(صفحه332)
والحقّ جريانه، لأنّ الموضوع في مثل هذه القضيّة عند العرف هو نفس زيدوماهيّته من غير أن يكون الوجود والحياة دخيلاً فيه، فإنّ وجود الماهيّة عندالعرف من الحيثيّات التعليليّة لعروض العوارض عليها، فكأنّه قيل: «زيدعادل لكونه حيّا» أو تكون القضيّة عند العرف من قبيل القضايا الحينيّة،فكأنّه قيل: «زيد عادل حينما كان حيّا» فالاتّحاد بين القضيّتين محرز وجدانا،لأنّا علمنا بعدالة زيد وشككنا في بقائها، فلا إشكال في استصحابها.
نعم، لو اُخذ بعض الأوصاف في لسان الدليل قيدا في الموضوع، كأن يقال:«إذا كان زيد الحيّ عادلاً يجوز أو يجب تقليده» ثمّ شككنا في بقاء عدالتهوحياته كلتيهما، فلا مجال لاستصحاب العدالة، لعدم إحراز الاتّحاد، فإنّ القضيّةالمتيقّنة «زيد الحيّ عادل» بخلاف المشكوك فيها، فإنّ الحياة لم تحرز فيها حتّىيقال: إنّا نشكّ في بقاء عدالة زيد الحيّ.
لا يقال: يجري الاستصحاب في حياته أوّلاً، فإنّ كونه حيّا كان متيقّنأيضاً، وبعد إثباتها بالاستصحاب يجري في عدالته، لصدق قولنا: «إنّا نشكّ فيبقاء عدالة زيد الحيّ» حينئذٍ.
فإنّه يقال: لا يثبت باستصحاب حياته موضوع قضيّة «زيد الحيّ عادل»لعدم كونه(1) أثرا شرعيّا للحياة.
على أنّ الوصف اُخذ في موضوع القضيّة محرزا بالوجدان، واستصحابالحياة لا يثبت إلاّ بقاء «زيد الحيّ» تعبّدا، فلم يحرز الموضوع وجدانباستصحاب الحياة.
فالحاصل: عدم جريان الاستصحاب فيما إذا اُخذ بعض الأوصاف قيدا فيالموضوع وشكّ في بقاء هذا القيد والمحمول كليهما، لعدم إحراز الاتّحاد بين
- (1) أي كون الموضوع، وهو «زيد الحيّ». م ح ـ ى.
ج6
القضيّتين.
كلام المحقّق النائيني رحمهالله في المقام
ولكنّ المحقّق النائيني رحمهالله قال: لا مانع من جريان الاستصحاب فيه، لأنّه إذقال: «إذا كان زيد حيّا عادلاً يجوز تقليده» وشككنا في بقاء حياته وعدالتهيجوز إحراز الحياة والعدالة بالاستصحابين، كما يجوز إحراز أحد جزئيالمركّب بالاستصحاب والآخر بالوجدان، فنستصحب في المثال كلا الوصفينللموضوع الذي هو زيد ونرتّب الأثر ـ وهو جواز التقليد ـ على الموضوعالمحرز كلا جزئيه بالأصل(1). هذا حاصل كلامه رحمهالله .
نقد ما أفاده المحقّق النائيني في المقام
والجواب عنه أنّه وقع الخلط في كلامه، فإنّه مثّل بقضيّة لا يكونموضوعها مقيّدا بوصف، بل كان الموضوع فيها زيدا فقط، ولكن له محمولانشكّ في بقاء كلّ منهما، ونحن أيضاً نقول بجريان الاستصحاب فيهما(2) لترتيبالأثر الشرعي.
إلاّ أنّه لا يرتبط بالمقام، فإنّ البحث إنّما يكون فيما إذا اُخذ أحد الوصفينقيدا للموضوع، كأن يقال: «إذا كان زيد الحيّ عادلاً يجوز تقليده».
فثبت إلى هنا أنّه يعتبر في جريان الاستصحاب وحدة القضيّتين وأنّه لابدّمن إحرازها وجدانا.
- (1) فوائد الاُصول 4: 566 ـ 570.
- (2) لاتّحاد القضيّتين في كلا الاستصحابين، فإنّا إذا علمنا بأنّ زيدا حيّ ثمّ شككنا في بقاء حياته كانالموضوع فيها هو نفس زيد وماهيّته، وشككنا في بقاء هذه القضيّة كذلك، فالاتّحاد بين القضيّتين محرزبالوجدان، فيجري الاستصحاب، وكذلك إذا علمنا بأنّ زيدا عادل ثمّ شككنا في بقاء عدالته، فيجريالاستصحابان لترتيب الأثر الشرعي، وهو جواز التقليد. م ح ـ ى.
(صفحه334)
ملاك الاتّحاد بين القضيّة المتيقّنة مع المشكوكة
بقي الكلام في أنّ الملاك في الاتّحاد هل هو نظر العقل أو نظر العرف أو لسانالدليل الشرعي؟
وتظهر الثمرة في أنّ الملاك لو كان نظر العقل لا يجري الاستصحاب فيالأحكام أصلاً، لأنّه كلّما شكّ في بقاء الحكم كان لأجل الشكّ في بقاءموضوعه، ولا يتصوّر كون الموضوع محرزا بنظره ومع ذلك شكّ في بقاءحكمه، ألا ترى أنّه إذا شكّ في بقاء وجوب صلاة الجمعة يكون هذا الشكّناشيا عن تغيير خصوصيّة من خصوصيّات الموضوع عقلاً، وهو أنّ موضوعالقضيّة المتيقّنة صلاة الجمعة في زمن حضور المعصوم وموضوع المشكوك فيهصلاة الجمعة في زمان الغيبة.
فلا يعقل أن يجري الاستصحاب في الشبهات الحكميّة لو كان ملاك الاتّحادنظر العقل حتّى في باب النسخ، فإنّ العقل لا يحتمل النسخ إلاّ إذا تغيّر بعضخصوصيّات الموضوع، فلا يجري استصحاب عدم النسخ أيضاً لو كان الملاكفي الاتّحاد نظر العقل.
بل لا يجري على ذلك في بعض الشبهات الموضوعيّة أيضاً، كالشكّ في بقاءالوضوء الناشي عن عروض الخفقة أو الخفقتين الذي هو كان مورد الصحيحةالاُولى لزرارة، فإنّ موضوع القضيّة المتيقّنة والمشكوك فيها متغايران فيه عقلاً،لتغاير الإنسان الذي عرض عليه الخفقة والخفقتان والذي لا يكون كذلكبحسب نظر العقل، وكالشكّ في بقاء كرّيّة الماء، فإنّ الماء الذي علم بكرّيّته كانأكثر من الذي شكّ في بقاء كرّيّته، فلا تتّحد القضيّتان عقلاً.
فما يظهر من المحقّق الخراساني رحمهالله من جريان الاستصحاب في جميع موارد
ج6
الشبهة الموضوعيّة لو كان الملاك في الاتّحاد حكم العقل(1)، فاسد.
نعم، الحكم كما قال في المثال الذي ذكره، وهو استصحاب حياة زيد، فإنّالقضيّة المتيقّنة فيه «زيد حيّ» والموضوع في مثله ـ كما عرفت(2) ـ نفس زيدوماهيّته وهو كذلك موجود في زمان الشكّ حتّى بنظر العقل، فلا إشكال فياستصحاب حياته، لاتّحاد القضيّتين عقلاً.
فلا يصحّ القول بأنّ المناط في بقاء الموضوع نظر العقل، وإلاّ انسدّ بابالاستصحاب في الشبهات الحكميّة وبعض الشبهات الموضوعيّة.
هذا هو الفرق بين أخذ الموضوع من العقل وغيره.
والفرق بين أخذه من العرف وبين أخذه من لسان الدليل أنّ الشارع إذقال: «الماء المتغيّر نجس» وعلمنا بتغيّر ماء في أحد أوصافه الثلاثة، فصارنجسا بحسب هذا الدليل، فإن زال تغيّره من قبل نفسه فهل يجري استصحابالنجاسة أم لا؟ تظهر ثمرة الفرق بين أخذ الموضوع من العرف وبين أخذه منلسان الدليل في هذا المثال، فإنّ العرف بعد الشكّ في بقاء النجاسة لأجل زوالالتغيّر من قبل نفسه يحكم ببقاء الموضوع ويقول: «هذا الماء كان نجسا والآننشكّ في بقاء نجاسته» فيجري الاستصحاب، بخلاف ما لو كان الملاك لسانالدليل، فإنّ النجاسة حملت في لسان الدليل على الماء المتغيّر، وبعد زواله ليبقى هذا الموضوع، فلا مجال لاستصحاب النجاسة.
وهذا هو الفرق بين كون الملاك في اتّحاد القضيّتين نظر العرف أو لسانالدليل.
إشكال ودفع
(صفحه336)
هاهنا شبهة: وهي أنّا ذكرنا غير مرّة أنّ المتّبع في مفاد الأدلّة الشرعيّة هوفهم العرف، فكيف يتحقّق الفرق بين لسان الدليل ونظر العرف في بقاءالموضوع؟!
كلام صاحب الكفاية في الجواب عن الشبهة
وأجاب المحقّق الخراساني رحمهالله عنها في الكفاية بأنّ الشارع إذا قال: «العنبإذا غلى يحرم» ثمّ شككنا في حرمة الزبيب على تقدير الغليان، كان موضوعالدليل الشرعي بحسب فهم العرف هو خصوص العنب، ولكنّهم يتخيّلونبحسب ارتكازهم ومناسبات الحكم والموضوع أنّ الموضوع أعمّ من العنب،لكن لا بحيث يصير ذلك الارتكاز وتلك المناسبة موجبين لصرف الدليل عمّهو ظاهره المتفاهم عرفا، وهو ترتّب الحرمة على خصوص عنوان العنب.
وبعبارة اُخرى: إنّ العرف يرون أنّ موضوع الحرمة هو العنب، لكنّهم معذلك يتخيّلون بحسب ارتكازهم أنّ الموضوع أعمّ منه ومن الزبيب وأنّ العنبيّةوالزبيبيّة من حالاته المتبادلة، إلاّ أنّهم مع ذلك لا يجترؤون أن يحكموا بشمولنفس الدليل الشرعي للزبيب، لكنّهم يثبتون حكمه بالاستصحاب، لأنّالزبيب لو لم يكن محكوما بما حكم به العنب يكون عندهم من ارتفاع الحكمعن موضوعه ويصدق نقض اليقين بالشكّ(1).
هذا حاصل ما أفاده رحمهالله .
نقد كلام صاحب الكفاية في ردّ الشبهة
وفيه: أنّ الارتكازات والتخيّلات العرفيّة إن كانت بحيث توجب صرف