بكلّ من الخاصّين وحكم بحرمة إكرام الصرفيّين والنحويّين ووجوب إكرامباقي العلماء، ولا يخصّص بالخاصّ الأوّل ابتداءً ثمّ يلاحظ النسبة بينه وبينالخاصّ الثاني حتّى يعامل بينهما معاملة المتعارضين في مورد الاجتماع(1)، فإنّبينهما عموما من وجه، لأنّ العامّ بعد التخصيص بالأوّل يصير مفاده «يجبإكرام العالم غير الصرفي» وكون النسبة بينه وبين مفاد الخاصّ الثاني عموممن وجه، واضح.
وذلك لأنّ للعامّ أبعادا، وكلّ خاصّ يرد على بُعدٍ منه، والعقلاء ليلاحظون في مثل ذلك انقلاب النسبة في مقام التقنين، وإن صدر أحدالخاصّين مقدّما على الآخر، سيّما أنّ التخصيص لا يستلزم المجازيّة في العامّ،فإنّه تضييق للحجّيّة والإرادة الجدّيّة، لا لدلالة اللفظ والإرادة الاستعماليّة.
نعم، إذا كان أحد الخاصّين لبّيّا واضحا لدى المخاطب من دون تعمّقوتفكّر، كما إذا قال: «أكرم العلماء» ونحن نعلم بكون العالم الفاسق مبغوضا لهيخصّص العامّ به أوّلاً، ثمّ يلاحظ النسبة بينه وبين الخاصّ الآخر، بل لا ينعقدله ظهور إلاّ في غير مورد هذا المخصّص اللبّي، لأنّه كالمخصّص اللفظي المتّصل،بل التعبير بكونه مخصّصا مبنيّ على التسامح.
بخلاف المخصّص اللبّي الذي لا يكون بهذه المثابة من الوضوح، كالإجماعوبعض المخصّصات العقليّة، فلا فرق بينه وبين المخصّص اللفظي المنفصل فيتخصيص العامّ بكلّ منهما من دون ملاحظة انقلاب النسبة.
فالحقّ هو الاحتمال الرابع من بين الاحتمالات المتقدّمة، وهو التفصيل بينما إذا كان الخاصّان لفظيّين، أو لبّيّين غير واضحين بدون التأمّل ومراجعة
الكتب أو مختلفين، وبين ما إذا كان أحدهما لبّيّا واضحا.
هذا إذا لم يتوجّه إلى تخصيص العامّ بكليهما إشكال.
حكم ما إذا استلزم التخصيص بهما التخصيص المستهجن
المقام الثاني: لو استلزم تخصيصه بكليهما بقائه بلا مورد، كما إذا خرجنصف أفراده بأحدهما والنصف الآخر بالآخر، أو استلزم التخصيصالمستهجن، فحينئذٍ قال الشيخ الأعظم الأنصاري(1) وكثير ممّن تبعه ـ منهمالمحقّق النائيني رحمهالله (2) ـ بتحقّق التعارض بين العامّ وبين مجموع الخاصّين، لأنّمجموعهما مباين له.
نظريّة الإمام الخميني«مدّ ظلّه» في المقام
وأورد عليهم سيّدنا الاُستاذ الأعظم الإمام«مدّ ظلّه العالي» بأنّ المجموع لا وجودله في الخارج، وإنّما هو اعتبار عقلي، والموجود في الخارج الصادر منالأئمّة عليهمالسلام هو كلّ واحد من الخاصّين بخصوصه، والعامّ لا يباين ولا يعارضكلاًّ منهما، والمجموع الذي هو أمر اعتباري غير موجود في الخارج، لا يصلحلأن يعارض العامّ.
فالتعارض إنّما هو بين الخاصّين لكن بالعرض، لا بالذات، لاختلافموردهما، كما أنّ الاُصول العمليّة في أطراف العلم الإجمالي تكون متعارضةبالعرض، وإن لم يتحقّق التعارض بينها ذاتا، لاختلاف مجراها.
فلو قلنا بشمول أخبار العلاج التعارض بالعرض فلابدّ من العمل على
- (1) فرائد الاُصول 4: 102.
- (2) فوائد الاُصول 4: 742.
(صفحه428)
مقتضاها فيهذين الخاصّين، وإلاّ فلابدّ من الرجوع إلى القاعدة في المتعارضينمن التساقط أو التخيير، فإنّها تشمل التعارض بالعرض بلا إشكال.
وسيأتي(1) البحث عن شمول أخبار العلاج التعارض بالعرض وعدمه،وهكذا البحث عن القاعدة الأوّليّة وأنّها هل هي التساقط أو التخيير(2).
هذا حاصل كلام الإمام«مدّ ظلّه» مع توضيح منّا، وهو صحيح متين.
فالعامّ لا يكون طرفا للمعارضة، بل المعارضة بين الخاصّين.
لا يقال: كيف يكون العامّ خارجا عن طرفيّة المعارضة مع أنّه لولاه لمتحقّق التعارض بين الخاصّين؟!
فإنّه يقال: العامّ نظير العلم الإجمالي الموجب لتحقّق التعارض بين الأصلينمع كونه خارجا عن طرفيّته.
نعم، لو علم تلازم حكم الخاصّين لوقع التعارض بين العامّ وكلّ منالخاصّين، إذ كلّ منهما وإن لم يكن معارضا للعامّ ذاتا إلاّ أنّه بضميمة العلمبملازمة حكمه لحكم الخاصّ الآخر ـ بحيث لا يمكن انفكاكهما ـ يصير معارضللعامّ، ولا تعارض بين الخاصّين على هذا الفرض، لكونهما متلازمين.
فما ذهب إليه الشيخ ومن تبعه ينطبق على هذا الفرض، لكن مع تبديلقولهم: «يقع التعارض بين العامّ ومجموع الخاصّين» بـ «يقع التعارض بين العامّوبين كلّ واحد من الخاصّين».
هذا كلّه فيما إذا كان الخاصّان متباينين.
تعارض عامّ وخاصّين أحدهما أعمّ من الآخر
- (2) الرسائل، مبحث التعادل والترجيح: 32.