذكرنا فنقول: إذا ورد عامّ أفرادي يتضمّن العموم أو(1)الاستمرار الزماني بدلالة لغويّة أو بمقدّمات الحمكة وورد دليل مخرج لبعضأفراده عن حكم العموم في زمان معيّن، كقوله: «أكرم العلماء في كلّ يوم أومستمرّا» وانعقد الإجماع على عدم وجوب إكرام زيد في يوم الجمعة، أو قوله:«أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ» وانعقد الإجماع على عدم وجوب الوفاء عند ظهور الغبنساعةً وشكّ بعد يوم الجمعة وبعد الساعة في حكم الفرد المخرج، لا يجوزالتمسّك بالاستصحاب مطلقا، سواء لوحظ الزمان أفرادا وعلى نحو العامّالاُصولي، أو ذكر القيد لبيان استمرار الحكم أو المتعلّق أو دلّت مقدّماتالحكمة على ذلك.
أمّا إذا لوحظ الزمان مستقلاًّ فواضح، لأنّ خروج الفرد في يوم تصرّففي العموم الأفرادي التحتاني، فأصالة العموم محكّمة بالنسبة إلىالتخصيص الزائد، وأمّا إذا جعل «مستمرّاً» أو «دائماً» أو «أبداً» ظرفللحكم فلأنّ خروج بعض الأفراد في بعض الأيّام ليس تخصيصا في العمومالأفرادي، بل تقييد وتقطيع للاستمرار الذي قامت الحجّة عليه وتردّد أمرهبين الأقلّ والأكثر ولابدّ من الاكتفاء بالأقلّ، ويكون ظهور الاستمرار فيالبقيّة حجّةً.
وإن شئت زيادة توضيح فاعلم أنّه إذا ورد: «أكرم العلماء» ولا يكونله إطلاق بالنسبة إلى الزمان، وورد دليل منفصل بأنّ وجوب إكرامالعلماء مستمرّ، فحينئذٍ قد يدلّ دليل على عدم وجوب إكرام زيد،فيكون مخصّصا لقوله: «أكرم العلماء» ولا يكون تصرّفا في قوله:
- (1) «و» صحّ ظاهراً. م ح ـ ى.
ج6
«وجوب إكرام العلماء مستمرّ» لما عرفت في المقدّمات أنّ إخراجالموضوع عن الموضوعيّة ليس تصرّفا في العموم أو الإطلاق، وقد يدلّعلى عدم وجوب إكرام زيد في يوم الجمعة، فيكون تصرّفا في قوله:«وجوب إكرامهم مستمرّ» لا في قوله: «أكرم العلماء» لأنّ المفروض أنّقوله: «أكرم العلماء» متعرّض للعموم الأفرادي، لا الاستمرار الزماني،فتقطيع زمان من وجوب إكرامهم تصرّف فيما يتعرّض للاستمرار الزماني،فإذا كان ذلك في كلام واحد ودليل متّصل، كقوله: «أكرم العلماء مستمرّا»ينحلّ إلى عموم أفرادي يدلّ عليه الجمع المحلّى باللام وإلى استمرار الحكمالذي يدلّ عليه ظهور القيد الذي قام مقام مقدّمات الحكمة في بعض المقامات،فيكون قوله: «لا تكرم زيدا» تخصيصا للعموم الأفرادي، و«لا تكرمه يومالجمعة» تقطيعا لاستمرار الحكم، وكما يكون العموم حجّة في البقيّة لدىالعقلاء يكون ظهور القيد في استمرار الحكم حجّة فيما عدا مورد التقطيعالقطعي لديهم.
وممّا ذكرنا يعلم حال الإطلاق المستفاد من دليل الحكمة، فلو فرض أنّقوله: «أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ» كما يدلّ بالعموم اللغوي على الشمول الأفرادي يدلّعلى الاستمرار الزماني بمقدّمات الحكمة أو مناسبة الحكم والموضوع، بمعنى أنّلزوم الوفاء بكلّ عقد مستمرّ، لا من قبيل العامّ المجموعي، بل بحيث تكونالمخالفة في بعض الأزمان لا توجب سقوط المطلوبيّة بالنسبة إلى البقيّة، ثمّ دلّدليل على عدم وجوب الوفاء بعقد ـ كالعقد الربوي ـ يكون مخصّصا للعمومالأفرادي، ولا يكون مقيّدا للإطلاق، بل رافعا لموضوعه.
وأمّا لو دلّ دليل على عدم وجوب الوفاء بعقد في زمان ـ كما لو انعقدالإجماع على عدم وجوب الوفاء بالعقد إذا ظهر الغبن إلى ساعة مثلاً ـ يكون