ج6
قال الصدوق رحمهالله في ذيل هذه الرواية: كان شيخنا محمّد بن الحسن بن أحمدبن الوليد رضىاللهعنه سيّئ الرأي في محمّد بن عبد اللّه المسمعي راوي هذا الحديث،وإنّما أخرجت هذا الخبر في هذا الكتاب، لأنّه كان في كتاب الرحمة، وقد قرأتهعليه، فلم ينكره ورواه لي.
وقال الشيخ الحرّفي الوسائل في ذيلها: أقول: ذكر الصدوق أنّه نقل هذا منكتاب الرحمة لسعد بن عبد اللّه، وذكر في الفقيه أنّه من الاُصول والكتب التيعليها المعوّل وإليها المرجع.
وكيف كان، فهذا الخبر لا يدلّ على الجمع المتقدّم، لأنّ صدره مربوطبالترجيح بكتاب اللّه وسنّة رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ولا يرتبط بالمتكافئين.
وأمّا قوله: «وإنّ اللّه نهى عن أشياء ليس نهي حرام» إلى قوله: «مشركباللّه العظيم» فهو لا يدلّ على التخيير الظاهري الذي نحن بصدده، بل علىالتخيير الواقعي، فهو يدلّ على عدم المعارضة بين الخبر الدالّ على الاستحبابوالكراهة والدالّ على الرخصة في الترك أو الفعل.
والشاهد على هذا قوله: «أو بهما جميعا» إذ لا يمكن الأخذ بكليهما إلاّ إذا لميكونا متعارضين.
نعم، ذيلها يدلّ على التوقّف، فهو من أخبار التوقّف، من دون أن يكوندليلاً على الجمع المتقدّم.
ولو لم نناقش في سند هذه الرواية لكانت ردّا على ما ذهب إليهبعض الأعلام من أنّ الدالّ على التوقّف روايتان: إحداهما: مقبولةعمر بن حنظلة(1)، والاُخرى: رواية سماعة(2)، وهما مع ضعفهما سند
- (1) وسائل الشيعة 27: 113، كتاب القضاء، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 21، وعيون أخبارالرضا 2: 20، الباب 30 فيما جاء عن الرضا عليهالسلام من الأخبار المنثورة، الحديث 45.
- (2) وسائل الشيعة 27: 106، كتاب القضاء، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 1.
(صفحه462)
متعارضان(1).
فإنّ هذه الرواية تكون رواية ثالثةً دالّة على التوقّف.
نتيجة البحث
والحاصل: أنّ الحقّ في الجمع بين الأخبار ما ذهب إليه سيّدنا الاُستاذالأعظم الإمام«مدّ ظلّه» من أنّ أخبار التخيير نصّ في جواز الأخذ بأحدالمتعارضين وأخبار التوقّف ظاهرة في وجوب الإرجاء وحرمة العمل بهما،ومقتضى القاعدة هو الأخذ بأخبار التخيير وحمل أحاديث التوقّف علىرجحانه، بل يمكن القول بكون الأمر فيها إرشاديّا، لا مولويّا.
فالشهرة الفتوائيّة وإن كانت على خلاف القاعدة الأوّليّة في المتكافئين كمتقدّم(2)، إلاّ أنّها توافق الأخبار الواردة في المقام.
- (1) وسائل الشيعة 27: 122، كتاب القضاء، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 42.
- (2) مصباح الاُصول 3: 404.
ج6
(صفحه464)
بقي التنبيه على اُمور
في أنّ التخيير في المسألة الاُصوليّة
الأوّل: لا إشكال في أنّ التخيير في الأخذ بأحد الخبرين ليس من قبيلالتخيير في المسألة الفرعيّة، بل في المسألة الاُصوليّة، ضرورة أنّ معناه أنّالمجتهد مخيّر عند الفتوى في الأخذ بأحد الخبرين، لا أنّه حكم من الأحكامالفرعيّة، كالتخيير بين خصال الكفّارة.
نعم، سيجيء البحث في أنّ التخيير في الأخذ بأحد الخبرين المتكافئين هلهو مختصّ بالمجتهد أو يعمّ المقلّد أيضاً.
ثمّ إنّ هاهنا إشكالاً، وهو أنّه كيف يحكم العقل والعقلاء بتساقط المتكافئينوالأخبار بالتخيير؟
واُجيب عنه بوجوه:
أ ـ أنّ العقل والعقلاء يحكمان بتساقطهما من حيث طريقيّتهما إلى الواقعوكاشفيّتهما عنه ولا يخطّئهما الأخبار العلاجيّة في ذلك، لكنّها تجعل حكمظاهريّا للشاكّ المتحيّر في وظيفته العمليّة بعد تساقطهما بحكم العقل والعقلاء،فمعنى التخيير المستفاد من الأخبار من قبيل الأصل المعوّل عليه لدى الشكّ فيالوظيفة.
ج6
ويشهد عليه أنّ ظاهر بعض أدلّة التخيير ذلك، فإنّ مفاده هو التوسعة فيالأخذ بأحدهما في صورة عدم العلم بالواقع(1).
لكن استشكل عليه بأنّ التخيير لو كان أصلاً عمليّا لما كانت مثبتات الخبرالمختار حجّة، مع أنّ القائلين بالتخيير يلتزمون بحجّيّتها كحجّيّة مدلولهالمطابقي كما لو لم يكن له معارض أصلاً، وهذا شاهد على عدم كون التخيير فيالمقام من قبيل الاُصول العمليّة.
ب ـ أنّ الشارع جعل الطريقيّة في صورة التعارض زائدةً على الطريقيّة التيكانت لكلّ خبر ثقة، سواء كان له معارض أم لا.
وفيه أوّلاً: أنّ الطريقيّة أمر ذاتي ولو كان الطريق ظنّيّا، فإنّالطريقيّة والكاشفيّة عبارة عن حصول الظنّ بالواقع، ولا يمكن جعل الظنّللدليل الظنّي ولا سلبه عنه، فلا يمكن جعل الطريقيّة والكاشفيّة له،ولا سلبها عنه.
نعم، يمكن جعل الحجّيّة له وسلبها عنه، ولهذا يقال: إنّ الأمارات والطرقعلى قسمين: معتبرة وغير معتبرة.
وثانيا: إن اُريد بجعل الطريقيّة في صورة التعارض جعلها لكلا المتعارضينفهو مستحيل، وإلاّ فلم يحكم العقل والعقلاء بتساقطهما، بل حكما بوجوبالأخذ بكليهما.
وإن اُريد جعلها لأحدهما المعيّن فهو تحكّم، لعدم تعيين علامة بها يعرفذلك المعيّن، على أنّه ينافي القول بالتخيير.
وإن اُريد جعلها لواحد غير معيّن منهما فلا واقعيّة له، فإنّ الموجود واقع
- (1) مثل ما روي عن الحسن بن الجهم عن الرضا عليهالسلام قال: قلت له: ...يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثينمختلفين ولا نعلم أيّهما الحقّ، قال: «فإذا لم تعلم فموسّع عليك بأيّهما أخذت». وسائل الشيعة 27: 121،كتاب القضاء، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 40. م ح ـ ى.