تريد أن تُذهب الشكّ الذي وقع في نفسك» قلت: إن رأيته في ثوبي وأنا فيالصلاة، قال: «تنقض الصلاة وتُعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته، وإن لمتشكّ ثمّ رأيته رطباً فقطعت الصلاة وغسلته ثمّ بنيت على الصلاة، لأنّك لتدري لعلّه شيء أوقع عليك، فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشكّ»(1).
وهذه الرواية وإن كانت مضمرة، إلاّ أنّ إضمار مثل زرارة لا يضرّ، لأنّه ليسأل غير الإمام المعصوم، على أنّ الصدوق رحمهالله رواها في «العلل» متّصلاً بأبيجعفر عليهالسلام ، فلا إشكال فيها من حيث اتّصالها بالمعصوم.
وفي هذه الفقرة احتمالات؛ لأنّ في قوله: «فنظرت فلم أرَ شيئاً» احتمالين:أحدهما: أنّه بعد النظر وعدم رؤية شيء صار عالماً بعدم كون الثوب نجساً،ثانيهما: أنّه بقي شكّه بإصابة النجاسة ولم يتبدّل شكّه بسبب النظر وعدمالرؤية إلى العلم بعدم الإصابة، وفي قوله: «ثمّ صلّيت فرأيت فيه» أيضاحتمالان: أحدهما: أنّه تيقّن بكونه هو النجاسة التي ظنّ بها قبل الصلاة،فتيقّن وقوع الصلاة فيها، ثانيهما: أنّه شكّ في أنّها هل وقعت على الثوب بعدالصلاة أو هي التي كانت قبلها وظنّ بها، فالاحتمالات أربعة حاصلة من
ضرب الأوّلين إلى الأخيرين:
أ ـ أنّه بعد الظنّ بالإصابة والنظر وعدم الرؤية صلّى من غير حصول علمأو اطمئنان له من النظر، فإذا صلّى رأى في ثوبه النجاسة وعلم بأنّها هي التيكانت مظنونة، فعلم أنّ صلاته وقعت في النجس.
ب ـ هذه الصورة، أي عدم حصول العلم له من النظر، لكن مع احتمالحدوث النجاسة بعدها واحتمال وقوع صلاته فيها.
ج ـ أنّه حصل له بواسطة النظر العلم بعدم النجاسة، فإذا صلّى تبدّل علمهبالعلم بالخلاف، أي بأنّ النجاسة كانت من أوّل الأمر.
د ـ هذه الصورة مع احتماله بعد الصلاة حدوث النجاسة بعدها واحتمالوقوعها فيها.
فلابدّ من النظر في أنّها ظاهرة في أيّ منها؟ حتّى يتّضح أنّها هل هي دالّةعلى الاستصحاب أم لا؟
فأقول: الاحتمال الثالث ينافي تعليل الجواب، أعني قوله عليهالسلام : «لأنّك كنتعلى يقين من طهارتك ثمّ شككت، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّأبداً»، إذ لا شكّ على هذا الاحتمال، لأنّه ـ بناءً على هذا الاحتمال ـ دخل فيالصلاة عالماً بكونه طاهراً، وصار عالماً بالخلاف بعدها، فأين الشكّ الذياُشير إليه في تعليل الجواب؟! لا يقال: لعلّه أراد الشكّ الذي كان قبل النظر.
فإنّه يقال: ذلك الشكّ لا يرتبط بالحكم الشرعي، لأنّ الملاك فيه إنّما هوحال المصلّي عند دخوله في الصلاة وبعدها.
والاحتمال الرابع المنطبق على قاعدة اليقين بعيد، لأنّه خلاف ظاهر قوله:«فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً»، لأنّه ظاهر في فعليّة اليقينوالشكّ كليهما، هذا أوّلاً.
(صفحه70)
وثانياً: لو حصل له العلم لكان عليه ذكره في السؤال، لوضوح احتمال دخلهفي الحكم، فعدم ذكره دليل على عدم حصوله، إذ لو حصل له العلم لقال فيالسؤال: «فنظرت فلم أرَ شيئاً فعلمت أنّه طاهر».
فبقيالاحتمالانالأوّلان، وهمايشتركانفيإفادة حجّيّةالاستصحاب،فلوكانتالرواية مجملة من هذه الجهة لا يضرّ بها، لكنّها ظاهرة في الاحتمال الأوّل.
ويؤيّده سؤال زرارة عن علّة الحكم بعدم وجوب الإعادة بقوله: «ولِمَذلك؟»، فإنّه لو شكّ بعد الصلاة في وقوعها في النجاسة وعدمه لم يكن هذالسؤال مناسباً في المقام، لأنّ الحكم بعدم وجوب الإعادة حينئذٍ لا يكونغريباً عن الذهن، وإنّما يناسب السؤال عن علّة الحكم ما إذا علم بعد الصلاةبوقوعها في النجاسة، إذ حصل له شبهة، وهي أنّ الإمام عليهالسلام حكم عقيبالسؤالين الأوّلين بوجوب الغسل والإعادة وعقيب الثالث بوجوب الغسلوعدم وجوب الإعادة مع أنّ الصلاة في جميع هذه الصور وقعت في النجاسة،فما علّة عدم وجوب الإعادة في الصورة الثالثة؟ مع أنّ القاعدة تقتضيوجوبها، لعدم كون المأتيّ به مطابقاً للمأمور به.
الفقرة الثانية ـ التي تدلّ على حجّيّة الاستصحاب ـ : هي الفقرة الأخيرة،أعني قوله عليهالسلام : «وإن لم تشكّ» إلى آخر الرواية.
إن قلت: هذه الفقرة تنطبق على قاعدة اليقين والشكّ لا على الاستصحاب،لأنّ قوله: «إن لم تشكّ» بمعنى «إن تيقّنت بالطهارة» فإنّ عدم الشكّ عبارةاُخرى عن اليقين، فحينئذٍ كان قبل الورود في الصلاة عالماً بالطهارة وصار فيأثنائها شاكّاً في نفس تلك الطهارة التي كانت معلومة، أي الطهارة قبل الورود،وهل هذا إلاّ قاعدة اليقين والشكّ؟ فهذه الفقرة تدلّ على حرمة نقض اليقينبالشكّ في قاعدة اليقين ولا ترتبط بالاستصحاب.