ثمّ قال: ودعوى السيرة القطعيّة على التوفيق بين العامّ والخاصّوالمطلق والمقيّد من لدن زمان الأئمّة عليهمالسلام وعدم رجوع أحد من العلماءإلى المرجّحات الاُخر، يمكن منعها، كيف؟ ولو كانت لما خفيت على مثلشيخ الطائفة، فلا يظنّ بالسيرة، فضلاً عن القطع بعد ذهاب مثله إلى العملبالمرجّحات في تعارض النصّ والظاهر، كما يظهر من عبارته المحكيّة عنهفي الاستبصار والعدّة(1).
إنتهى كلامه رحمهالله .
نعم، لو سئل عن ورود العامّ والخاصّ كان لما ذكر وجه.
وأمّا رواية الحميري: فوقع الاختلاف في حجّيّة مكاتباته، هذا أوّلاً.
وثانيا: كيف يجيب الإمام العالم بالواقع في واقعة خاصّة بورود خبرين فيهثمّ يخيّر السائل في العمل بأيّهما شاء؟! مع أنّ عليه بيان حكمها الواقعي، فلابدّمن حمل قوله عليهالسلام : «بأيّهما أخذت من باب التسليم كان صوابا» على بيانالحكم الواقعي، أي أنت مخيّر بحسب الواقع بين فعل التكبير بعد القيام عنالجلوس وبين تركه، أي لا يجب التكبير في هذه الحالة.
وهذا الحكم موافق أيضاً لتخصيص الخبر العامّ الذي أشار عليهالسلام إليهبالخاصّ، إذ الأوّل ظاهر في وجوب التكبير عند الانتقال من كلّ حالة إلىاُخرى، والثاني يدلّ على عدم وجوبه عند الانتقال إلى القيام من الجلوس.
وبهذا ظهر الجواب عن رواية عليّ بن مهزيار أيضاً، فإنّ الجواب فيها أيضعن الواقع، كما هو مقتضى الجمع العرفي بين الروايتين.
وأمّا إنكاره السيرة بدليل ذهاب شيخ الطائفة إلى العمل بالمرجّحات فيالنصّ والظاهر: ففيه أوّلاً: أنّ الشيخ رحمهالله بحث في كتاب العدّة عن العامّ والخاصّ،ولا مجال لهذا البحث لو كان معتقدا بشمول أخبار العلاج لهما، إذ لا أثرلمباحث العامّ والخاصّ لو التزمنا بكونهما متعارضين ولزوم إعمال المرجّحاتعند كونهما متفاضلين والتخيير في صورة كونهما متكافئين.
وثانيا: سيرته العمليّة في كتبه الفقهيّة على حمل العامّ على الخاصّ والمطلقعلى المقيّد والظاهر على النصّ، والملاك في ثبوت السيرة هو السيرة العمليّة.
والعمل بأخبار العلاج في العامّ والخاصّ مستلزم لفقه جديد وانقراضالفقه المتداول الموجود.
ولم يكن عندي كتاب العدّة والاستبصار حتّى يتّضح لي أنّ ما نسبه المحقّقالحائري رحمهالله إلى الشيخ فيهما هل هو صحيح أم لا؟
لكنّه قيل: إنّ عبارتيهما لا تدلاّن على ذلك.
البحث حول قاعدة الجمع
اشتهر بينهم أنّ «الجمع بين الدليلين مهما أمكن أولى من الطرح».في قاعدة الجمع
والمراد بالأولويّة هو الأولويّة التعيّنيّة، فهي من قبيل الأولويّة في اُوليالأرحام(1)، كما قال المحقّق الخراساني رحمهالله (2)، فلو تمّ هذه القاعدة سندا فمدلوله
- (1) إشارة إلى قوله تعالى: «وَأُوْلُواْ الأَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِى كِتَـبِ اللَّهِ». الأنفال: 75. م ح ـ ى.
(صفحه390)
وجوب الجمع بين الدليلين المتعارضين.
والمراد بالجمع هل هو الجمع العرفي، كالجمع بين العامّ والخاصّ وبينالمطلق والمقيّد وبين النصّ والظاهر وأمثالها، أو مطلقاً، حتّى فيما لا يمكنالتوفيق العرفي(1)؟ كما يظهر من تعبير ناقل هذه القاعدة، وهو الشيخ ابن أبيالجمهور الأحسائي في كتاب عوالي اللئالي بقوله: «ولو ببعض منالتأويلات»(2).
أمّا الأوّل: فلا إشكال فيه، ويكفي في سند القاعدة على هذا المبنى بناءالعقلاء.
وأمّا الثاني: فهو مستلزم لاختصاص أخبار العلاج مع كثرتها بموارد نادرةجدّا، لندرة موارد التعارض مع عدم إمكان التأويل في كليهما أو في أحدهما.
ولا دليل على القاعدة بهذا المعنى.
واستدلّ عليها بوجوه ثلاثة:
الأوّل: الإجماع.
وفيه أوّلاً: أنّه إجماع منقول، وثبت في محلّه أنّه ليس بحجّة، وثانيا: سيرةالعلماء على العمل بالمرجّحات، وبالتخيير عند فقدها فيما لا يمكن التوفيقالعرفي، فأين الإجماع؟!
الثاني: أنّ الأصل(3) في الدليلين الإعمال، فيجب الجمع بينهما مهما أمكن،لاستحالة الترجيح من غير مرجّح.
- (2) كالجمع بين قوله عليهالسلام : «ثمن العذرة من السحت» وبين قوله عليهالسلام : «لا بأس ببيع العذرة». وسائل الشيعة17: 175، كتاب التجارة، الباب 40 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1 و 2. م ح ـ ى.
- (3) عوالي اللئالي 4: 136.
- (4) يعني: القاعدة. م ح ـ ى.
ج6
وفيه أوّلاً: أنّه لا يدلّ على المدّعى، فإنّه لا يجري إلاّ في الدليلين المتعادلين،وأمّا إذا كان لأحدهما مرجّح فالأخذ بأحدهما ليس ترجيحا من غيرمرجّح، مع أنّ المدّعى هو وجوب الجمع بينهما، سواء كانا متعادلين أو كانأحدهما ذامزيّة.
وثانيا: أنّ القاعدة في المتعارضين هي التساقط عقلاً وعرفا، وإن شئتقلت: إنّ كون القاعدة في الدليلين الإعمال مسلّم في كلّ منهما مع قطع النظر عنالتعارض، وأمّا بلحاظه فهما متساقطان.
الثالث: أنّ لكلّ من الدليلين مدلولين: أصلي وتبعي، فإنّ دلالة اللفظ علىتمام معناه أصليّة وعلى جزئه تبعيّة، وطرح كليهما مستلزم لطرح الدلالاتالأربع، وطرح أحدهما مستلزم لطرح دلالته الأصليّة والتبعيّة، فلابدّ منالجمع بينهما، لأنّه لا يستلزم إلاّ طرح دلالتين تبعيّتين.
وفيه: أنّه لا يدلّ على المدّعى، لعدم تصوّر الدلالتين إلاّ في العامّ والخاصّونحوهما، فإنّ المولى إذا قال: «أكرم العلماء» ثمّ قال: «لا تكرم الفسّاق منالعلماء» فللعامّ دلالتان: أصليّة، وهي دلالته على جميع العلماء، وتبعيّة، وهيدلالته على الفسّاق منهم، فلابدّ من رفع اليد عن هذه الدلالة التبعيّة لأجلالدليل الخاصّ، بخلاف مثل «تجب صلاة الجمعة» و«لا تجب صلاة الجمعة»فإنّه لا يمكن تصوّر الدلالتين فيهما، سيّما على ما هو التحقيق من بساطة مفهومالوجوب.
فهذا الدليل لا يدلّ إلاّ على وجوب الجمع في موارد التوفيق العرفي.
نظريّة الشيخ رحمهالله في قاعدة الجمع ونقده
والشيخ الأعظم الأنصاري رحمهالله مع ذهابه إلى اختصاص القاعدة بموارد
(صفحه392)
الجمع العرفي وقال بعدم كلّيّتها استثنى موردا، وهو ما إذا كان كلا الدليلينمقطوعي الصدور، كآيتين أو متواترين، فقال بوجوب الجمع بينهما بتأويلهموالعمل بخلاف ظاهرهما(1).
ويرد عليه أنّه لا يمكن القول بتعارض آيتين من الكتاب العزيز، كيف؟وهو ينادي بأعلى صوته: «وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَـفًكَثِيرًا»(2)، فينفي وقوع التعارض والاختلاف فيه.
وأمّا التعارض البدوي الذي يزول بتأمّل ودقّة، كالتعارض بين العامّوالخاصّ وبين المطلق والمقيّد ونحوهما، فإنّه وإن كان في الكتاب، إلاّ أنّه ليسمن مصاديق التعارض كما عرفت(3).
وأمّا الخبران المقطوع صدورهما ـ كالمتواترين ـ فالتعارض بينهما وإن كانممكنا، إلاّ أنّ الطريق لا ينحصر بما ذهب إليه الشيخ رحمهالله من العمل بخلافظاهرهما، لإمكان حمل أحدهما على صدوره تقيّة.
هذا تمام الكلام حول قاعدة الجمع.
البحث حول النصّ والظاهر والأظهر والظاهر
الحقّ أنّ النصّ والظاهر خارجان عن موضوع الأخبار العلاجيّة تخصّصا،وكذلك الأظهر والظاهر، لأنّ موضوعها ـ كما عرفت ـ هو الخبران المتعارضانوالحديثان المختلفان، ولا تعارض بين النصّ والظاهر ولا بين الأظهر والظاهر،لأنّ العرف يجمع بينهما بحمل الظاهر على النصّ أو الأظهر، فهما خارجان عنموضوع أخبار العلاج حقيقةً وتخصّصا، كخروج الجاهل عن قوله: «أكرم